1440/04/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرطية الاختيار- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

وفي مقام التعليق فقول:- إنَّ ما أفاده الشيخ الأصفهاني(قده) ينحل إلى دعوى وشاهد على تلك الدعوى:-

أما الدعوى:- فهي أنه في موارد الاكراه يوجد رضا وطيب نفس وارادة ، ومادام ذلك موجوداً فعلى هذا الأساس المناسب تعليل بطلان المعاملة لا بفقدان الرضا والطيب النفس ، بل المناسب التعليل بمانعية الاكراه ، يعني لابد للشيخ الأنصاري(قده) أن يستدل بالطائفة الثانية دون الأولى.

وأما الشاهد:- فحاصله: إنَّ الوجه في وجود الرضا في حالة الاكراه هو أنَّ ما يصدر من الشخص المكرَه مطابق للشوق العقلي ، لأنَّ العقل يقول له عليك أن تطبق ما أراد المكرِه دفعاً للضرر فيحصل له اشتياق إلى الفعل ، فبسبب دفع العقل يحصل له اشتياق ، وهذا الاشتياق العقلي لا يكفي لتحقق الرضا وطيب النفس والارادة ، والدليل على أنَّ هذا الشوق العقلي كافٍ في تحقق الرضا وطيب النفس هو أنه لو لاحظنا مورد الاضطرار كما لو أراد شخص أن يبيع داره لعلاجٍ أو لأمرٍ مهم ففي مثل هذه الحالة نحكم على البيع بالصحة وأنه عن رضاً وطيب نفس ، وكيف هو عن طيب نفس والحال أنه يريد ذلك لأجل العلاج ؟!! ما ذاك إلا للشوق العقلي ، فإنَّ العقل يدفعه إلى هذا ، فإذا كان الشوق العقلي كافٍ لتحقق الرضا وطيب النفس في باب الاضطرار فقل بكفايته في باب الاكراه ، فإما أن نقول إنَّ الشوق العقلي لا يكفي حتى في مورد الاضطرار ، أو نقول هو يكفي ، ولكن إذا كفى فلابد أن نكتفي به أيضاً في باب الاكراه ، ففي باب الاكراه مادام الشوق العقلي موجوداً فسوق يتحقق الرضا وطيب النفس ، وبالتالي المناسب تعليل البطلان لا بفقدان الرضا وطيب النفس ، بل علل ذلك بنفس الاكراه ، فإنَّ نفس الاكراه هو من الموانع شرعاً.

وفي التعليق نقول:- من الجدير أن نترك المصطلحات جانباً فإنها قد تؤثر بما لا يحمد عقباه أحياناً ، ولابد من الرجوع إلى الوجدان ، وهل يوجد فارق بين مورد الاضطرار ومورد الاكراه من حيث الرضا وطيب النفس ؟ نعم نجد بالوجدان أنه في باب الاضرار إذا اضطررت إلى بيع داري لأداء ديني أو لأجل علاج أو غير ذلك فالمشتري للدار يقول لهذا المضطر هل أنت راضٍ بأن أشتري دارك ؟ فيقول له نعم أنا راضٍ بذلك واقعاً لأني أريد وفاء ديني أو علاج نفسي ، فعلى هذا الأساس يوجد رضا وطيب نفس بالوجدان ، وهذا بخلافه في باب الاكراه ، فإني إذا لم أخَف من الشخص المكرِه فسوف أقول له أنا لا أرضى بالبيع ، فإذاً لا يوجد عندي طيب نفس وإنما أفعل البيع لأجل الخوف.

فإذاً لا معنى لمقالة الشيخ الأصفهاني(قده) من أنَّ طيب النفس موجود في الموردين معاً ولا فارق بينهما فإن الشوق العقلي موجود في كليهما ، ولكن إذا رجعنا إلى واقع المطلب فالأمر كما ذكر.فإذاً لا يمكن أن نقول كما في باب الاضرار يقع البيع صحيحاً كذلك يقع صحيحاً في باب الاكراه لنكتةٍ واحدة وهي وجود الرضا وطيب النفس ، كلا بل في الاضطرار يوجد طيب النفس ، بينما في باب الاكراه لا يوجد طيب نفس ، وهذا فارق وجداني موجود بينهما.

