29-01-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الرواية الثانية:- رواية سويد القلى عن أبي سعد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- (  يجب الحلق على ثلاثة نفر رجلٍ لبّد شعره ورجل حج بدءاً لم يحج قبلها[1] ورجل عقص شعره )[2] ودلالتها واضحة ولعله يدّعى صراحتها في ذلك حيث إنه عليه السلام عبّر بلفظ الوجوب وعدّ من جملة الأفراد الذين يجب عليهم الحلق هو الرجل الذي يحجّ أوّل مرّة لم يحج قبلها.
هذا ولكن صاحب المدارك(قده)[3] قال:- إنا ذكرنا مراراً أن اللفظ المذكور يحتمل ذلك لا أنه ظاهر فيه ، يعني أن لفظ ( الوجوب ) في الروايات يحتمل إرادة الوجوب أما أنه ظاهر في ذلك كما هو المطلوب فلا ، ويشير(قده) بهذا الكلام إلى أن الوجوب يأتي بمعنى الثبوت فيجب الحلق على ثلاثة يعني يثبت والثبوت أعم من الوجوب والاستحباب فهو موضوع للقدر المشترك إذن لا يثبت بذلك المطلوب وقد تبرز قرينة في هذا المجال على أن المقصود هو الوجوب وهي أن الرواية ذكرت المقّعص والملبّد وقد دلت روايات متعدّدة على أن هذين يجب عليهما الحلق بنحو التعيّن فهذا يصير قرينة على أن الوجوب هنا هو بالمعنى المصطلح لا بالمعنى اللغوي.
بيد أنه يمكن لصاحب المدارك(قده) أن يجيب ويقول:- إن هذا وجيهٌ إذا ثبت تعيّن الحلق على الملبّد والمعقّص بنحوٍ واضح ومقطوع به ومسلّم به فحينئذٍ هذا قد يشكل قرينة ولكن مجرّد دلالة بعض الروايات لا ينافي ذلك مع افتراض روايةٍ أخرى معارضة فتلك الروايات نسلّم بأنها دلّت على وجوب الحلق على الملبّد والمعقّص ولكن ما المانع من مجيء رواية أخرى معارضة فلتكن هذه الرواية معارضة ، نعم لو كان وجوب ذلك شيئاً واضحاً جداً فهذا قد يكون وجيهاً في كونه قرينة أما مجرّد ورود بعض الروايات فهذا لا ينفع . على أنه يمكن له(قده) أن يجيب أيضاً بأني أنا لا أدّعي أن كلمة الوجوب أريد بها خصوص الثبوت الاستحبابي حتى يرد هذا الكلام وإنما أقصد أن المراد بها هو الثبوت الشامل للاستحباب والوجوب فعلى هذا الأساس لا محذور في أن يكون الحلق متعيّناً في حقّ الملبّد والمعقّص بنحو الوجوب التعييني ولكن في نفس الوقت يكون مستحبّاً فيما لم يحّج وكلمة وجوب أريد بها الثبوت بالمعنى الأعم بمعنى القدر المشترك ، إذن هذا لا يصلح قرينة . نعم الذي قد يصلح قرينة هو أن الحلق راجح ومستحب في حقّ غير الصرورة أيضاً - أي في حق من حج ثانيةً وثالثةً - فإنه وإن كان مخيّراً ولكن دلّت بعض الروايات على أنه رغم ذلك يكون الحلق أفضل حتى لمن حّج مراراً ، وعلى الأساس لو كان المقصود هنا الثبوت بالمعنى للأعم الشامل للاستحباب لكان من المناسب إضافة غير الصرورة فلماذا قصر الإمام عليه السلام الإشارة إلى من حج بِدْءً ولم يشر إلى من الحج ثانيةً وثالثةً ؟! إذن هذا يصلح قرينة على أن المقصود من الوجوب هنا المعنى المصطلح فحينئذٍ يتمّ الوجه لتخصيص هذه الثلاثة بالذكر وإلا فلا.
إذن الدلالة يمكن أن يقال بأنها لا بأس بها[4].
