1440/04/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

الرواية الثالثة: (من الدليل الثالث على الحرمة الذاتية[1] ) و هي روايات تدل على حرمة الصلاة في حال الحدث، أعم من أن يكون الحدث حيضاً أو غيره. فإذا دلت الرواية على حرمة الصلاة في حال الحدث غير الحيض يتعدى منها إلى حرمتها في حال الحيض. وهذه الروايات ثلاثة:-

 

الأولى: رواية مسعدة بن صدقة:

أنّ قائلاً قال: لجعفر بن محمد (عليهما السلام): جعلت فداك، إني أمرّ بقوم ناصبية، وقد أقيمت لهم الصلاة، وأنا على غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا أن يقولوا، أفأصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت وأصلي؟ فقال جعفر بن محمد (عليه السلام): سبحان الله، أفما يخاف من يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً؟!.[2]

 

فيقال ان المستفاد منها تحريم الصلاة من دون وضوء، أي تحريمها مع الحدث الأصغر وظاهر التحريم هو الحرمة الذاتية فيتعدى منها إلى الحدث الأكبر -كالحيض- الذي هو محل كلامنا.

 

الثانية: رواية الفضل بن شاذان:

عن الرضا (عليه السلام) قال: إذا حاضت المرأة فلا تصوم ولا تصلي، لأنها في حد نجاسة، فأحب الله أن لا يعبد إلا طاهراً، ولأنه لا صوم لمن لا صلاة له،... الحديث.[3]

و ليس المقصود من النجاسة الواردة في الرواية النجاسة الخبثية كما هو واضح، بل المقصود منها الحدث.

والرواية تدل على أن الله يحب أن يعبد مع الطهارة، ولازمه هو أنه يبغض أن يعبد مع الحدث، فتحرم الصلاة مع الحدث.

و بعبارة اخرى : الاستدلال بالرواية مبني على ان المستفاد منها عرفاً ان الله يحب الصلاة مع الطهارة، فالطهارة دخيلة في محبوبية العبادة، ولازم ذلك ان الصلاة من دون طهارة مبغوضة له تعالى.

وهذا ما يستفاد من قوله عليه السلام (لأنها في حد نجاسة فأحب الله أن لا يعبد إلا طاهرا) خصوصاً انه جاء تعليلاً للنهي (فلا تصوم ولا تصلي).

الثالثة: رواية صفوان بن مهران الجمال:

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أُقعد رجل من الأحبار في قبره، فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله عز وجل، فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة، فقال: لا أطيقها، فقالوا: ليس منها بد، فقال: فيما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك أنك صليت يوماً بغير وضوء، ومررت على ضعيف فلم تنصره، فجلدوه جلدة من عذاب الله فامتلأ قبره ناراً.[4]

 

اما رواية مسعدة بن صدقة فقد نوقش فيها

أولاً بأنه لا يمكن الإلتزام بهذه الرواية في موردها، لأن أدلة التقية مقدمة وحاكمة على جميع الأدلة الأخرى، والرواية واردة في مقام التقية، فلا معنى أن ينهى من الصلاة معهم بلا وضوء ويجعل له عقاباً.

وثانياً بأنه يحتمل أن يراد منها النهي عن الصلاة من دون الوضوء مع قصد العبادة فيها، أي ينهاه الإمام (عليه السلام) عن الصلاة التي يتقرب بها إلى الله و يتعبد بها، لأنه تشريع محرم، وعليه الرواية تدل على حرمة التشريع ولا نستفيد منها الحرمة الذاتية.

 

ويمكن الجواب عن

 

المناقشة الأولى بأن الرواية غير ظاهرة في أن الوضوء كان متعذراً عليه، بل يظهر منها أنه كان متمكناً منه ولكن يتهاون عنه و لا يريد ان يتعب نفسه بأن يتوضأ لأنه يعتبر أن الصلاة معهم تكون صورية خصوصاً أن الراوي ذكر أنه سيتوضأ بعد ذلك ويصلي. ومن هنا يتبين أن المنهي عنه هو (الصلاة معهم من دون الوضوء مع التمكن منه) لا (الصلاة معهم من دون الوضوء مع التعذر منه)، فلأجل تمكنه من الوضوء لا تكون الرواية على خلاف أدلة التقية. فلا يكون الإمام (عليه السلام) ناظراً إلى مسألة التقية، بل يكون ناظراً إلى حرمة الصلاة مع الحدث.

و المناقشة الثانية بانها خلاف ظاهر الرواية، وإنما ظاهرها انه يريد ان يأتي بصورة الصلاة، ومن هنا لا تكون الرواية ناظرة إلى الحرمة التشريعية فتدل على الحرمة الذاتية، نعم هي غير تامة سنداً لوجود مسعدة بن صدقة الذي لم تثبت وثاقته.

اما رواية الفضل بن شاذان

فقد ناقشها السيد في المستمسك بما حاصله ان الظاهر من الرواية ان الله يحب ان يعبد في حالة الطهارة ولا دلالة فيه على كراهته للعبادة في غير الطهارة، ومن هنا لا يستفاد دلالتها على الحرمة الذاتية.

والظاهر انه لا ملازمة بحسب الدقة بين محبوبية العبادة طاهراً وبين مبغوضيتها مع عدم الطهارة، لكن هل توجد ملازمة عرفية بينهما أو لا؟

ادعى السيد الحكيم (قد) عدم الملازمة، وقد يقال ثبوت الملازمة عرفاً وحينئذ يفهم من ذلك كراهة عبادة هذه المرأة من دون طهارة، ويستدل حينئذ بالرواية.

ولا يبعد ان يكون ما قاله السيد الحكيم (قد) تاماً، ومن هنا يكون الاشكال تاماً على هذه الرواية.

اما رواية صفوان

فقد نوقشت بالمناقشة الثانية المتقدمة في رواية مسعدة من انها ناظرة إلى الاتيان بالصلاة كعبادة ويكون النهي عنها من جهة التشريع المحرم فالجلد لا يكون الا على انه صلى كعبادة وقصد التشريع وليس فيها دلالة على حرمة اصل الصلاة من دون قصد العبادة فلا تدل على الحرمة الذاتية، والظاهر ان هذه المناقشة واردة على هذه الرواية وان لم تكن كذلك هناك لما تقدم.

 

 


[1] قلنا أن الأدلة على الحرمة الذاتية ثلاثة، وكان ثالثها هو التمسك بروايات تكون ظاهرة فيها، وقد ذكرنا الرواية الأولى - وهي صحيحة خلف بن حماد - والثانية - وهي روايات الإستظهار التي ذكر فيها الإحتياط – منه.