1440/01/27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

الحكم الثالث:- ثبت الضمان على المشتري - ونحن نخصّصه في المشتري لا لخصوصه وإلا يأتي أيضاً في البائع لو تلف الثمن عنده - على تقدير التلف ، والمقصود من ذلك هو أنَّ المبيع لو تلف لا أنه أتلف بل تلف بمعنى أنه مثلاً إذا كان حيواناً مات أو سرق من دون تعدٍّ ولا تفريط ، فالكلام في التلف ، يعني الكلام في الضمان باليد فمجرد اليد توجب الضمان ، وإلا إذا أتلف فهذا الاتلاف هو بنفسه من موجبات الضمان غير اليد ونحن كلامنا الآن في مجرّد وضع اليد يوجب الضمان ، كما لو أخذت عباءتك من دون رضاك وأنا محافظ عليها لكنها تلفت كأن سرقها سارق فهنا يثبت الضمان ، فكلامنا في ضمان اليد الذي هو ثابت بالتلف ولو من دون تفريط ، فكلامنا هنا وهو أنه هل يوجد ضمان للمقبوض بالعقد الفاسد ؟ ، وأما بالاتلاف فذاك ضمان موجود ولكن بقاعدة الاتلاف ، وهذا شيء ينبغي أن يكون واضحاً.

فإذاً كيف نثبت الضمان ؟

والجواب:- إننا نثبته تارةً بالدليل الخاص بالرواية الخاصة ، وأخرى بالقاعدة العامة:-

أما الدليل الخاص:- فنقصد منه رواية جميل بن دراج الواردة في الجارية المسروقة ، وهي:- الشيخ الطوسي بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة ، قال:- يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بقيمته )[1] .

والكلام تارة يقع في السند وأخرى في الدلالة:-

أما السند:- فكما عرفت فهي عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا ، فهي مرسلة ، فإنَّ تمام السند إلى جميل جيد جداً وجميل من أجلّة أصحابنا ولكن المشكلة في ارسال.

وهل هناك مجال لتصحيح السند ؟

ربما يقال:- إنَّ صاحب الوسائل(قده) نقل رواية أخرى في نفس هذا الباب وهي بنفس بهذا المضمون وهي عن جميل أيضاً فقال ( محمد بن أبي عمير عن جميل ) ولا يوجد فيها تعبير ( عن بعض أصحابنا ) فتنحلّ المشكلة ، وهي:- ( الشيخ بإسناده عن الصفار عن معاوية بن حكيم عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية ، قال:- يأخذ الجاريةَ المستحقُّ ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه )[2] ، والمقدار الذي نريده من الرواية الأولى أنَّ المشتري يضمن للمالك قيمة الولد ، وهذا موجود في الرواية الثانية أيضاً بنفس المضمون غاية الأمر توجد فيها زيادة ، فالرواية الأولى لم يبيّن أنَّ المشتري يرجع على الذي باعه الجارية بقيمة الجارية وثمنها ، ولكنه ذكر في هذه الرواية الثانية ، ولكن هذه زيادة لا توجب تعدد الرواية ، فإذاً ربما يقال سوف نعوّض عن تلك الرواية بهذه وهذه الرواية ليس فيها واسطة بين جميل وبين الامام عليه السلام.

ولكن يمكن أن يرد ذلك:- بأنه إذا بنينا على أنَّ المورد من قبيل الروايتين متعددتين بحيث حصل السؤال عن هذه القضية مرتين وأجاب الامام عليه السلام هناك من دون زيادة وأجاب هنا مع الزيادة ، فإذا افترضنا التعدد فهذا مقبول ، وقد ذكرت مرّة أنه يظهر من الميرزا جواد التبريزي(قده) أنه يبني في أمثال هذه الموارد على التعدد ، فنقول ما المانع من أن يسأل شخص الامام مرتين والامام يجيبه ، فإذا بنينا على تعدد الرواية فلا مشكلة ، فإنَّ تلك ضعيفة للإرسال ولكن هذه ليست ضعيفة فنأخذ بها وهي تدل على أنَّ المشتري يضمن للمالك قيمة الولد.

وأما إذا قلنا إنه في مثل هذا المورد مع هذا التقارب بالألفاظ والمضمون والرواة فيصب البناء على التعدد ، فحينئذٍ لا نعلم أن الرواية المثبتة حقاً هي مع الواسطة أو من دون واسطة فيحصل حينئذٍ التردد فلعل الصحيح هو رواية جميل مع الواسطة وحينئذٍ تسقط عن الاعتبار.نعم لابد أن تعمل محاولة أخرى وهي أن تذهب إلى روايات جميل وتلاحظ عمن يروي جميل - وهو يروي عن ائمة ثلاثة عن الباقر والصداق والكاظم - فإذا كانت هناك واسطة بينه وبين الامام فما هي الواسطة فهو يروي أحياناً بواسطة زرارة أو بواسطة محمد بن مسلم ، فإذا كان كلهم من الثقات فحينئذٍ يمكن أن يقال إنَّ قوله ( عن بعض أصحابنا ) بحساب الاحتمال يقوى أنه واحد من هؤلاء الثقات ، وأما إذا فرضنا أنه لم يثبت أنهم بأجمعهم من الثقات أو افترض أنهم بأجمعهم من الثقات ولكن قوله هنا ( عن بعض أصحابنا ) ربما يكون من غيرهم وهذا الاحتمال أنت تعتدّ به فحينئذٍ يسقط اعتبار الرواية ، فإذا ًهذه الرواية من حيث السند صافية عن الاشكال.

