1440/08/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

الاشكال الثالث:- إنَّ المورد ليس من الفضولي أصلاً ، بل هو من العقد المقرون بالإذن المسبق فلا يكون مصداقاً للفضولي ، إذ المشتري حينما قبل الاقالة بوضيعة ، فهو آذنٌ من البداية بأن يبيع البائع المبيع بزيادة ، فإذاً قبول الاقالة بوضيعة يدل بالدلالة الالتزامية على رضا وإذن المشتري ببيع المبيع بزيادة ، فعلى هذا الأساس يكون المورد خارجاً عن بيع الفضولي من الأساس.

ويرده:-

أولاً:- إنَّ هذه يتنافى مع ما ذكره في الاشكال الثاني لأنه قال في الاشكال الثاني لو كان المورد مورد الفضولي لاحتاج إلى الاجازة والامام عليه السلام لم يعلّق صحة البيع الثاني على الاجازة ، بينما قال في هذا الاشكال إنه لا توجد فضولية أصلاً ولا نحتاج إلى الاجازة لأنه يوجد إذنٌ مسبق ، فهذا قد يكون نحواً من التنافي بين ما ذكره في الاشكال الثاني وبين ما ذكره في الاشكال الثالث.

ثانياً:- إنه ذكر أنه يمكن أن يكون البيع ليس فضولياً لوجود الإذن ، ونحن نقول: نعم يوجد الإذن ولكن هذا الإذن لا يخرج البيع عن الفضولي رغم وجوده وذلك ببيان أنَّ المشتري وإن كان آذناً في البيع الثاني ولكن لا يعلم أنه هو المالك الشرعي بل يتخيل أنَّ الاقالة بوضيعة صحيحة فإذا كانت صحيحة ، فعلى هذا الأساس يكون البائع مالكاً للثوب لأنه يتصور أنَّ الاقالة بوضيعة صحيحة ، فالبائع حينما يبيع فهو يبيع وهو مالك وهو صاحب الحق والمشتري لا يملك الثوب بل المالك يتصوّر أنه يملك الثوب ، فإذاً المشتري وغن كان آذناً للبائع في أن يبيع الثوب بزيادة ولكنه لا يدري وخفي عليه أنه هو المالك ويتصوّر أنه ليس بمالك والاذن المجدي هو ما يكون من المالك لا أنه يكون من شخصٍ يتضور أنه ليس بمالك وأن المالك غيره ، إذاً الإذن الصادر من المشتري لا يخرج العاملة عن الفضولية ، هكذا يمكن أن يقال خلافاً لما ذكره السيد الخوئي(قده).

إذاً هذه الاشكالات الثلاثة قابلة للتأمل.

الأجدر في المقام أن يردّ بردود أربعة:-

الأول:- يمكن أن نقول إنَّ المورد خارج عن الفضولي ، ببيان: أنَّ المشتري حينما طلب من البائع الاقالة ورفض البائع إلا بالأقل فهذه الاقالة بوضيعة باطلة ، وحينما قال الشرع ( لو باع الثوب بزيادة فالزيادة للمشتري ) فهذا حكم شرعي تعبّدي وليس من باب أن المشتري هو المالك للثوب فالبيع الذي يجريه البائع يجريه بما هو فضولي فتكون الرواية شاهداً لصحة بيع الفضولي ، بل من المحتمل أن يكون هناك حكم شرعي تعبّدي وهو أنه مادامت الاقالة بوضيعة باطلة فالشرع يحكم بأنَّ البائع لو باع بزيادةٍ فالزيادة تصير للمشتري لا من باب مسألة بيع الفضولي وأن المشتري هو المالك وقد وقع البيع على ملكه ومن باب أنه أجاز بيع الفضولي فتكون الزيادة له ، بل من باب أنَّ هذا حكم شرعي تعبّدي صرف ، فإنه مادامت الاقالة بوضيعة باطلة فالبيع الصادر من البائع تكون فيه الزيادة شرعاً للمشتري الأوّل وهذا من الأحكام الشرعية التعبدية الصرفة ، وبذلك تكون الرواية أجنبية عن بيع الفضولي بتمام معنى الكلمة ، ولا نريد أن ندّعي أنَّ المقصود هو هذا جزماً ، بل نريد أن نقول إنه كما أنَّ ذاك احتمال فهذا احتمال أيضاً ، وبذلك تعود الرواية مجملة لا يصح التمسّك بها ، ولا يخفى لطفه.

