1440/05/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

استداك لما سبق:- ذكرنا أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر جوابان نقضي وحلّي ، والمهم في استدراكنا هو الجواب النقضي ، فهو قال في الجواب النقضي إذا قلنا بأنَّ الاكراه على الجامع ليس اكراهاً على الأفراد يلزم من ذلك أن لا يتحقق اكراه أبداً ، لأنَّ الاكراه دائماً يتعلّق بالجامع ، لأنه لو قال المكرِه ( بع دارك ) فهذا اكراه على الجامع ، لأنَّ بيع الدار يمكن أن يكون في الليل أو في النهار أو بهذا السعر أو بذاك السعر ..... وهكذا ، فإذا قلنا إنَّ الاكراه على الجامع ليس اكرهاً على الأفراد يلزم من ذلك أنه لا يوجد اكراه أبداً.

وقد قلنا في مقام التعليق عليه:- إنه ينبغي أن نفرّق بين موردين ، بين ما إذا فرض أنَّ خصوصيات الأفراد قد أخذها المكرِه في كلامه ومدّ نظره ، كما لو قال ( إما أن تبيع دارك أو تشرب الخمر ) ، ومرة لا يأخذها في كلامه وإنما فقط يقول ( بع دارك ) ، وقلنا إنه يتمكن أن نقول في الحالة الثانية التي لم يأخذ الخصوصيات في محلّ كلامه ونظره هناك الاكراه يكون متحققاً ، وأما إذا أخذ الخصوصيات فهنا يأتي الاشكال بأنه قد أكرهه على الجامع ولم يكرِهه على الأفراد ، ولم نذكر أكثر من هذا.ونستدرك هنا ونقول:-

ربَّ سائل يقول:- كيف يصير هذا المقدار فرقاً بين مورد نقض الشيخ الأنصاري(قده) وبين محل كلامنا[1] ؟ ، فالشيخ الأنصاري نقض بما إذا قال مثلاً ( بع دارك ) فقال هذا أيضاً له أفراد كثيرة ، ونحن في مورد نقض الشيخ الأنصاري(قده) قلنا يصدق الاكراه ولكن لماذا يصدق الاكراه هناك وفي موردنا يمكن أن يقال لا يصدق الاكراه على الأفراد ، فمجرد محل كلامنا إذا فرض ذكر الخصوصيات دون ما إذا لم يذكر الخصوصيات لا يصير جواباً مفرّقاً ، بل عليك التفريق بينهما ؟

ونحن نقول:- إنَّ الفارق هو أنه إذا فرض أنه قال ( بع دارك ) فقط وسكت وقلنا مرة يصير البيع في الليل ومرة في النهار ...... وهكذا فهنا نحن ندري أنَّ متعلّق الاكراه هو بيع الدار بقطع النظر عن الخصوصيات ، والوجه في ذلك هو أنَّ هذه الخصوصيات من لوازم الوجود وعوارضه الاتفاقية ، يعني لو أمكنك أن تبيع من دون قيد ليل ولا نهار ولا غير ذلك لتحقق مراد المكرِه ، فإنَّ المكرِه يقول أنا لا يمهني الليل أو النهار أو هذا السعر أو ذاك بل أنا أريد بيع الدار أما تلك الخصوصيات فهي تحصل من باب أنَّ الوجود لا ينفك عن أحد هذه الخصوصيات ، وهذا معناه أنَّ الاكراه متوجه إلى بيع الدار فقط أما الخصوصيات فتلك عوارض اتفاقية لا تؤثر على الموقف شيئاً ، وهذا بخلافه في محل كلامنا فإنَّ الخصوصية قد أخذها المكرِه في كلامه وقال ( إما أن تبيع دارك أو تسرق ) فتلك الخصوصية هو قد أخذها في متعلّق الاكراه ، فهنا ينفتح المجال ويقال إنَّ الاكراه هو على الجامع دون الأفراد ، فهذا الاشكال يأتي هنا وحينئذٍ لو أتيت بالفرد فقد أتيت به اختيارياً ، فيصدق أنه بالاختيار ، فيأتي ذلك الاشكال العلمي.

