34-08-23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 فاقد القرن أو الذنب أو الأذن:-
 إذا فرض أن الحيوان كان فاقداً لأحد هذه الأمور الثلاثة من خلقته فهل يعدّ ذلك نقصاً وعيباً وبالتالي لا يجتزأ به في الهدي ؟
 والجواب:- ذكر صاحب المدارك(قده) [1] أن الأصحاب قد قطعوا بإجزاء الجمّاء وهي التي ليس لها قرن من الخلقة والصمعاء وهي التي فاقدة للأذن من الخلقة أيضاً ، ولأجل قطع الأصحاب واجماعهم إذن لا مانع من هذين . ثم أضاف قائلاً:- ولأن - أي كوجهٍ ثانٍ - فقدان هذين الوصفين لا يؤثر على قيمة الشاة ولا على لحمها . ثم قال [2] :- واستقرب العلامة في المنتهى البتراء أيضاً وهي مقطوعة الذنب ولا بأس به . إذن من خلال هذا اتضح أن صاحب المدارك(قده) يقول بإجزاء هذه الثلاثة لهذين الوجهين.
 وقال صاحب الجواهر(قده) [3] إن كان هناك إجماع على إجزاء هذه الثلاثة فهو الحجّة وأما إذا شكّكنا في تحققه فمقتضى إطلاق صحيحة علي بن جعفر التي قالت إن الناقص لا يجزي في الهدي الشمول لمثل هذه الثلاثة فإنه يصدق عليها عنوان الناقص فهذا الحيوان الذي لا ذَنَبَ له من أصل الخلقة أو لا أذُنَ له أو لا قرن له كذلك يصدق عليه أنه ناقص بمقتضى الاطلاق ودعوى أن القيمة لا تقل بذلك مدفوعة بأن تأثر القيمة وعدم تأثرها لا ربط له بصدق عنوان النقص والنقصان فهذا الحيوان ناقص سواء نقصت قيمته أم لم تنقص فهذا هو مقتضى الاطلاق . ثم قال:- على أن الصغرى قابلة للتأمل والمناقشة - أعني أن القيمة لا تقل ولا تتأثر بعدم هذه الأمور الثلاثة -.
 إذن هو(قده) يتمسك بإطلاق كلمة الناقص ونقصان القيمة وعدمه لا ربط له بالوصف المذكور لو سلّم أن القيمة لا تقل ، ومن قال إنها لا تقل ؟
 وذكر السيد الخوئي(قده) في تقرير درسه شيئاً آخر فقال:- إن النقصان يصدق عرفاً لو فرض أن الجزء أو الوصف المفقود يؤثر على حياة الحيوان وعيشه أما إذا كان فقدانه ووجوده ليس مؤثراً من حيث الحياة والمعيشة فعنوان النقص لا يصدق عليه ومن الواضح إن فقدان الذَنَب لا يؤثر على عيش الحيوان وحياته وكذلك فقدان الأذن وهكذا . ثم أضاف قائلاً:- ومع الشك نتمسك بالقدر المتيقن من عنوان النقص يعني إن الجزء المفقود إذا كان يؤثر على حياة الحيوان ومعيشته فهذا يصدق عليه عنوان النقص والنقصان جزماً فلا يجزئ وأما إذا شككنا أنه يصدق أو لا فحينئذ سوف نشك في شمول مفهوم النقص لمثل هذا وهذا من قبيل دوران أمر المفهوم بين السعة والضيق فلا ندري أن مفهوم النقص وسيع يشمل حتى مثل فقدان هذه الأوصاف التي لا تؤثر لا تؤثر على الحياة أو هو ضيق يختص بالذي فقده يؤثر على الحياة والقدر المتيقن هو الثاني أما ذاك فيشك في شمول المفهوم له فيصير المورد من التمسك بالعام في الشبهة المفهوميّة أي لا ندري أن المفهوم هنا هل هو وسيع حتى يشمله الحكم أو أنه ضيّق حتى لا يشمله فلا معنى للتمسك بعموم الحكم فإن ثبوت الحكم فرع صدق وثبوت المفهوم فإن الحكم يقول إذا ثبت هذا المفهوم وكان صادقاً فإني ثابت أما أن الحكم هل هو صادقٌ أو لا وشاملٌ أو لا فهذه قضيّة ليست مرتبطة بي.
