11-02-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
دليل القول الأول[1]:- يدل على ذلك مجموعة من الروايات ولعله يمكن ضبطها في سبع:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا الصيد[2] )[3] ودلالتها واضحة.
الرواية الثانية:- صحيحة العلاء:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام[4]:- إني حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلي رأسي بالحناء ؟ قال:- نعم من غير أن تمسّ شيئاً من الطيب ، قلت:- وألبس القميص وأتقنّع ؟ قال:- نعم ، قلت:- قبل أن أطوف بالبيت ؟ قال:- نعم )[5] وهي تدلّ على أنه بالحلق لا يحلّ الطيب لأنها قالت:- ( من غير أن تمس شيئاً من الطيب ) ، وواضحٌ أن المقصود هو ( والنساء ) أيضاً وإنما لم يذكر ذلك لوضوح المطلب لأن النساء لا يحتمل أنها تحلّ بذلك وإنما تتوقف حليّتها على طواف النساء فهذا واضح وذلك لم يذكر . وعلى هذا الأساس هي تدلّ على أن الحرام بعد الحلق والتقصير هو الطيب والنساء.
وعلى منوالها - ولا أعطيها رقماً - صحيحته الأخرى بنفس المضمون[6].
الرواية الثالثة:- صحيحة الحلبي[7] وهي بنفس مضمون صحيحة العلاء فلا حاجة إلى ذكر المتن . نعم بما أن الراوي هو شخصٌ آخر غير العلاء فيمكن أن نعدّها رواية مستقلّة.
الرواية الرابعة:- رواية منصور بن حازم[8] وهي بنفس المضمون أيضاً .
الرواية الخامسة:- رواية عمر بن يزيد[9] ومضمونها نفس المضمون.
الرواية السادسة:- رواية جميل[10].
الرواية السابعة:- ما وراه محمد بن حمران[11].
هذه سبع روايات يمكن أن يستفاد منها القول الأوّل - أعني ما ذهب إليه الشيخ الطوسي في التهذيب -.
وفي مقابل ذلك توجد روايات أخرى تدّل على أن الطيب يحلّ أيضاً بالحلق أو التقصير فتبقى النساء فقط وهي عدّة روايات:-
الرواية الأولى:- صحيحة سعيد بن يسار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ قال:- نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيءٍ إلا النساء ردّدها عليَّ مرتين أو ثلاثاً ، قال:- وسألت أبا الحسن عليه السلام ، قال:- نعم الحنّاء والثياب والطيب وكلّ شيءٍ إلا النساء )[12] ودلالتها واضحة على أن الطيب يحلّ بالحلق والتقصير بل قد صرّح الإمام عليه السلام بأن الطيب يحلّ بذلك وينحصر الأمر بالنساء وأكّد ذلك بأن ردّد ذلك مرتين أو ثلاث.
ونلفت النظر إلى أن هذه الرواية قد رواها الشيخ الكليني(قده) كما وقد رواها الشيخ الطوسي(قده) عنه بيد أن الشيخ الكليني(قده) ذكر زيادة في البداية هكذا:- ( سألت أبا عبد عليه السلام عن المتمتع قلت إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء ) فجملة ( قبل أن يزور البيت ) موجودة في الكافي وليست موجودة في التهذيب ، وفي الوسائل لم يثبت هذه الزيادة ولكن صاحب الحدائق(قده)[13] أكّد أن الوارد في الكافي هو مع الزيادة وهكذا أكّد صاحب الجواهر(قده)[14] أن هذه الزيادة موجودة في الكافي.
حاول الشيخ الطوسي في مقام ردّ هذه الرواية ورفع التعارض بينها وبين السابقة الدالة على أن الطيب لا يحلّ إلا بزيارة البيت - بالطواف والسعي - ورفع التنافي فقال:- إن المقصود هو أنه إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ويلبس الثياب والطيب يعني بعد زيارة البيت فتلك الرواية تكون مقيّدة لهذه الرواية . هكذا صنع(قده).
ولكن هذا يتم بناءً على نسخته التي لا توجد فيها هذه الزيادة أما على ما نقله الشيخ الكليني(قده) يكون هذا التقييد ممتنعاً لأن السائل يصرّح ويقول ( عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت ) فهو قد أكّد وقال ( قبل أن يزور البيت ) فإذا أكّد ذلك فلا معنى لأن نبيّن له حكم ما بعد زيارة البيت.
وذكر صاحب الجواهر(قده)[15] - وهكذا صاحب الحدائق(قده)[16] - في مقام الردّ على الشيخ الطوسي ما نصه:- ( وهو مع بعده منافٍ لما سمعته عن النسخة الصحيحة عن الكافي ولذا أجاب عنه في الدروس بأنه متروك ).