إن قلت:- هناك طريقة ثانية وهي ضم رواية إلى رواية ، فحينئذٍ يحصل نحو من الاطمئنان بالصدور.

قلت:- إن الكلام أنهما روايتان او واحدة ؟ فلعله رواية واحدة وليست اثنتان فإنه لم يثبت أنها اثنان ، فلو كانت اثنتان بسندان فالمسالة منحلّة من الأساس ولكن لعلها واحدة ، فإذا ضم رواية إلى رواية لا معنى له ابداً.

إذاً الرواية من حيث السند ليست صافية من الاشكال ، ونكتفي بهذا المقدار ، وأنا أردت أن أبيّن نكات السند فقط ، والشيخ الأعظم(قده) في المكاسب لم يبحث مسألة السند ولعل المهم هو الدلالة.

وأما من حيث الدلالة:- ذكر الشيخ الأعظم (قده) أنَّ الامام عليه السلام حكم بضمان المشتري قيمة الولد للمالك حيث انعقد عليه حراً لأنه قد فوّت عليه فائدة البضع ، يبقى حينئذ ٍالمشتري يرجع على ذاك البائع و لا فتلك قضية ثانية ليست مهمة فمحل بحثنا ، فنحن في محل بحثنا نريد أن نثبت أن هناك ضمان للمبيع في العقد الفاسد ، فنحن مجرد نريد أن نثبت الضمان فنقول الرواية هنا حكمت بأنَّ المشتري يضمن للمالك قيمة الولد فإذا ثبت الضمان للنماء ثبت بالأولى عن نفس الجارية ، فنماؤها حيث كان حرّاً وفات على المالك ضمن للمالك فكيف بالجارية لو حل لها ما حصل كأن عابت أو ماتت ، ففائدة بضعها مضمون لمالك فكيف بنفس الجارية فهي بالأولى تكون مضمونة له.

إن قلت:- إنه هذه من مورد الاتلاف وليس من مورد التلف وكلامنا في أن المقبوض بالعقد الفاسد بالتلف وحده ولو لم يكن هناك اتلاف يعني ماتت الجارية بقضاء وقدر ذلك يوجب الضمان ، فكلامنا في التلف لا في الاتلاف كما بينا في البداية وهنا المورد هو مورد الاتلاف ، لأنَّ المشتري بوطئه للجارية قد اتلف النماء على المالك فالمورد مورد الاتلاف وليس مورد التلف فلا تنفعنا.

أجاب وقال:- بل هو من مورد اتلف وذلك باعتبار أن المشتري أوجد النماء غير مملوكٍ ، فهو بالأصل ومن البداية وجد غير مملوك ومادام وجد وهو غير مملوك فيصدق أنه تلف لا أنه أتلفه ، فلو فرض انه أوجده مملوكاً ثم بعد ذلك حصل التحرير والعتق فهذا يصدق عليه أنه اتلاف ولكن المفروض في موردنا أنه من البداية وجد حرّاً فوجد تالفاً لا أنه وجد عبداً مملوكاً ثم حرّره المتري حتى يصير من مورد الاتلاف فالمورد من مورد التلاف لا مورد الاتلاف.

فالشيخ أخذ مقدمتين في الاستدلال بالرواية الأولى إنَّ ضمان المشتري للنماء يوجب بالأولوية ضمان الأصل ، والثانية إنَّ المورد من مورد التلف لا من مورد الاتلاف لأنه اوجده وهو غير مملوك فهو أوجده حراً بالأصالة يعني أوجده تالفاً فحينئذٍ لا يصدق الاتلاف ، قال(قده):- ( إنَّ ضمان الولد الذي هو نماء يستلزم بالألوية ضمان الأصل . واحتمال أنَّ ذلك من الاتلاف بدعوى أن استيلادها اتلاف للنماء ضعيف فإنَّ استيلادها ليس إتلافاً للنماء بل أحداث له غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف )[3] .

ويرد عليه:-

أولاً:- إنَّ محل كلامنا هو فميما لو فرض عدم ادخال واسطة بين البائع والمشتري ، يعني شخصٌ باع للمشتري شيئاً ولكن كان من غير عربية أو من غير ماضوية يعني لاختلال بعض الشروط لا أنَّ البائع كان شخصاً آخر غير المالك وإنما هو سارق وهذا خارج عن محل كلامنا ، فصحيح أنه في مورد السارق نقول السارق يضمن للمشتري ، فالمشتري يضمن للمالك والسارق يضمن للمشتري إنه ممكن شرعاً هكذا ، ولكن كلامنا إذا فرض عدم وجود سارق وإنما نفس البائع باع الجارية بعقد فاسد لاختلال بعض شروطه من ماضوية أو عربية أو غير ذلك والجارية ماتت أو عيبت ، فنحن هنا نريد أن نثبت الضمان ، ففي مثل هذه الحالة وهذه الرواية لا تثبت هذا الذي نريده.

والخلاصة:- إنَّ محل كلامنا فيما إذا أن البائع باع للمشتري بعقد فاسد لاختلال بعض شرائط العقد لا أنه فرض وجود سارق وكان البائع هو السارق وليس المالك فهنا ربما يثبت الضمان ولكن لا يلزم منه الضمان في محل كلامنا - وهو ما إذا كان البائع نفس المالك والفساد كان لاختلال بعض الشروط - فهذه الرواية لا تثبت ما نريد.


[3] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص181.