 هذه كلمات الأعلام في المسألة.
 أقول:-
 أما ما ذكره السيد الخوئي(قده):- من أن النقص إنما يصدق إذا كان الجزء المفقود يؤثر على حياة الحيوان ومعيشته فهذا لم نفهم مستنده فإنه سواء أثر على طريقة معيشة الحيوان أم لم يؤثر فبالتالي هو نقص مادام يؤثر على القيمة . نعم إذا لم يؤثر عليها فذلك يمكن أن نوافقه فيه ولكن من تلك الجهة - أي من جهة أنه لا نقصان في القيمة - أما إذا تأثرت القيمة فهذا نقصٌ سواء أثر على طريقة معيشته أو لم يؤثر.
 وأما ما ذكره صاحب الجواهر:- من أننا نتمسك بإطلاق كلمة النقص والناقص ولا ربط لذلك بنقصان القيمة فيردّه إنّا لا ندعي الجزم بذلك - يعني أن عنوان النقص مرتبط بنقصان القيمة - بل نكتفي بالشك والاحتمال ، يعني نحتمل أنا عرفاً لا يصدق على هذا الحيوان أنه ناقص خصوصاً إذا فرض أن قيمته زادت بفقدان هذا كما في الخصيّ فإن القيمة قد تصعد فإنه هنا إن لم نجزم بانصراف عنوان الناقص عن مثل هذا فلا أقل من الشك فيكون المورد من الشك في سعة المفهوم وضيقه ومعه يتمسك بالقدر المتيقن نظير ما إذا فرض أنه قيل ( أكرم العادل ) وشككنا أن العادل هل أن مفهومه ضيّق يختص بمن ترك الكبيرة والصغيرة معاً أو أنه وسيع - يعني يكفي إذا ترك الكبيرة وإن فعل الصغيرة - فلا يمكن التمسك بإطلاقه مع تردّد مفهومه بل يتمسك بالقدر المتيقن وهو تارك الكبيرة والصغيرة . فإذن نحن يكفينا الشك والتردّد وبالتالي يكون المفهوم مردّداً بين السعة والضيق فنتمسك بالقدر المتيقن.
 نعم يبقى شيء وهو أنه هل تنقص القيمة حقاً أو لا تنقص بفقدان هذه الأمور ؟ هذا أوّل الكلام فإن الذنب يعطي جماليّة للحيوان وكذلك الأذن ولا أقل ذلك وهذه الجمالية تُصعِّد من قيمة الحيوان ، فمن حيث الصغرى هذه قضيّة ثانية ولعلّ الحق مع صاحب الجواهر(قده) الذي قال إنّي لا أسلم بأن القيمة لا تتأثر بفقدان هذه الأمور فلعل كلامه صواب وصحيح ولكن من حيث الكبرى فنحن نخالف ما ذكره والحقّ يكون مع صاحب المدارك.
 بهذا انتهى حديثنا عن هذه العناوين.
 تنبيه:- بقي شيء كان من المناسب الاشارة إليه وهو أن السيد الماتن (قده) حينما ذكر الشرائط المعتبرة في الحيوان وأنه ينبغي أن يكون سالماً من العيوب ومن النقص كان من المناسب الاشارة إلى أنه هل يلزم أن يكون مملوكاً لشخص المكلف الحاج أو لا يلزم ذلك كما إذا كان مباحاً فهنا هل يكتفي بمثل الحيوان المباح أو لابد من أن يكون مملوكاً ؟
 والجواب:- إن أقصى ما استفيد من النصوص هو أن المتمتع عليه الهدي أما أن يكون مملوكاً له فلم تدلّ عليه ، وإذا لم يمكن التمسك بالإطلاق فيكفينا أصل البراءة . نعم يعتبر شيء آخر وهو أن يكون الهدي منتسباً إلى الشخص الحاج وأما إذا لم يكن منتسباً إليه كما إذا أخذ هدي غيره فلا يصدق عليه أنه قد أهدى فإنه مغصوبٌ فنحتاج إلى انتسابٍ مقبولٍ عرفاً وليس مقبولاً في نظر الغاصبين وغير المتدينين ويكفي في الانتساب أن يقول لي شخص ( إذا أردت أن تأخذ هذا الحيوان وتذبحه فإني أجيز لك ذلك ) . إذن هذا المقدار لا محذور فيه مادام مأذوناً فيه . ونفس الشيء نقوله في مسألة الفدية أيضاً فإنه لا يلزم أن يكون الزوج إذا أراد أن يدفع طحينا مثلاً كفدية شهر رمضان عن زوجته أن يُمَلّكها في المرحلة الأولى ثم هي تدفعه بعنوان الفدية كلا بل إذا اشتراه فإنه وإنه لم يُجرِ صيغة التمليك لها ولكنه قال لها إذا شئت أن تأخذي منه فخذي كفى ذلك ولا يحتاج إلى تمليكها.
