1440/06/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

الأمر السابع[1] :- وهو أن الرضا الباطني للمالك هل يرفع الفضولية ويكون العقد كالعقد المتعرف غير الفضولي أو أنه يبقى الفضولي بمجرد الرضا من دون ّغن ولا اجازة ؟

هذه مسألة جديرة بالبحث وكلن حيث إنَّ السيد الماتن(قده) يشير إليها في مسألة مستقلة وهي مسألة ( 65 ) ونحن نرجئ البحث إلى هناك.

والأن ندخل صلب الموضوع:- والكلام تارةً يقع في الأدلة الدالة على الصحة ، وأخرى في الأدلة الدالة على عدم الصحة:-

وقبل هذا نشير إلى ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[2] وهو أن المشهور هو الصحة وخالف بعضٌ ، وذكر أربعة أسماء من المخالفين في المسألة حيث قالوا ببطلان عقد الفضولي وأن الاجازة لا تنفع وهم فخر الدين والاسلام ابن العلامة الحلي والأردبيلي والسيد الداماد وبعض متأخري المتأخرين ويقصد بذلك صاحب الحدائق ، وإلا فالمعروف هو الصحة.

وقبل أن نذكر الأدلة نبيّن موضع النزاع:- والكلام الذي نريد أن نتكلم به الآن هو فيما إذا فرض أنَّ الفضولي يبيع للمالك وليس لنفسه - لأنَّ مسألة البيع لنفسه ستأتي - ونفرض أنه لم يصدر منع مسبق من المالك ، فإذاً هذا هو محل الكلام ، فالبيع يصدر من الفضولي للمالك ونفترض أنه لم يصدر نهي عن البيع.

هذه هي الصورة التي هي أخف الصور مؤونة ومشكلتها أقل ، فإذا أثبتنا الصحة فيها فيوجد للبحث في بقية الصور ، أما إذا لم يكن فيها مجال للصحة فبالأولى عدم الصحة في بقية الأقسام.الأدلة على الصحة:-

الدليل الأول:- مقتضى القاعدة ، يعني أنَّ القاعدة تقتضي الصحة بلا حاجة إلى دليل خاص ، وذلك باعتبار العمومات الموجودة عندنا مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنه يثبت الصحة ، فتكون الصحة هي مقتضى القاعدة من دون الحاجة إلى دليل خاص.

أما كيف أنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يثبت الصحة ؟

ذكر الشيخ الأعظم(قده):- إنَّ عموم ﴿ أوفوا ﴾ يشمل جميع العقود وقد خرج منه العقد الذي لا إذن فيه ولا إجازة ، وأما ما كان فيه إجازة فنشك في خروجه من عموم أوفوا فيكون مقتضى العموم الشمول لمثل هذا العقد ، يعني العقد الفضولي الذي هو ملحوق بالاجازة ، واحتمال اعتبار مقارنة الإذن للعقد في صحته منفيٌّ بالإطلاق

بقي شيء كان من المناسب أن يشير إليه:- وهو أنه يحتمل أنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى العقد الصادر من المالك ، فـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني العقد الصادر من المالك دون مطلق العقد ، فلابد أن يعالج هذه القضية ، لأنها إذا كانت ناظرة إلى العقد الصادر من المالك فسوف لا تنفعنا.

فيجاب:- أنَّ قيد الصدور من المالك قيد نشك في اعتباره ولم يؤخذ في لسان الدليل ، فيكون منفياً بالإطلاق ، فكان من المناسب أن يذكر هذه القضية ويجيب عنا.

قال(قده):- ( مرجع ذلك كله إلى عموم حلّ البيع ووجوب الوفاء بالعقد خرج منه العاري عن الإذن والاجازة معاً ولم يعلم خروج ما فقد الإذن ولحقته الاجازة . وإلى ما ذكرنا يرجع استدلالهم بأنه عقد صدر عن أهله في محلّه فما ذكره في غاية المراد من أنه من باب المصادرات لم أتحقق وجهه لأنَّ كون العاقد أهلاً للعقد من حيث إنه بالغ عاقل لا كلام فيه وكذا كون المبيع قابلاً للبيع فليس محل الكلام إلا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك وهو مدفوع بالأصل )[3] .

ونحن نقول:- كيف يقول إنه مدفوع بالأصل ، أليس هو يقول إنَّ الأصل في العقود إذا شككنا في صحتها وفسادها هو الفساد ؟! ، فإذا شككنا في اعتبار العربية أو الماضوية فنقول إنه قبل العقد لا يوجد نقل وانتقال أما بعد العقد فنشك هل حصل النقل والانتقال أو لا فنستصحب بقاء كلّ عوضٍ على ملك مالكه وعدم تحقق النقل والانتقال ، فما عدى مما بدى ؟ فكيف تمسك الآن بالأصل لنفي اعتبار مقارنة الإذن ؟

والجواب:- إنه يوجد أصلان ، أصلٌ لفظي وأصلٌ عملي ، وكلّ منهما يقتضي عكس الآخر ، فالأصل اللفظي يعني الاطلاق أو العموم يقتضي صحة العقد من دون القيد المشكوك لأننا نقول لو كان هذا القيد معتبراً لأخذه المتكلم في كلامه وقيّد به ومقتضى الاطلاق عدم اعتباره ولكن هذا اطلاق لفظي ، أما إذا كان الاطلاق اللفظ ليس موجوداً في مورد فالأصل العملي يقتضي الفساد ، لأنَّ النقل والانتقال لم يكن حاصلاً والآن نشك هل حصل النقل الانتقال أو لا فنستصحب العدم.