وهذا بخلافه هناك ، فهنا مصبّ الاكراه هو بيع الدار فقط ، أما الخصوصيات فهي عارضة اتفاقية إذ لو أمكن تحقيق البيع من دونها لكان مراد المكرِه متحققاً ، فلذلك هناك يتحقق اكراه لأن المصبّ هو بيع الدار ، أما هنا فهو ناظر إلى الخصوصيات فيأتي الاشكال بأنَّ الاكراه هل هو على الجامع أو على الخصوصيات فإن كان على الجامع كيف تكون الخصوصية باطلة مع أنها ليست محل الاكراه ؟

الجواب الخامس:- وهو للشيخ التبريزي(قده)[2] وحاصله:-

أولاً:- نحن نعترف بأنَّ الاكراه هو على الجامع وليس على الأفراد.

ثانياً:- إنَّ الاكراه على الجامع يكفينا لحل الاشكال ، وذلك فيما إذا الفتنا إلى قضيتين:-

القضية الأولى:- إنَّ حديث نفي الاكراه شُرّع للتخفيف على العباد ورفع الضرر عنهم.

القضية الثانية:- هناك صورتان للإكراه ، الصورة الأولى أن يفترض أنَّ متعلّق الاكراه هو حكم تكليفي ، وأخرى لا يكون كذلك ، ومثال الأوّل ما إذا قال ( يجب عليك إما أن تشرب الخمر أو تسرق ) ، فشرب الخمر حرام تكليفاً والسرقة حرام تكليفاً ، ومثال الثاني أن يقول ( إما تسرق أو تشرب الماء ) فهنا الاكراه ليس على حكمٍ تكليفي ، إذ شرب الماء ليس محرّماً ، وحينئذٍ نقول إذا كان الاكراه بلحاظ الصورة الأولى فنطبق حديث الرفع فيثبت به التحفيف ، والتخفيف إنما يحصل بلحاظ الترخيص في طرفٍ واحد ، ولا حاجة إلى أن يرخّص في كلا الطرفين ، فتطبيق حديث الرفع يكون موجباً للرخصة والمنّة على المكلف ، وبالتالي يثبت الرخصة في أحد الطرفين ، وأما إذا كان من القبيل الثاني حيث إنه توجد رخصة شرعية بلحاظ الطرف الثاني الذي هو شرب الماء فحينئذٍ لا يحتاج إلى استفادة الرخصة من حدث الرفع ، إنما حديث الرفع نستفيد منه في الحالة الأولى فقط ، يعني فيما إذا كان كلا الطرفين متعلقاً للحكم التكليفي التحريمي مثلاً ، وبذلك ثبت المطلوب ، وهو أنك مرخّصٌ في أحد الطرفين نتيجة تطبيق حديث نفي الاكراه ، لأنَّ حديث نفي الاكراه هو حديث منّة ورخصة والمنّة والرخصة تحصلان في الحالة الأولى بالرخصة في أحد الطرفين ، أما في الصورة الثانية فالرخصة موجودة من الأساس فلا مجال لتطبيق حديث نفي الاكراه.

إذاً تطبيق حديث الرفع واثبات الرخصة في الجامع يستلزم الرخصة في أحد الفردين لا في كليهما ، لأنه يكفي في المنَّة الرخصة في أحد الفردين.

والظاهر أنه بهذا المقدار لم يحل المشكلة:- فإنَّ المشكلة كانت هي أنَّ الاكراه هو على الجامع فكيف تثبت الرخصة بلحاظ الفرد ؟

اللهم إلا أن يجب يقول:- صحيح أنَّ الاكراه هو على الجامع ولكن تطبيق حديث رفع الاكراه على الجامع يستلزم بالدلالة العرفية الإلتزامية الرخصة في أحد الفردين.

ولكن نقول:- إنَّ الاشكال بَعدُ باقٍ ، فإنَّ حديث رفع الإكراه يرفع ما تعلّق به الاكراه ، والاكراه حسب الفرض متعلق بالجامع ، فلابد وأن يصير الرفع بلحاظ نفس المكرَه عليه ، ومتعلق الإكراه وهو الجامع دون الخصوصية ، لأنَّ الخصوصية ليست هي متعلّق الاكراه ، فكيف تثبت الرخصة في غير متعلّق الاكراه ؟!! ، بل الرخصة لا بد وأن تثبت في متعلّق الاكراه ، وحيث إنَّ الاكراه متعلّق بالجامع فالرخصة التي نستفيدها لابد أن تكون بلحاظ الجامع ، لا أنننا نستفيدها بلحاظ الأفراد ، وإلا عاد الاشكال نفسه ، لأنَّ الاشكال هو أنَّ حديث رفع الاكراه يرفع متعلّق الاكراه أما الخصوصيات فليست متعلّق الاكراه وإنما الجامع هو متعلّق الاكراه فكيف نستفيد الرخصة في الأفراد ؟

هذه خمسة أجوبة عن هذا الاشكال.