إذن أجاب صاحب الجواهر بجوابين:-
الجواب الأول:- قال إنه بعيدٌ ولكنه لم يوضح وجه البعد ويمكن أن يقال في وجه البعد هو أن عمليّة التقييد تكون وجيهة إذا فرض أن الإمام عليه السلام طرح الحكم ابتداءً وقال:- ( إذا حلق المتمتع رأسه حلّ له الحناء والثياب والطيب و ... ) فلابد وأن نقيّد هنا بما بعد زيارة البيت ولكن المفروض أن السائل قد سأل لا أن الإمام عليه السلام قد ذكر ذلك ابتداءً والسائل قد سأل عمّن حلق حيث قال هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ ) فالسؤال هو عن الحلق فقط لا أنه حلق وزار فيصير التقييد مستبعداً بعدما فرض أن السائل قد سأل عن ذلك بعدما حلق رأسه ولم يسأل عمّن حلق رأسه وزار البيت فالتقييد يصير بعيداً ، مضافاً إلى أن الإمام عليه السلام قد يبرّع وزيادةٍ فإن السائل قد سأل عن الحنّاء والإمام عليه السلام تبرّع وقال ( الحناء والثياب والطيب ) فالإمام في صدد توضيح المطلب وبيانه ولا يريد أن يختصر ، مضافاً إلى أنه ردّد ذلك مرتين أو ثلاثاً وهذا يجعل التقييد بعيداً ، هذا هو الجواب الأوّل وهو شيءٍ وجيه.
الجواب الثاني:- إن النسخ هنا متعارضة فنسخة الكافي التي هي المصدر الأصلي يوجد فيها هذه الزيادة وهذه الزيادة ليست جديدة في الطبعة الجديدة من الكافي بل قلنا إن هذه الزيادة قد نقلها صاحب الجواهر وصاحب الحدائق عن الكافي فالقضية هي أن نسخة الكافي القديمة موجودة فيها هذه الزيادة ، وعلى هذا الأساس تكون هذه الزيادة موجودة وإذا قبلنا بأصالة عدم الزيادة إما مطلقاً أو في خصوص المورد باعتبار أن الزيادة العفوية هنا بعيدة جداً لأنها عبارة عن كلماتٍ أربع والانسان قد يسهو فيذكر كلمة واحدة لا أنه يسهو فيذكر أربع كلمات فإن هذا شيءٌ بعيد فأصالة عدم الزيادة هنا يمكن أن تكون مقبولة حتى إذا رفضنا إطلاقها ولكن في خصوص هذه المورد نقبلها باعتبار أن الزيادة بكلماتٍ أربع بعيدة . إذن قد وقعت هذه الزيادة في موقعها المناسب . وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول إن هذه الرواية معارضة للرواية السابقة.
الرواية الثانية:- صحيحة أبي أيوب الخزاز[17]:- ( قلت:- رأيت أبا الحسن عليه السلام بعدما ذبح حلق ثم ضمَّد رأسه بمسكٍ -وفي بعض النسخ ( بسُكٍّ)[18] وزار البيت وعليه قميصٌ وكان متمتعاً )[19] إن المفروض في هذه الصحيحة هو أن الإمام  عليه السلام كان متمتعاً ولم يكن مفرداً أو قارناً حتى نقول إن المفرد والقارن يحلّ له الطيب بعد الحلق والتقصير كلا بل المفروض أن أبا أيوب قال ( كان متمتعاً  ) والمفرض أنه بعدما حلق صنع هذا الشيء وزيارة البيت جاءت بعد ذلك فدلالتها واضحة على أن ذلك الشيء جائزٌ . نعم نقل في الجواهر[20] أن هناك نسخة أخرى موجودٌ فيها جملة ( وكان مقنّعاً ) أي أنه قنّع رأسه بالقناع ، وقد ناقشها في الجواهر[21] بمناقشتين:-
المناقشة الأولى:- من أين فهمت أن الإمام عليه السلام كان متمتعاً ؟ إن هذه شهادة حدسيّة فلا تقبل ، وبيت القصيد هو في جملة ( كان متمتعاً ) فإذا قلنا إن هذا ليس حجّة في شهادته باعتبار أن شهادته حدسيّة فحينئذٍ نقول إن هذا فعلٌ قد صدر من الإمام عليه السلام فيمكن حمله على أنه كان مُفرِداً . إذن شهادته ليست مقبولة فهذا فعلٌ والفعل يصير مجملٌ فلا تعارض هذه الرواية ما سبق ، مضافاً إلى وجود نسخةٍ ثانية تقول ( وكان مقنّعاً ) وعلى هذا يصير أصل الاستدلال بالرواية باطلاً ، هكذا ذكر(قده).


[1] وهو دليل القول الثاني وهو قول الشيخ الطوسي يعني  يحل كل شيء ما عدى النساء والطيب بالتقصير أو الحلق.
[2]  يعني الصيد الحرمي وليس الصيد الاحرامي لأن المفروض أنها قالت في صدرها قالت ( فإذا قصر او حلق أحل من كل شيء الا النساء والطيب ) يعني الصيد صار حلالاً له.
[4]  وأنا أريد سرد الروايات لهدفٍ وليس مجرد سرد وانما نريد الاستفادة منها فقد نستفيد منها عنوان  السنة القطعية أو ما شابه ذلك.
[17]  وفي بعض النسخ يوجد أبي أيوب الحراز والصحيح هو الخزاز وهو الذي يبيع الخز وهو نوع من القماش أو غير ذلك.
[18]  والسُكّ:- بالضم والتشديد طيبٌ مركّب ٌمع غيره.