1440/04/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

ثالثاً:- إنَّ مقتضى ( عمد الصبي خطأ ) يعني قصده كلا قصد أي ينزّل منزلة عدم القصد ، وهذا نتيجته أنَّ ألفاظ الصبي لا عبرة بها وهي كلا شيء ، فحتى لو اتفق الطرفان - البائع والمشتري - ثم قالا للصبي إنَّ دورك هو إنشاء الصيغة فقط فمقتضى الفقرة الأولى التي تقول ( عمد الصبي خطأ ) عدم تتحقق الصيغة ، لأنَّ قصده بمثابة العدم ، فحينئذٍ يكون إنشاؤه لا عبرة به حتى لو كان التعاقد بين الطرفين ودوره هو دور المنشئ للصيغة أذ قصده كالعدم ، بينما إذا نظرنا إلى فقرة ( وقد رفع عنه القلم ) فهذا يستفاد منه أنَّ المرفوع هو الالتزامات التي يلتزمها على نفسه ، يعني هو إذا كان يريد أن يلتزم بشيء ، إما بأنه هو ابتداءً يأخذ أمواله ويشتري بها دراجة مثلاً أو غير ذلك فهذا التزام منه ، أو يفترض أنَّ والده يقول له خذ أموالك وافعل ما تريد ، فهنا حينما يشتري شيئاً فهو يريد أن يلتزم فحديث رفع القلم يدل على رفع التزاماته ، أما إذا فرض أنه أراد أن ينشئ الصيغة للطرفين من دون أن يدخل في عملية الالتزام فحديث رفع القلم يقول لا محذور فإنَّ المحذور في التزاماته ، فقلم الالتزامات مرفوع عنه ، فإذاً مؤدّى الفقرة الأولى أنَّ الألفاظ الصادرة منه ولو من دون التزام منه وإنما الالتزام من الطرفين ، وهذا هو ما يريده الشيخ الأعظم(قده) ، لأنه قال إنَّ قصده كلا قصد ، يعني حتى لو أراد أن ينشئ الصيغة فقط فهذا هو الذي أراد أن يلتزم به الشيخ(قده) وهو مؤدّى الفقرة الأولى ، أما مؤدّى حديث رفع القلم الذي أراد أن يتمسّك به الوارد ذيلاً في الرواية فهذا نتيجته هي أنَّ الالتزامات الصادرة من الصبي تكون باطلة ومرفوضة ، أما مجرّد الانشاء من دون التزام فلا يكون مرفوضاً.

فعلى هذا الأساس الشيخ مادام يريد أن يعتمد على فقرة ( وقد رفع عنه القلم ) فسوف يخرج بنتيجة معاكسة لما يريد ، لأنه يريد أنَّ إنشاء الصبي وقصده كلا قصد - ( عمد الصبي خطأ ) - فهو هكذا رتّب ، بينما حديث الرفع القلم الذي صار البناء على التمسّك به اليوم فهو يعطي نتيجة على أنَّ الالتزام مرفوع عنه أما إذا لم يكن هناك التزام فحينئذٍ ليس مرفوعاً عنه ، أي أنَّ الانشاء الصادر منه لا محذور فيه ، لأنَّ القلم لم يرفع القلم بلحاظه إنما قلم الالتزامات هو المرفوع عنه ، فما التزم به(قده) وهو إنشاءه وتلفظه وقصده باطل ولا شيء فهذا لا يعطيه حديث رفع القلم ولا يمكن استفادته من حديث رفع القلم ، بل حديث رفع القلم يدل على أنَّ المرفوع هو قلم الالتزامات أما قلم غير الالتزامات أي مجرد الانشاء اللفظي فهذا ليس مرفوعاً عنه ، فإذاً حديث رفع القلم يعطنا نتيجة معاكسة لما أراده الشيخ الأعظم(قده).