 وإذا فرض أن شخصاً طلب من غيره أن يذبح عنه من دون أن يعطيه فلوساً فقبل بذلك وذبح عنه فهل يكفي أو لا ؟ المناسب هو الاكتفاء إذ بالتالي يصدق الانتساب وأن هذا قد ذبح وأهدى . وإذا فرض أن شخصاً ذبح شاة صديقه عن نفسه وليس عن صاحبها بأن فرض أن صديقه كان عنده حيوان وهو قد ذبحه بأمل أن يقول له بعد ذلك بأنه تصرف في حيوانه فإذا رضي بعد ذلك فهل يكتفي بمثل ذلك ؟ إن هذا محلّ إشكال مادام الرضا لم يكن ثابتاً من البداية للشك في صدق عنوان الانتساب في مثل هذه الحالة . ومنه يتضح الحال فيما إذا ذبح الزوج عن زوجته أو الولد عن أمّه فإنه تارةً يفترض أن الزوجة أو الأم تطلب من الولد أو الزوج ذلك ويقولان له اذبح لنا أو يفترض أن الولد مثلاً يقول لأمّه هل أذبح عنك فتقول نعم فيذبح إن هذا يكفي أيضاً لصدق الانتساب وأن الأم قد ذبحت أما إذا فرض أن الولد ذبح من دون أن يكسب الرضا والإجازة مسبقاً وبعد ذلك يقول لها ذبحت عنكِ فترضى الأم إن كفاية هذا محلّ إشكال أيضاً لعدم صدق الانتساب حين الذبح . ونظير هذا المطلب يأتي في باب الخمس فلو فرض أن الولد يدفع الخمس عن والدته من دون أن تدري أو الزوج يدفعه من دون أن تدري الزوجة ولكن بعد ذلك قال لها إني قد دفعته إن إجزاء هذا محلّ إشكال ، نعم لو فرض أنها طلبت من البداية وقالت له ادفع عنّي فدفع فالانتساب حينئذ يكون متحققاً وكافٍ . وإذا فرض أن الثمن الذي اشتري به الحيوان كان مما تعلق به الخمس أو فرض أنه كان مغصوباً فهل يجزي مثل الهدي المذكور ؟ والجواب:- بما أن الشراء عادةً في زماننا يكون كليّاً - أي حينما نشتري الحيوان لا نشتريه بهذا الثمن الموجود في الجيب وإنما نشتريه بالريالات الكليّة فالثمن كليّ - فحينئذ يكون البيع والشراء صحيحاً غايته يكون الدفع باطلاً لا أصل أن الشراء باطل ، وعلى هذا الأساس يصير مالكاً للحيوان وقد ذبح ملكه ، وإذا اطلع البائع بعد ذلك على أن الثمن الذي دفعه كان مغصوباً أو متعلقاً للخمس وكان رجلاً متديّناً ولم يرضَ بما أعطاه من الثمن فهل يؤثر ذلك على البيع ؟ كلا ولا حق له في الفسخ فإن الشراء كان صحيحاً ، نعم له الحق في أن يطالب بدفعٍ آخر ، نعم لو فرض أنه عصى في دفع الثمن الثاني فهذا يعني أنه لم يدفع له الثمن فله الحق في الفسخ من باب عدم دفع الثمن إذ يوجد اشتراط ضمنيّ بأنه إذا لم يدفع الثمن فمن حق الطرف الثاني الفسخ أما إذا فرض أنه أعطاه ثمنٍ ثانٍ فلا حق له في الفسخ.


[1] مدارك الأحكام، ج8، ص33.
[2] وأنا أنقل كلامه بالمضمون.
[3] جواهر الكلام، ج19، ص144.