1439/10/09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/10/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصالة اللزوم - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.

الدليل الثاني:- قوله تعالى﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالابل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ ، وقد تمسّك بها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب لإثبات أصالة اللزوم بتقريبين:-

التقريب الأوّل:- إنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، وحينئذٍ يقال: إنه إذا أراد أحد الطرفين الفسخ فحينئذٍ نقول إنَّ فسخه وأخذه المال الذي انتقل منه إلى المشتري - وهو المبيع فإنَّ المبيع قد انتقل إلى المشتري حتماً - فهذا تصرّف في ملك الغير من دون رضاه فيكون مصداقاً لأكل المال بالباطل ، فإذن الآية الكريمة تدل على عدم جواز الفسخ من دون رضا الطرف الآخر ، نعم لو كان العقد لازماً ولكن اتفقا على فسخه فهذا حقٌّ لهما ، ولكن الكلام في أنه لا يوجد تراضٍ فهذا يكون تصرّفاً في المال من الذي انتقل عنه من دون رضا صاحبه فيكون أكلاً للمال بالباطل فلا يجوز بمقتضى الآية الكريمة.

وهكذا الحال إذا أراد المشتري أن يفسخ فالكلام هو الكلام ، فإذا أراد أن يفسخ ويرجع الثمن فهذا أكل للمال بالباطل ، لأنه تصرّف في مال الغير من دون إذنه فيكون.هكذا تمسّك الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب بهذا التقريب لإثبات دلالة الآية الكريمة على اللزوم وأنَّ الأصل في كلّ معاملة هو اللزوم.

وفيه:- إنَّ المالك الحقيقي - وهو الله عزّ وجل - لو أَذِنَ في الفسخ وجعل حق الفسخ وأثبت حق الفسخ فحينئذٍ لو فسخ الشخص بعد إِذن المالك الحقيقي ، كما هو الحال في أذن المالك الحقيقي رغم عدم رضا المالك المجازي في مثل المارّة إذا مرّوا في الطريق وكان في الطريق بستان وقد تدلّت الأغصان على الطريق وفيها ثمار فهنا قد دلت بعض الروايات على أنه يجوز الأكل منها ، فهنا لو لم يرضَ صاحب البستان فهذا لا نقبله منه لأنَّ المالك الحقيقي قد أجاز ، وهكذا الحال في الأكل من بيوت من ذكرتهم الآية الكريمة كالعمّة والخالة والأخت وغير ذلك ، وهكذا في باب الشفعة فإنه إذا تبايعنا وصار نقل وانتقال ولكن بحق الشفعة أردت أن أفسخ ، ففي مثل هذه الحالة وإن كان المالك لا يرضى فذلك لا يؤثر شيئاً بعد أَذِنَ المالك الحقيقي.

وفي موردنا نقول ذلك ، فإنَّ المالك الحقيقي لو أذن فهل يصدق على الأكل آنذاك أنه أكل بالباطل ؟ كلا ، وحيث إنا نحتمل أنَّ هذه المعاملة جائزة وبالتالي يجوز الفسخ فأخذ المال بعد الفسخ لا نجزم بكونه أكلاً للمال بالباطل بل يحتمل أنه ليس أكلاً للمال بالباطل ، فيصير المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

التقريب الثاني:- إنَّ الآية الكريمة قالت بعد ذلك ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ يعني هي حصرت مجوّز الأكل بالتجارة عن تراض ، ومن المعلوم أنه إذا فسخ أحد الطرفين من دون رضا صاحبه لا يصدق على هذا الفسخ عنوان تجارة ، كما لا يصدق علية أنه عن تراضٍ ، فلا يصدق عنوان تجارة ولا يصدق عنوان تراضٍ[1] ، والمفروض أنَّ الآية الكريمة حصرت وقالت ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ ، يعني أنَّ مجوّز الأكل هو التجارة عن تراض ، وفي الفسخ لا يصدق عنوان التجارة جزماً ، وأيضاً لا يصدق ( عن تراضٍ ) فلا يجوز الأكل ، وبذلك ثبت اللزوم ، يعني عدم جواز الأكل بالفسخ وهو مطلوبنا.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ الاستثناء المذكور استثناء منقطع وربما يقال إنه لا يفيد الحصر ، فإنَّ كلمة ( إلا ) في الاستثناء المنقطع هي بمعنى ( لكن ) ، فحينما يقال ( جاء القوم إلا الحيوان الفلاني ) فهذا استثناء منقطع ، فهنا ( إلا ) تكون بمعنى ( لكن ) ، يعني ما جاء القوم لكن جاء الحيوان الفلاني ، فإذا قيل ( لكن جاء .. ) فهذا لا يدل على الحصر بل لعلّه جاء غيره أيضاً ، فـ ( إلا ) هنا لا تدل على الحصر لأنها بمعنى ( لكن ) ، وهذا المعنى موجود في كلمات النحاة وفي اللغة العربية.

وحاول السيد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب[2] أن يدافع عن الشيخ الأعظم(قده) حيث قال:- لنقل إنَّ الاستثناء متصل وليس منقطعاً ، يعني أنَّ المقصود هكذا ( لا تأكلوا أموالكم بأيّ سببٍ من الأسباب إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ ) فإذا صنعنا هكذا فالاستثناء سوف يكون متصلاً وليس بمنقطع ، فإنَّ المقابلة هي بين الباطل وبين التجارة عن تراض ، فإنَّ التجارة عن تراضٍ ليست مصداقاً للباطل فيصير الاستثناء منقطعاً ، أما إذا جعلنا المستثنى منه هو ( لا تأكلوا أموالكم بأيّ أمر من الأمور إلا أن تكون تجارة عن تراض ) فهنا يصير الاستثناء متصلاً ، وحينئذٍ لا مشكلة.

ويردّه:-

أوّلاً:- إنَّ هذا خلاف الظاهر ، فإن الآية الكريمة تقول ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، وما ذكرته من توجيه الآية الكريمة وأنَّ المقصود منها هو ( بأيّ سبب من الأسباب وبأيّ أمر من الأمور ) حتى يصير الاستثناء متصلاً لا نقبل به لأنه مخالفٌ للظاهر.

ثانياً:- ومع التنزّل نقول: بالتالي يحتمل أنه متصل ويحتمل أنه منفصل ، ومعه لا يمكن استفادة الحصر من الآية الكريمة ، فإنَّ استفادة الحصر فرع احراز أنَّ المورد من الاستثناء المتّصل ، ونحن كما نحتمل أنه متصل نحتمل أنه منفصل ، فلا محرز إذن لا ثبات الحصر.

فإذن محاولة السيد اليزدي(قده) ليست بتامة.

[1] - يعني أنّ المحذور من ناحيتين من ناحية أنه لا صدق تجارة ومن ناحية أنه لا يصدق عن تراض -.
[2] الحاشية على المكاسب، السيد اليزدي، ص74، ط قديمة.