خلاصة ما تقدم مع توضيح بعض الفروع:- اتضح من خلال ما سبق أنَّ الدليل المهم على شرطية البلوغ وبطلان عقد الصبي ليس هو الآية الكريمة ﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ ، وإما هو رواية أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ ، فالدليل المهم هو هذه الرواية ، ومعه نبقى ندور مدار هذه الرواية مادام صارت هي الدليل على شرطية البلوغ ، ونقرأ هذه الرواية من جديد وهي:- ( سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره ؟ قال: حتى يبلغ اشدّه ، قال: وما أشده ؟ قال: احتلامه ، قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم ؟ قال: إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً ) ، فإذاً الضابط هي أنه لا يجوز أمره ، لأنَّ الوارد في الرواية هو ( إذا بلغ وكتب عليه الشيء حاز عليه أمره ) ، يعني ( إذا لم يبلغ لا يجوز أمره ) ، وعلى هذا الأساس نأتي إلى الفروع التي ذكرت في عبارة المتن ، وفي موردين منها يتضح بطلان عقد الصبي ، وفي موردين يحكم بالصحة.

أما الموردان اللذان يحكم فيهما بالبطلان:-

الأوّل:- أن يأخذ الصبي أمواله من دون إذن الولي ويشتري شيئاً ، وهذا هو القدر المتيقن من ( لا يجوز أمره ) ، وهذا يصدق عليه ( أمر الصبي ) فلا يجوز.

الثاني:- ما إذا فرض أنَّ الوالد قال له خذ أموالك واشترِ ما تريد ، فهنا هل يصدق ( أمره ) أيضاً.

فإذاً في هذين الفرعين يحكم بالبطلان ، وعبارة المتن تشير إليهما ، وقد اتضح المدرك ، حيث قال(قده):- ( الأوّل من الشرائط: البلوغ ، فلا يصح عقد الصبي في ماله وإن كان مميزاً إذا لم يكن بإذن الولي بل وإن كان بإذنه إذا كان الصبي مستقلاً في التصرف ).

وأما الموردان اللذان يحكم فيهما بالصحة:-

الأول:- ما إذا فرض أنَّ التعامل قد جرى بين الولي وصاحب الحانوت وكان دور الصبي دور منشئ الصيغة فقط ، فهنا ليس من البعيد أنه لا يصدق أنَّ هذا أمر الصبي فنحكم بالصحة.

وإذا قال شخص:- إني شاكٌّ في أنه يصدق هذا أمر الصبي أو لا يصدق ، فنقول: يكفي أن تكون شاكاً في الحكم بالصحة لأجل أنَّ رواية أبي الحسين الخادم لا تشمل هذا المورد ، لأنه يصير من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية حيث نشك أنه هذا أمر الصبي أو ليس بأمر الصبي ، فلا يجوز التمسّك بها ، فإنَّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، فهو يقول لا يجوز أمر الصبي أما أنَّ هذا أمر الصبي أو ليس بأمر الصبي فلا يثبته ، فإذا كانت الرواية ساكتة ولا يمكن التمسّك بها فتبقى العمومات أو المطلقات عندنا فنتمسّك بها.

الثاني:- ما إذا فرض أنَّ شخصاً أعطى ماله إلى الصبي[1] وقال له اشترِ لي بها شيئاً ، فهنا يصدق أمر الصبي جزماً أو بنحو الشك ، ويكفينا الشك ، فنرجع إلى المطلقات.

فإذاً هو في هاتين الحالتين حكم بالصحة ، قال(قده):- ( وأما إذا كانت المعاملة من الولي وكان الصبي وكيلاً عنه في إنشاء الصيغة فالصحة لا تخلو من وجهٍ وجيه ، وكذا إذا كان تصرفه في غير ماله بإذن المالك وإن لم يكن بإذن الولي ).


[1] فالمال ليس مال الصبي ولم يتصرّف الصبي في ماله برأيه أو برأي والده وإنما هو مال الغير.