وإن شئت قلت:- نحن نسلّم وجود إرادة في كلا الموردين ، فالمضطر يريد بيع الدار والمكرَه يريد بيع الدار أيضاً ، إلا أنَّ الارادة في باب الاكراه نشأت بسبب الاكراه ، فلذلك لا تكون نافعة ، يعني بالتالي لا يوجد طيب نفس وإنما نشأت الارادة بسبب من الاكراه ، وهذا بخلافه في باب الاضطرار ، لأنَّ المضطر بالتالي يريد بيع داره لأجل العلاج أو لأجل شيء آخر هو يريده واقعاً ، فنحن نسلّم للشيخ الأصفهاني(قده) أنَّ الارادة موجودة في كلا الموردين ، إلا أنه في باب الاكراه الارادة ناشئة عن اكراه فتكون في حكم العدم ، وهذا بخلافه في باب الاضطرار فإنَّ الارادة موجودة عن تصميم وطيب نفس ورضا.

ودعوى الشيخ الأصفهاني(قده) بأنَّ الارادة هي عين الرضا وطيب النفس هي أوّل الكلام ، فإنَّ الارادة ليست عين الرضا وطيب النفس ، بل طيب النفس هو منشأ للإرادة لا عينها ، نعم في الفلسفة ماذا يريد أن يقول فليقل ، ولكن في واقعنا حينما تصدر المعاملة لا تكون الارادة عين الرضا ، فأنا تارةً أريد الشيء عن رضاً وتارةً أريده لا عن رضا بأن كان الواقع يفرض علي ذلك أو الاكراه يفرض علي ذلك.فإذاً الفارق بين الموردين موجود ، وبالتالي اتضح أنَّ طيب النفس والرضا موجود في باب الاضطرار وليس بموجود في باب الاكراه ، والنتيجة من كل هذا أنَّ التعليل بمانعية الاكراه وبعدم تحقق شرطية الرضا في مورد الاكراه كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) في محلّه.

إشكال السيد الحكيم(قده)[1] :- ولعله قريب مما أفاده الشيخ الأصفهاني(قده) إلا أنَّ الطريق مختلف ، حيث ذكر أنَّ الارادة وطيب بالنفس والرضا كلّها موجودة في حقِّ المكرَه ، فمن يبيع داره عن اكراه فهو راضٍ مريد ويوجد عنده طيب نفس[2] ، فإذاً لابد من تعليل بطلان المعاملة في باب الاكراه بمانعية الاكراه بنفسه لا بفقدان طيب النفس.

أما كيف أنَّ الارادة والطيب موجود في باب الاكراه ؟قال:- إنَّ بإمكان الشخص المكرَه حينما أكرِهَ على المعاملة أن يسلك طريقاً للفرار وطريقه للفرار أنَّ يتلفّظ بالبيع من دون أن يقصد المعنى ، ولكنه قصد المعنى ، وهذا القصد هو ليس بمكرَه عليه فإنَّ المكرِه لا يعرف ما في القلب ، فإذاً المكرَه يتمكن أن لا يقصد ايجاد المعاملة إنما يقصد اللفظ ، فحينما قصد إيجاد المعاملة بهذا اللفظ قصده عن رضا وارادة وطيب نفس ، فيقع البيع عن رضا وطيب نفس ، وبالتالي إذا أردنا أن نقول بالبطلان نقول به لمانعية الاكراه بعنوانه وبذاته لا لأجل فقدان الرضا كما أفاد الشيخ الأعظم(قده).

ثم أشكل على نفسه قائلاً:- إن قلت: إنَّ هذا الرضا صحيح هو موجود ولكن لا لنفسه وإنما خوفاً من المكرِه.