فإذاً هذان أصلان لا ينبغي الخلط بينهما ، والشيخ الأعظم(قده) هنا حينما قال إنَّ مقتضى الأصل عدم اعتباره هو الأصل اللفظي وليس الأصل العملي ، فهو يريد أن يقول يوجد عندنا عموم ، فإنَّ عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ينفي كل قيد نشك في اعتباره فإنه منفي بالإطلاق ، وليس مقصوده الأصل العملي حتى تشكل عليه.

وينبغي الالتفات إلى شيء:- وهو أنَّه نسبنا فيما سبق إلى السيد الخميني(قده) أنه تمسك ببيان من هذا القبيل ، وقلنا إنَّ العلمين الشيخ الأعظم والسيد الخميني يريان أنَّ ﴿ أحل الله البيع ﴾ له دائرة وسيعة ويشمل الكل والخارج منه يحتاج إلى دليل ، الشيخ الأنصاري(قده) ادعى أنَّ الخارج بنحو القدر المتيقن هو الخالي من الإذن والاجازة ، أما الواجد للإجازة من دون إذنٍ مسبق فلا نعلم بخروجه فنتمسّك بالعموم أو الاطلاق ، والسيد الخميني(قده) تمسك بلفظ الانصراف فقال إنَّ هذا العموم منصرَف عن العقد الخالي من الإذن والاجازة ، وهذا قد نقلناه عن السيد الخميني(قده) في مسألة الرضا ، أي إذا كان يوجد للمالك رضا قلبي ولكنه لم يصدر إذناً ولا إجازة ، فقال إنَّ هذا العقد يمكن تصحيحه على مقتضى القاعدة ، لأنَّ عموم ﴿ أوفوا ﴾ يشمل العقد والخارج بالانصراف هو الخالي من الإذن والاجازة والرضا ، أما الواجد للرضا فنشك في خروجه وعدم خرجه فلا يوجد انصراف فنتمسّك بالعموم ، فلا يوجد فرق بين كلاميهما ، قال السيد الخميني(قده):- ( إنَّ بيع الفضولي مع مقارنته لرضا المالك مشمول لمثل " أوفوا بالعقود " وتجارة عن تراض منكم لأنَّ التقييد بعقود أو تجارتكم اوب يعكم ليس في الأدلة وإنما هو من باب الانصراف ولا تنصرف الأدلة إلا عن أجنبي لا تنسب إليه المذكورات بوجهٍ وأما العقود المأذون فيها والمجازة والمرضي بها فلا وجه لانصرافها عنها بعد كونها صحيحة لزمة عرفاً وفي محيط العقلاء )[4] .

بيد أنَّ الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) ذكر كلامين في هذا المورد:-

الأول:- إنَّ المقصود ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني أوفوا بالعقود الصادرة منكم ، فأخذ قيد الصدور يعني أن تكون صادرة ، ثم قال ومجرّد الاجازة والاجازة المتأخرة لا تجعل العقد صادراً من المالك ، فبالإجازة لا يقال صدر العقد منه.

الثاني:- قال إن الأحسن المجيء بطريقة أخرى لتصحيح عقد الفضولي غير الطريقة التي ذكرها الشيخ الاعظم(قده) ، يعني أنه تمسّكٌ بالإطلاقات ولكن ببيان آخر حيث قال:- إنَّ المالك حينما يقول أجزت والمفروض أنه قبل ذلك قال الأصيل ولنفترض أنَّ الفضولي كان بائعاً والمشتري كان أصيلاً فقال اشتريت ، فنضم ( اشتريت ) إلى ( أجزت ) فصار هذا مصداق للعقد ولكن بألفاظ من هذا القبيل وأبرزت المقصود ، فالمشتري قال اشتريت الكتاب بكذا والبائع قال قبلت أو أجزت فلا فرق بينهما من هذه الناحية ، كما لا ضرر في تقدم القبول على الايجاب ، فنتمسّك بالإطلاق آنذاك فنقول إنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يشمل بإطلاقه مثل هذا العقد.

قال(قده):- ( المراد من عقودكم العقود الصادرة منكم ولو بالتسبيب[5] لا العقود المنتسبة لكم بأيّ نسبة كانت ولو نسبة كونها مجازة لكم[6] ومن المعلوم إن عقد الغير لا يصير عقداً صادراً من الشخص بإجازته له ، نعم يمكن أن يقال إن الاجازة من المالكين بنفسها عقدٌ تشمله العمومات وكذا الاجازة من أحد المالكين مع إنشاء الأصيل )[7] .

إذاً لحد الآن اتضح أنه طريقة الشيخ الأعظم(قده) حيث تمسك بالإطلاق أو العموم بعرضه العريض والطريقة الأخرى التي ذكرها الحاج ميرزا علي الايرواني وهي طريقة ضيقة وهي أنّ المراد من أوفوا بالعقود هو أوفوا بعقودكم الصادرة منكم أي الصادرة منكم بهذا المعنى.

[1] ونحن نشير إليه فقط ولا نريد التعرض إليه بالتفصيل.
[5] أي ولو بالوكالة.
[6] يعني أن الاجازة لا تكفي بل لابد أن تصدر منك.
[7] حاشية المكاسب، الايرواني، ج2، ص216.