نعم المشكلة من حيث السند فإنه قد رواها الشيخ الطوسي(قده)بإسناده ( عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن علي بن النعمان عن سويد القلى عن أبي سعد ) وسند الشيخ الى محمد بن عبد الجبّار لا مشكلة فيه على ما هو مذكور في المشيخة أو الفهرست وهكذا محمد بن عبد الجبار ومحمد بن اسماعيل وعلي بن النعمان وسويد القلى هم من الثقاة وإنما المشكلة في أبي سعد فإنه لم تثبت وثاقته مضافاً إلى تردّده بين أبي سعد وأبي سعيد وعلى التقديرين الوثاقة ليست ثابتة حتى إذا كان الوارد هو اسم أبي سعيد ، وعلى أي حال المشكلة ثابتة من حيث السند.
الرواية الثالثة:- وراية - أو موثّقة - عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق ، قال:- إن كان قد حجّ قبلها فليجز شعره وإن كان لم يحجّ فلابد له من الحلق... )[5] ، إنه عليه السلام ذكر أن الحج إذا كان حجّاً أوّلاً فلابد له من الحلق ودلالتها على الوجوب واضحة حيث قال عليه السلام ( فلابدّ ) وهذه ظاهرة في الوجوب جزماً . نعم المشكلة هي أنه قد فرض أن الرجل برأسه قروحٌ لا يقدر على أن يحلق فكيف قال الإمام له لابد له من الحلق إن هذا يعني أن الإمام عليه السلام قد أمر بالحرج والآية الكريمة تقول ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ؟
وقد يقال:- بأنه لا مانع من التخصيص يعني أن قوله تعالى ﴿ مما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ هو مطلق ولا مانع من تخصيصه فنقول إلا في هذا المورد فإنه ليس حكماً عقلياً حتى يمتنع تخصيصه.
بيد أن العموم المذكور يمكن أن يقال هو من العمومات التي يصعب تقييدها فإنه من البعيد جدّاً وجود حكم حرجي في الشريعة الإسلامية بعد وضوح أنها الشريعة السمحة السهلة فهذا الاحتمال يكون ضعيفاً.
وقد يقال:- بأنه أي مانع من التفكيك فإن هذه الرواية دلّت على مطلبين فهي قد دّلت على أصل وجوب الحلق في حقّ من لم يحجّ مسبقاً ودلت أيضاً على أن صاحب القروح يلزمه ذلك أيضاً ومادامت دالة على حكمين فحينئذٍ نضم فكرة التفكيك التي يلتزم بها المشهور فنقول إن الحكم الثاني نرفع اليد عنه لأجل الجزم ببطلانه مثلاً ويبقى حينئذٍ الحكم الثاني على حاله فيثبت بذلك المطلوب ، ولكن هذا يتمّ بناءً على فكرة التفكيك لا بناءً على ما نختاره من أن عمليّة التفكيك مرفوضة باعتبار أن السيرة العقلائية لا نجزم بانعقادها على الأخذ بالكلام الذي يشتمل على بعض الأجزاء المرفوضة ولكن على مبنى من يقبل التفكيك فليؤخذ بالتفكيك هنا وتنحلّ المشكلة.
والجواب:- إن فكرة التفكيك هي مسلّمة إذا فرض وجود حكمين وفقرتين مستقلتين أحداهما تدل على هذا الحكم والثانية تدلّ على ذلك الحكم فهنا لا بأس بفكرة التفكيك ولكن المفروض هنا هو أن الحكم ابتداءً قد ورد على من برأسه قروح والإمام عليه السلام أوجب عليه الحلق ومنه استفدنا بالدلالة الالتزامية أو بغير الالتزامية أن الحلق واجب في حقّ الصرورة ، إذن المورد هو ذلك والدّال واحدٌ لا أنه يوجد دالّان حتى نفكك بينهما . إذن فكرة التفكيك هنا شيءٌ صعبٌ وعلى هذا الأساس يشكل العمل بهذه الرواية ، مضافاً إلى أن سندها يمكن التأمّل فيه باعتبار أنه قد رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمار الساباطي وهؤلاء الثلاثة يمكن الحكم بوثاقتهم ولكن المشكلة في سند الشيخ إلى عمرو بن سعيد فإن الشيخ قال في بيان سنده إلى عمرو بن سعيد:- ( له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر البغدادي عنه - أي عن عمرو بن سعيد - ) ورجال السند لا مشكلة فيهم فابن أبي جيّد يمكن الحكم بوثاقته إما بناءً على أنه من مشايخ الإجازة المعروفين بناءً على تماميّة هذا المبنى كما نميل إليه أو لأنه من مشايخ النجاشي بناءً على تمامية كبرى وثاقة جميع مشايخ النجاشي ومحمد بن الحسن بن الوليد أيضاً لا مشكلة فيه وأحمد بن إدريس هو أبو علي الأشعري هو أستاذ الكليني وهو من الأجلّة وعمران بن موسى يمكن أن يكون هو الزيتوني الثقة ولكن المشكلة في موسى بن جعفر البغدادي فإنه لا يمكن توثقه إلا من خلال كامل الزيارات فبناءً على مبنى السيد الخوئي القديم تصير موثّقة وأما على مبناه الجديد فتصير رواية . فإذن هناك اشكالان في هذه الرواية إشكالٌ من حيث حجيّة دلالتها وإشكالٌ من حيث سندها.