والمناسب في الجواب أن يقال:- إنَّ الكلام تارةً يقع بلحاظ الاكراه في الأحكام الوضعية[3] ، وأخرى بلحاظ الأحكام التكليفية[4] .

أما الاكراه في باب الأحكم الوضعية:- فهناك جوابان للتخلص من هذا الاشكال:-

الجواب الأول:- إنَّ المكرِه إذا قال ( إما أن تبيع دارك أو تفعل الفعل المحرّم الآخر ) ولكن المهم أنَّ أحد الطرفين أو كليها من العقود ويرتبط بالأحكام الوضعية ، ففي مثل هذه الحالة يمكن أن نقول إنَّ الاكراه هو في الحقيقة منصب على الخصوصية ابتداءً لا على الأحد ، فإنه يوجد فرقٌ بين الجامع في هذه الأمور الاعتبارية وبين الجامع في الأمور الحقيقية ، فإنَّ الجامع في الأمور الحقيقية كالجامع بين الإنسان والفرس وهو الحيوانية ، فقد يقال إنَّ الحيوانية شيء ثالث فلا هي إنسان ولا هي فرس ، وأما الجامع في الأمور الاعتبارية فهو ليس شيئاً ثالثاً يغاير الخصوصية بل هو عين الخصوصية ، فإنَّ الأحد ليس شيئاً ثالثاً غير هذا وذاك ، فلنرفع كلمة ( أحد ) ، فهو يقول ( أُكرِهك على بيع الدر إن لم تؤجر السيارة ) ، فمتعلّق الاكراه هو بيع الدار أو اجارة السيارة إن لم تبع الدار ، فالإكراه متعلّق بنفس الخصوصيتين ولكن بهذا النحو ، لا أنه يوجد اكراهُ تعيينٍ على هذا ، بل أكرهك على هذا إنّ لم تفعل ذاك وأكرهك على ذاك إن لم تفعل هذا.

وبناءً على هذا لا يشكل علينا ويقال:- إننا نشعر بالوجدان أنَّ الاكراه واحد وبناءً على ما ذكرت صار الاكراه متعدداً بعدد الأفراد وهذا مخالف للوجدان ؟!

فجوابه قد اتضح:- وهو أنَّ هذا الاكراه المتعدد هو في حكم اكراهٍ واحد ، لأنه يقول ( أكرهك على هذا إن لم تفعل ذاك واكرهك على ذاك إن لم تفعل هذا ) فكل واحدٍ هو متعلّق الاكراه ، ولكن في نفس الوقت إذا جمعنا هذه الاكراهات فهي ترجع إلى اكراه واحد ، فصحيحٌ أنَّ الاكراهات بحسب الصورة متعددة ولكنه من حيث الروح واحد ، ومادام متعلّق الاكراه هو نفس الخصوصية - باعتبار أنَّ الجامع في الأمور الانتزاعية الوضعية لا يكون شيئاً مغايراً للأفراد بل هو عين الأفراد واقعاً - فالإكراه منصب على الأفراد ولكن بهذا الشكل ، وعليه سوف يرتفع الاشكال ، وبالتالي يثبت بطلان المعاملة لأجل الاكراه عليها لا لأجل فقدان طيب النفس بل لحديث الاكراه ، فنقول إنَّ حديث نفي الاكراه كما يشمل الأحكام التكليفية يشمل الأحكام الوضعية أيضاً ، فهو يشمل هذا الطرف لأنه مكره عليه واقعاً ، ويشمل ذلك الطرف لأنه مكره عليه واقعاً ، إذ الجامع كما قلنا هو عين الخصوصيات لا أنه شيء ثالث ، فلا نحتاج إلى فكرة أنَّ البيع يقع باطلاً من ناحية عدم طيب النفس كما تشبث بذلك الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) في الجواب الأول ، ولا نقول إنَّ طريقه باطل ، وإنما نقول لا نحتاج إلى ذلك ، لأنه يمكن أن لا نتمسّك بفقدان طيب النفس بل نتمسّك بحديث رفع الاكراه ، لأنَّ الاكراه صادقٌ على كل واحدٍ من الفردين.


[1] ومورد كلامنا هو فميا لو ذكرت الخصوصيات في كلام المكرِه.
[3] مثل البيع.
[4] مثل السرقة وشرب الخمر.