أجاب وقال:- إنَّ ما دل على شرطية الرضا يدل على أنَّ الرضا معتبر ، أما أن يكون الرضا حاصلاً لنفسه وليس لأجل سببٍ آخر فهذا ليس بمهم ، ولذلك لو فرض أنَّ إنسان باع داره لمرضٍ أو لشرٍّ نزل به فهو رضي ببيع الدار ولكن ليس حبّاً بالبيع بما هو هو وإنما لأجل نزول الشرّ أو لأجل دفع المرض وهذا يكفي بلا إشكال ، فالرضا يكفي تحققه وإن كان لا لنفسه بل لأجل دفع شرٍّ وبلية ومرض نزل بالإنسان ، فعلى هذا الأساس هذا الرضا كافٍ ، فالصحيح إذاً الرضا متحقق ، فالمناسب حينئذٍ تعليل بطلان المعاملة في باب الاكراه لا بفقدان الرضا ، بل بمانعية نفس الاكراه بما هو اكراه.

ويرد عليه:- نعم يكفي في تحقق الرضا أن يكون ناشئاً ولو لا لنفسه بل بسبب شرٍّ نزل به كما قال ، ولكن لا ينبغي أن يكون السبب هو نفس الاكراه ، يعني أنا قصدت المعاملة بسبب الاكراه ، إنَّ هذا القصد سوف يكون معلولاً للإكراه ، يعني هذا القصد حصل بسبب الاكراه ، فإذاً هذا لا يكون اختيارياً ورضا بلحاظ هذا القصد وإنما بسب الاكراه ، وما ينشأ من الاكراه كيف يكون اختيارياً ؟!! ، فإذاً لابد وأنَّ نفرّق بين المناشئ ، فتارةً تنزل بليَّة بالإنسان فهذا الكلام صحيح ، أما إذا كان السبب هو الاكراه فما نشأ من الاكراه كيف يكون اختيارياً ؟!! ، وهنا قصد المعاملة قد نشأ من الاكراه فكيف يكون اختيارياً ؟!! إنَّ هذا لا معنى له.

نعم ما أفاده السيد الحكيم(قده) من أنه كان يمكنه أن لا يقصد فجوابه:- إنَّ الإنسان العادي لا يلتفت إلى هذه الأمور ، فهو لا يعرف أنَّ لقلقة اللسان هي المفر وإنما يتصوّر أنّ البيع تم ، فإنه يحصل عنده ارتباك ويعتقد إنَّ الاكراه لا يرتفع إلا بقصد المعاملة ، فبالتالي هو قصدها لأجل الاكراه وإن كان تصوّره هذا تصور باطل ، ولكنه بالتالي كان يتصوّر هذا المعنى بسبب الارتباك أن لم يكن يعرف ذلك ، فإذاً مادمنا قد فرضنا أنَّ أيجاد المعاملة قد نشأ من الاكراه بسب ارتباك أو غير ذلك فلا يكون اختيارياً ، وحينئذٍ لا يكون رضا ، نعم الإنسان الذي يفترض أنه في وعيه واختياره الكامل وكان يعرف الأمور وكان يدرك أنه يتمكن من أن يقصد اللفظ فقط ولا يقصد المعاملة ولكن رغم ذلك قصد المعاملة فكلام السيد الحكيم(قده) يكون تاماً ، ولكن عادةً من يقصد المعاملة فهو يقصدها لأجل الارتباك أو لعوامل أخرى ، فمادام قصد المعاملة بسبب الاكراه فحينئذٍ تكون معلولةً للإكراه ، فلا يكون الرضا متحققاً.


[2] ولم يقل وواقعها واحد كما ذكر الشيخ الأصفهاني(قده) وإنما يريد أن يقول إنَّ هذه العناوين الثلاثة التي تشترطونها هي موجودة في باب الاكراه.