39/06/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اشتراط الموالاة بين الايجاب والقبول - مسألة ( 49 )- المكاسب المحرّمة.

مسألة( 49 ):- يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الايجاب والقبول فلو قال البائع بعت فلم يبادر المشتري إلى القبول حتى انصرف البائع عن البيع لم يتحقق العقد ولم يترتب عليه الأثر أما إذا لم ينصرف وكان ينتظر القبول حتى قبل صح.كما أنه لا تعتبر وحدة المجلس ، فلو تعاقدا بالتلفون فأوقع أحدهما الايجاب وقبل الآخر صح.أما المعاملة بالمكاتبة ففيها إشكال والأظهر الصحة إن لم ينصرف البائع عن بيعه وكان ينتظر القبول...........................................................................................................تشتمل هذه المسألة على ثلاثة نقاط:-

الأولى:- إنَّ الموالاة معتبرة في عقد البيع - وسائر العقود - ، والمقصود من الموالاة ليس هو عدم تحقق الفاصل بين الإيجاب والقبول بفترات زمانية ، وإنما المقصود أن لا يحصل انصراف في البين - يعني بين الايجاب والقبول- فإذا انصرف البائع عن البيع قبل تحقق القبول ولو لم تكن الفترة المتخللة طويلة فهذا معناه عدم تحقق الموالاة ، وأما إذا فرض أنه لم ينصرف فحتى لو طالت الفترة بين الإيجاب والقبول كساعة أو يوم أو شهر أو سنة فهذا معناه أنَّ الموالاة موجودة ، وهذا تفسير جديد للموالاة ، وهذا قد استفدناه من عبارة المتن حيث قال(قده):- ( يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الايجاب والقبول فلو قال البائع بعت فلم يبادر المشتري إلى القبول حتى انصرف لم يتحقق العقد ولم يترتب عليه الأثر ، أما إذا لم ينصرف وكان ينتظر القبول حتى قبل صح ) ، فالعبارة واضحة بالشكل الذي بيّناه.

والأجدر لأجل أن لا يحصل إيهام وتشويش من حيث المصطلحات نتدارك هذه المشكلة مع المحافظة على ما يريده السيد الماتن نرفع هذا التشويش فنقول:- لا يعتبر في تحقق القد الموالاة بين الايجاب والقبول أجل لو لم ينصرف البائع عن الايجاب حتى وإن طالت المدّة فلا يضر وإن انصرف قدح حتى وإن كانت الفترة قصيرة.

الثانية:- لا تشترط وحدة مكان العقد ، وهذا من الواضحات.

الثالثة:- يجوز العقد بالمكاتبة ، فإذا كتب المشتري ( قبلت ) تحقق العقد رغم أنَّ القضية مكاتبة.

أما النقطة الأولى:- وهي الموالاة ، فالمولاة ليس لها دليل لفظي ، ولم يشر القدماء إلى شرطية الموالاة تحت عقد البيع أو تحت عنوان أحكام العقود وإنما ذكروها ومروا عليها مرور عابر ، فمثلاً ذكرها الشيخ الطوسي(قده) في باب الخلع ، قال:- ( لو طلبت الزوجة الخلع بألف يلزم أن يكون جوابه على الفور فإن تراضى لم يقع خلعياً بل رجعياً )[1] ، وينبغي أن نعرف أنَّ نفس الطلاق هو ايقاع لكن نفس الخلع هو عقد ، يعني يتركّب الطلاق الخلعي من عقدٍ زائداً إيقاع ، والعقد هو أن تقول الزوجة ( بذلت لك مهري أو كذا ) وهو لابد أن يقول ( قبلت ) ثم بعد ذلك يقول لها ( أنت طالق فهي مختَلِعة مختَلَعة[2] ) - ، ولكن المقصود أنَّ الشيخ أشار إلى العقد الأوّل حيث قال يلزم بينهما الاتصال والفورية.

وقال الشهيد الأول في الدروس:- ( ورابعها القبول المقارن للإيجاب إذا كان على من يمكن منه القبول ويقبل الولي عن المولّى عليه مع الغبطة )[3] ، والشاهد هو أنه اشترط المقارنة للقبول مع الايجاب ، وقال أيضاً:- ( ولا ترتيب بين الايجاب والقبول ...... ولا يقدح تخلل آنٍ أو تنفس أو سعال )[4] ، فهذا فيه أنَّ الموالاة معتبرة ولكن بهذا المقدار لا يضر ، وقال في قواعده:- ( الموالاة معتبرة في العقد ونحوه وهي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء والمستثنى منه )[5] ، وكأنه يريد أن يبيّن المدرك للموالاة ، وسنقرأ عبارة الشيخ الأنصاري(قده) يجعل هذا دليلاً ولكنه يفتحه فأساسه للشهيد(قده) ولكن توضيح من قبل الشيخ الأعظم(قده) ، وقال في جامع المقاصد:- ( ويشترط وقوع القبول على الفور عادةً[6] من غير أن يتخلل بينهما كلامٌ أجنبيٌّ )[7] .