الاشكال الثاني:- إنَّ موردها هو ما إذا باع الشخص باعتقاد أنه مالك ، أي واقعاً يرى نفسه أنه مالك ، ومورد الرواية من هذا القبيل ، لأنَّ البائع بعد الاقالة بوضيعة والمفروض أنه يتصور أنَّ الاقالة بوضيعة صحيح هو يبيع فهو يبيع بما هو مالك في عقيدة نفسه وإذا وقع البيع صحيحاً فأقصى ما تثبت صحة بيع الفضولي هذ هذه المساحة الضيقة وهي ما إذا باع الشخص شيئاً باعتقاد أنه مالك واقعاً والحال هو ليس بمالك واقعاً فسوف تثبت صحة الفضولي في هذه المساحة الضيّقة من خلال هذه الرواية ، لا أنه يمكن أن نستكشف منها أنَّ بيع الفضولي صحيح حتى إذا فرض أنَّ البائع لم يعتقد بكونه مالكاً وإنما كان يعتقد بنفسه أنه فضولي ، فإذاً من خلال الرواية لا يثبت المدّعى المطلوب بكامله ، وإنما يثبت في مساحة ضيقة وهي ما إذا فرض أنَّ البائع كان يعتقد أنه مالك واقعاً.

الثالث:- إنها وإن دلت على صحة بيع الفضولي ولكن في موردها فرض أنَّ المالك الحقيقي - وهو المشتري الأوّل لأنَّ الاقالة بوضيعة باطلة - قد فرض أنه راضٍ ببيع البائع الفضولي وآنذاك سوف تثبت صحة بيع الفضولي في حالة رضا المالك من البداية ببيع الفضولي ، ولا يثبت بذلك صحة بيع الفضولي في المساحة الواسعة - يعني بحيث إذا لم يكن المالك راضياً من البداية فأيضاً يصح بيع الفضولي - ، بل أقصى ما يثبت بالرواية هو صحة حالة ما إذا كان المالك الحقيقي - وهو في موردنا المشتري الأوّل - راضياً من البداية كما هو المفروض في مقامنا ، لأنه قَبِلَ بالإقالة بوضيعة وهو لا يعلم بأنها باطلة ، فهو راضٍ بتمام معنى الكلمة ببيع البائع لأنه يرى أنَّ البائع مالكاً ، فهو راضٍ ببيع المالك ، فإذاً الرواية لا تدل على صحة بيع الفضولي حتى في حالة ما إذا لم يكن للمالك الحقيقي رضاً مسبق.

الرابع:- إنَّ الوارد في الرواية كما ذكرنا سابقاً التعبير ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً فكرهه ثم ردّه على صاحبه فأبى أن يقيله إلا بوضيعة ) هذا هو الوارد في بعض النسخ ، وتوجد نسخة ثانية الوارد فيها ( فأبى أن يقبله ألا بوضيعة ) ، والاستدلال بالرواية يتم على كون الوارد هو عبارة ( يقيله بوضيعة ) ، وقد قلنا إنَّ الاقالة بوضيعة باطلة والمالك الحقيقي إذاً هو المشتري الأوّل فحينما يبيع البائع الثوب فقد باع ملك غيره فيصير من الفضولي ، أما إذا كان الوارد فيها هو تعبير ( فأبى أن يقبله ) فيمكن أن يصير المعنى بشكلٍ آخر ، يعني بتعبير آخر أنَّ المشتري جاء بالثوب وردّه على البائع فهو لم يطلب منه الاقالة حتى قال إنَّ الاقالة بوضيعة باطلة وإنما قال له تقبله منّي أي إني أبيع لك هذا الثوب بمعالة جديدة ، فأنت بعته لي بدينار مثلاً والآن أنا المشتري أطلب منك أن تتقبله مني بمعاملة ثانية والبائع لم يقبل أن يشتريه بمعاملة ثانية إلا بوضيعة ، والشراء الثاني بوضيعة جائز شرعاً ، فنحمل ما ورد في الرواية حينما قال الامام عليه السلام ( لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة ) على الكراهة ، يعني مكروه له أن يشتريه بوضيعة بل عليه أن يشتريه بثمنه الكاملة ، ثم بعد ذلك قال الامام عليه السلام وإذا فرض أن البائع تقبّل الثوب بشراءٍ جديدٍ ثم باعه بثمن أكثر قمن المستحب شرعاً أن يرجع الزيادة في الثمن إلى المشتري الأوّل ، فإذاً هناك كراهة في أن يقبل البائع الشراء الثاني بالأقل ، وإذا خالف هذا المكروه وأخذ الثوب وباعه بزيادة فمن المستحب له ارجاع الزيادة ، فالرواية ناظرة إلى هذا المعنى ، ولا نريد أنَّ نقول مراد هذا جزماً بل هو مرادٌ احتمالاً ، وبهذا تكون أجنبية عن بيع الفضولي تماماً.

إذاً التمسّك بهذه الرواية لصحة بيع الفضولي محل إشكال وتأمل.