1440/08/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٠ في موارد جواز الخروج من المسجد

 

(مسألة ٣٠): يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة أو لحضور الجماعة أو لتشييع الجنازة وإن لم يتعين عليه هذه الأمور، وكذا في سائر الضرورات العرفية أو الشرعية الواجبة أو الراجحة، سواء كانت متعلقة بأمور الدنيا أو الآخرة مما يرجع مصلحته إلى نفسه أو غيره، ولا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات.[1]

تطرقنا لهذه المسألة في الشرط الثامن من شروط صحة الإعتكاف الذي هو عبارة عن استدامة اللبث في المسجد، وانتهينا الى ان المستثنى من حرمة الخروج من المسجد هو الخروج لحاجة لابد منها، أي الحاجة البالغة حد الضرورة؛ والضرورة لا يراد بها خصوص الضرورة العقلية التي لا يمكن للمعتكف تركها، بل هي اعم منها ومن الضرورة الشرعية والعادية العرفية.

أما الموارد المنصوصة المستثناة من حرمة الخروج كتشييع الجنازة وعيادة المريض وحضور صلاة الجمعة والغائط فهي مصاديق للحاجة التي لابد منها، خصوصاً بعد تعميم اللابدية الى اللابدية العقلية والشرعية والعرفية، وليس استثناؤها في قبال استثناء الحاجة التي لابد منها، فلا يكون هناك فرق بين الموارد المنصوصة وبين غيرها -كحضور الجماعة- من هذه الناحية، فإستثناء تشييع الجنازة وعيادة المريض يكون من باب انهما ضرورة عرفية، وإستثناء حضور صلاة الجمعة من باب انه ضرورة شرعية.

وذكرنا انه يترتب على هذا المبنى ان هذه الأمور المنصوصة -فضلاً عن غير المنصوصة- لا يجوز الخروج لأجلها الا اذا بلغت الى حد اللابدية، فلا نلتزم بجواز الخروج لتشييع الجنازة مطلقاً ولو لم تكن هناك ضرورة كما في تشييع الأجنبي الذي لا صلة بينه وبين المعتكف وإن كان تشييع جنازته باعتبار كونه مؤمناً مستحباً، اذ الخروج حينئذ ليس ضرورياً، لا شرعاً لأنه ليس بواجب حسب الفرض، ولا عرفاً لفرض عدم وجود علاقة بين الميت والمعتكف، هذا.

ثم ان السيد الماتن (قده) ذكر مواردَ لجواز الخروج وعبر بعده (وإن لم يتعين عليه ذلك)، فهل المقصود من عدم التعين هو عدم الوصول إلى حد الضرورة، أو أن المقصود منها أنها ليست واجبة عليه تعييناً؟

أما الأول فهو إحتمال بعيد عن ظاهر عبارته، وقد تبين مما تقدم أننا لا نوافق على هذا الإحتمال، لعدم جواز الخروج حتى في الموارد المنصوصة في الرواية إذا لم تبلغ حد الضرورة، وأما الثاني فهذا أمر نوافق عليه بشرط أن تصل الى حد الضرورة العرفية أو الشرعية وان لم تجب عليه تعييناً.

 

قوله (وكذا في سائر الضرورات العرفية أو الشرعية الواجبة أو الراجحة): من العبادات كزيارة المعصوم والصلاة على الميت، والكلام يقع في جواز خروج المعتكف لأجل الأمور المستحبة، فنقول:-

ذهب جماعة إلى جواز الخروج لفعل مطلق الأمر الراجح، وقد يستدل لهذا الرأي

أولاً بأن النصوص إستثنت أمرين راجحين من عدم جواز الخروج هما تشييع الجنازة وعيادة المريض، ولا خصوصية لهذين الموردين، وإنما ذكرا من باب المثال لمطلق الراجح والمستحب، وعليه فيجوز الخروج لمطلق الأمور الراجحة والمستحبة.

وثانياً بتطبيق عنوان الحاجة التي لابد منها على هذه الموارد، بدعوى دخول المستحبات تحت هذا العنوان بعد تفسير اللابدية بما تكون فيه مصلحة، فكل شيء فيه مصلحة تكون فيه نحو من أنحاء الضرورة.

والدليل الثاني وإن ذكر في بعض الكلمات لكنه واضح الضعف، لعدم صدق اللابدية والضرورة على الأمور الراجحة والمستحبة إذا لم تكن هناك ضرورة عرفية؛

أما الدليل الأول فقد يلتزم به، ولكن يرد عليه أن النصوص لم تذكر من المستحبات إلا عنواني تشييع الجنازة وعيادة المريض، ومن غير المعلوم أن الجامع بينهما الذي إقتضى الإستثناء هو كونهما من الأمور المستحبة لكي يمكن التعدي الى سائر المستحبات، بل يطرح إحتمال أن الجامع هو كونهما من الضرورات العرفية عادةً، وهذا الإحتمال يمنع من التعدي إلى سائر المستحبات لعدم توفره (الجامع) فيها.

ويؤيد ذلك بعض الروايات -التي تقدمت الإشارة إليها إجمالاً، وسيأتي التعرض لها- التي تقول أن المعتكف إذا خرج من المسجد وحل وقت الصلاة لا يجوز له أن يصلي إلا في مسجده الذي إعتكف فيه. فمنع المعتكف من الصلاة خارج مسجده -وإن كان خروجه لحاجة لابد منها- يشمل الصلاة التي تشتمل على عنوان راجح ومستحب كالصلاة في مسجد آخر أو الصلاة مأموماً أو إماماً، وهذه مستحبات مؤكدة والحال منع منها المعتكف، وهذا لا يجتمع مع جواز خروج المعتكف من المسجد لمطلق المستحبات والأمور الراجحة.

ومن هنا فالأقرب -كما نفهم- أن إستثناء الأمور الراجحة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالوصول إلى حد الضرورة، من دون فرق بين الأمور المنصوصة وغير المنصوصة، فإذا وصل تكفين الميّت -مثلاً- إلى حد الضرورة الشرعية أو العرفية فيجوز له الخروج، أما إذا تعين ذلك عليه فيجب الخروج.

أما عبارة المتن فليس واضحاً، إذ المقصود من (الراجحة) إمّا الضرورة الراجحة[2] ، وهو إحتمال لا بأس به، وإمّا الضرورة الشرعية الراجحة في قبال الضرورة الشرعية الواجبة، وهذا الإحتمال ليس واضحاً، لأنه يفهم من الضرورة الشرعية ما كان واصلاً حد الإلزام وهو متحقق في الواجبات فقط، إذ المستحب أساساً يجوز تركه فلا معنى بأن يصل إلى حد الضرورة.

من ناحية الفتاوى فهناك من إلتزم بتعميم جواز الخروج لمطلق المستحبات، ونقل هذا المعنى عن الشيخ في المبسوط والخلاف، والمحقق في النافع، والعلامة في المنتهى؛ وظاهراً دليلهم هو إلغاء خصوصية المورد والتعدي إلى سائر المستحبات كما تقدم، إذ عللوا جواز الخروج لأجل مطلق الأمور الراجحة بالطاعة، مثلاً عللوا جواز الخروج لأجل أن يأذّن في مسجد آخر أو لأجل عيادة مريض بأنه طاعة ومن القربات.


[1] ترك الشيخ الأستاذ (دامت بركاته) المسألتين ٢٨ و٢٩ المتعلقتين بأحكام العبيد لعدم الإبتلاء بها في هذا العصر.
[2] وذلك بأن تكون هذه الكلمة عطفاً على (العرفية)، لا على (الواجبة) كما في الإحتمال الثاني.