الرواية الرابعة:- وراية سليمان بن مهران في حديث أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام:- ( كيف صار الحلق على الصرورة واجباً دون من قد حجّ ؟ قال:- ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين ألا تسمع قول الله عز وجل " لتدخلن المسجد الحرام انشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون " )[6].
وقد يشكل على متن الرواية وذلك بأن يقال:- إن الامام عليه السلام قال ( ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين و) الاشكال عليه واضح فإن سمة الآمنين لا تنحصر بالحلق إذ الآية الكريمة جعلت السمة هي الدخول آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين فكلاهما سمةٌ لا خصوص الحلق.
وقد يشكل بإشكالٍ آخر:- وهو أن هذا التعليل هو ركيك في حدّ نفسه - وهذا مثل قضية هاجر لأنها مثلاً سعت فيصير علينا السعي واجباً بين الصفا والمروة فأصل التعليل بذلك هو قد يكون ضعيفاً –  هنا ايضاً كذلك فالله عز وجل قال تدخلون المسجد الحرام محلّقين ومقصّرين فإذن صار الحلق واجباً في حقّ الصرورة فهذا أي ربط له بهذا ؟! فالتعليل هو تعليلٌ ضعيف وركيك أصلاً بقطع النظر عن كون صفة الآمنين لا تنحصر بالحلق ، هكذا قد يشكل - وهذا الإشكال لم يشكل به السيد الخوئي(قده) ولكنه اشكل بالإشكال السابق -.
ولكن يمكن أن يقال دفعا لكلا الاشكالين:- مادام أن دلالة الرواية على الوجوب واضحة إذ السائل قال ( كيف صار الحلق على الصرورة واجباً ) والمفروض أن الامام عليه السلام أقرّه فهذه دلالتها واضحة على الوجوب فنحن لا إشكال لنا من هذه الناحية ولكن الإشكال من ناحية التعليل فالتعليل لا نعرفه وبناءً على فكرة التفكيك بين الفقرات فالتعليل يسقط عن الاعتبار ولكن الباقي يمكن الأخذ به ، بل حتى لو رفضنا فكرة التفكيك يمكن أن يقال إن هذا التعليل ليس تعليلاً مرفوضاً بنحو القطع واليقين ولكن نحن لا نعرف توضيحه وبيانه وتقريره بشكلٍ جيّد فالقصور منّا فهذا الاحتمالٌ موجودٌ ، فأذن لا موجب لردّ الدلالة.
ولكن المشكلة من حيث السند فإنه قد رواه الصدوق هكذا:- (عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن محمد بن موسى الدقّاق عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان عن محمد بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبيه عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران أنه قال... )  والرجال إذا لم يكن كلّهم فجلّهم مجهولون فالمشكلة هي من حيث السند . إذن هذه الرواية لا تنفعنا أيضاً ولكن من حيث الدلالة لا بأس بها.


[1]  يوجد في نسخة على ما يقال كلمة ( ندباً ) بدل كلمة ( بدءاً ) والظاهر أن الصواب هو كلمة ( بدءاً ) لأنه هو الذي يتناسب مع فقرة ( لم يحج قبلها ).
[4]وأنا أريد أن اضبط الدلالة وبأي مقدار هي لأنا عندما نريد أن نجمع الدلالات إذا كان السند ضعيفاً فنقول إن ضعف السند لا يؤثر بعدما كانت الدلالة قويّة أما إذا كانت الدلالات ضعيفة فسوف لا ينفعنا ذلك.