هذه بعض عبارات القوم ، فإذن هم يعتبرون الموالاة ولكن من دون بيان المدرك إلا الشهيد الأوّل فهو حاول أن يلمّح إلى الدليل ، وكما قلنا لم يذكروا ذلك تحت عنوان شروط العقد أو لا أقل يذكر في عقد البيع ويحلق غيره به ولكهم ذكروه في مناسبات مختلفة.دليل اعتبار الموالاة في العقد:-يمكن ذكر بعض الأدلة في هذا المجال:-

الدليل الأوّل:- ما أشار إليه الشيد الأوّل في قواعده حيث قال:- ( وهي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء والمستثنى منه ) وأوضحه الشيخ الأعظم(قده) ، وحاصله: إنّ كل أمر تدريجي إذا كانت له صورة اتصالية عرفاً فلتحقق تلك الصورة الاتصالية تعتبر أحياناً الموالاة ، ومقدارها يختلف باختلاف الموارد ، فمثلاً الأذان[8] هو أمر تديجي وله وحدة اتصالية فتعتبر الموالاة فلو فرض أنَّ شخصا قال ( الله أكبر ) وسكت ربع ساعة ثم بعد ذلك قال ( الله أكبر ) ثم سكت ربع ساعة مثلاً فهذا عرفاً لا يقال له أذان ، فإذن يلزم أن تكون الفترة بين فقرة وفقرة قصيرة ، وهكذا يعتبر الاتصال بين لفظ ( الله ) و لفظ ( أكبر ) ولا يحصل الفاصل ، والفاصل هنا يكون أقل من الفاصل بين ( الله أكبر ) الأولى و ( الله أكبر ) الثانية ، أما بين الحروف فحتى الثواني لعلّها غير مغتفرة.

إذن تختلف الأشياء حسب النظر العرفي في مقدار اعتبار الموالاة ومحقّق الموالاة.

وقد إلى هذا المطلب الشهيد الأوّل حيث قال: ( وهي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء والمستثنى منه ) ، يعني يريد أن يقول إنَّ الأساس هو الاستثناء وقس عليه ، فإنه لو قال ( جاء القوم ) ثم سكت فترة دقيقتان ثم بعد ذلك قال ( إلا زيداً ) فإنَّ هذا فاصل مضرّ ، بل يلزم أن يكون الفاصل قليلاً حتى يصدق الاستثناء ، وقد بيّن ذلك الشيخ الأعظم(قده) وهو أنَّ كل أمرٍ تدريجي كانت له صورة اتصاليه فلأجل تحقق تلك الصورة الاتصالية تعتبر الموالاة ومقدارها يختلف باختلاف الموارد وتحديدها يكون بيد العرف[9] .

وبعد أنَّ بين الشيخ الأعظم(قده) هذا الدليل أشكل عليه وقال:- إنَّ هذا يتم فيما لو أخذ عنوان العقد في دليل امضاء العقود ، يعني إذا كان المدرك هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، أما إذا كان المدرك هو ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ فيمكن أن يقال إنَّ البيع يصدق حتى مع عدم الموالاة ، وهكذا التجارة عن تراض.

فبالتالي لو كان هذا المدرك سوف لا نعتبر الموالاة ، لأنه بالتالي يوجد عندنا ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ فنتمسّك به.

إلا أن يقال:- إنه يوجد فارق ، فإنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يثبت لنا الصحة ويثبت لنا اللزوم ، أما ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ فلا يثبت لنا سوى الصحّة دون اللزوم.

فيمكن أن يجيب الشيخ ويقول:- إنه يوجد عندنا مدرك آخر لإثبات اللزوم ، وهو التمسّك بالاستصحاب أو مدراك أخرى.


[2] والأحوط الاتيان بالصيغتين ( مُختلعَة ) و ( مختلِعَة ).
[6] المقصود العرفية.
[8] وهذا المثال من عندي.
[9] تراث الشيخ الانصاري، الأنصاري، تسلسل16، ص158.