1441/03/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

بعد ان علمنا ان الحالة الاولى والثانية تدخلان في العمد، دخلنا في الحالة الثالثة وهي ما اذا كان الشخص قاصداً للفعل من دون قصد القتل به ومن دون ان تكون الالة مما يقتل مثلها عادة كما لو ضرب الطفل للتاديب بعصا فمات

وذكرنا وفاقاً لجماعة من الفقهاء بان الظاهر انه ليس من العمد وانما يدخل في شبه العمد الذي حكمه الدية على الجاني وذكرنا بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك وكان عمدتها صحيحة ابي العباس وزرارة حيث صرح فيها بذلك (( بان العمد ان يتعمده فيقتله بما يقتل مثله والخطأ ان يتعمده ولا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله))

والراي الثاني هو ما اختاره الشيخ الطوسي (قده) في بعض كتبه من دخول هذه الحالة في العمد واستدل ببعض الروايات:

منها: معتبرة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : «لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمدا»[1] وهذه الالات بعضها على الاقل لا يقتل مثلها عادة، ومقتضى اطلاقها انه عمد سواء قصد القتل او لم يقصده

ومنها: صحيحة الحلبي قال : قال أبو عبدالله (عليه‌ السلام) : «العمد كل ما اعتمد شيئا فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة ، فهذا كله عمد ، والخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره» [2] وهذه مما لا يقتل مثلها عادة ومقتضى اطلاقها كونها عمد سواء قصد القتل او لم يقصده

ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : قال لي أبو عبدالله (عليه ‌السلام) : يخالف يحيى بن سعيد قضاتكم؟ قلت : نعم ، قال : هات شيئا مما اختلفوا فيه ، قلت : اقتتل غلامان في الرحبة فعض أحدهما صاحبه ،فعمد المعضوض إلى حجر فضرب به رأس صاحبه الذي عضه فشجه فكز فمات ، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد فأقاده ، فعظم ذلك على ابن أبي ليلى وابن شبرمة وكثر فيه الكلام ، وقالوا : إنما هذا الخطأ فوداه عيسى بن علي من ماله ، قال : فقال : (إن من عندنا ليقيدون بالوكزة ، وإنما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره) [3] والوكزة لا يقتل مثلها عادة

وقد اجيب عن هذا الاستدلال بجوابين:

الاول: انه من الممكن حمل هذه الروايات على شبه العمد فليس المقصود بالعمد فيها تعمد القتل بل المقصود تعمد الفعل وهو يدخل في الخطأ شبه العمد

وهذا الجواب ليس بتام على الاقل في بعض الروايات لان بعضها يصرح بالقود فهي صريحة بانه عمد

الثاني: ان الروايات المذكورة انما تشمل هذه الحالة باطلاقها وهو قابل للتقييد بالروايات التي استدللنا بها على القول الاول في الصورة الثالثة لانها تصرح بان الذي يتعمد الفعل ولا يقصد القتل به مع كون الالة مما لا يقتل مثلها عادة من الخطأ شبيه العمد لا من العمد، من قبيل صحيحة ابي العباس وزرارة فهذه تقيد تلك المطلقات وتتقدم عليها بالاخصية لانها مختصة بهذه الحالة

ومنه يظهر ان العمد الذي يترتب عليه القصاص يتحقق في الحالتين الاولى والثانية وقد تكون هناك بعض الامور التي تلحق بهما كما سياتي، واما شبه العمد الذي يترتب عليه الدية على الجاني فيتحقق في الحالة الثالثة وهو يشترك مع العمد في قصد الفعل الذي ترتب عليه القتل ويختلف عنه في عدم قصد القتل به وعدم كون الفعل مما يقتل مثله في حين ان المعتبر في العمد اما قصد القتل بالفعل او كون الالة مما يقتل مثلها

والمراد بتعمد الفعل هو تعمد الفعل بالنسبة الى المجني عليه لا مطلقاً كما لو ضرب زيداً بالعصى فمات ويتعمد ايقاع الفعل بالمجني عليه، ويقابل ذلك الخطأ المحض وهو ما لا يوجد فيه تعمد الفعل بالنسبة الى المجني عليه كما اذا رمى طائراً برصاصة فاصابت انساناً فقتلته وكما اذا رمى زيداً بقصد جرحه فاصاب غيره فقتله، وهذا هو المتيقن من الخطأ المحض

وهناك صورة اخرى سياتي التعرض لها وهل هي من الخطأ المحض او لا؟، وهي ما لا يوجد فيه تعمد الفعل ولا القتل حتى بالنسبة الى المجني عليه كما اذا انقلب النائم على انسان فمات، وكما اذا ركب دابة فجمحت به وقتلت احد المارة، ومثله سائق السيارة اذا اصطدمت بالمارة فقتلت احدهم بلا تقصير منه

ومنه يظهر ان اقسام القتل والجناية ثلاثة: عمد محض وشبه العمد وخطأ محض، وهذا التقسيم الثلاثي هو المشهور المعروف بل المتفق عليه بين علمائنا (رضوان الله عليهم) خلافاً للعامة حيث اختلفوا في كونه ثلاثياً كما هو المنقول عن الشافعية والحنابلة او ثنائياً وهو العمد والخطأ كما حكي عن المالكية وابن حزم الظاهري او كونه رباعياً باضافة ما يسمى بالقتل الجاري مجرى الخطأ ويراد به الصورة المتقدمة التي قلنا بانه سياتي الكلام عنها

وعلى كل حال لا بد من ملاحظة الحالات الثلاث السابقة وعرضها على النصوص

اما القصاص فقد عرفنا ان موضوعه الجناية العمدية وعرفنا انه يتحقق في حالتين الاولى كون الفعل مما يقتل مثله وان لم يقصد به القتل والثانية قصد القتل بالفعل وان لم يكن الفعل مما يقتل مثله

واما الدية على الجاني فقد عرفت ان موضوعه شبه العمد وهو يتحقق في الحالة الثالثة المتقدمة والتي فرض فيها قصد الفعل المتعلق بالمجني عليه الذي لا يقتل مثله وظاهرهم اعتبار ذلك في الخطأ شبه العمد

ومن هنا قد يقال بخروج الحالات التي لا يوجد فيها قصد الفعل بالنسبة الى المجني عليه عن شبه العمد ومثاله اذا قصد الفعل الذي يترتب عليه القتل بالنسبة الى غير المجني عليه فوقع على المجني عليه

وكذا اذا لم يقصد الفعل اصلاً حتى بالنسبة الى غير المجني عليه كالنائم اذا انقلب على انسان فقتله

وعليه فلا بد ان تدخل هذه الحالات -اذا سلمنا بخروجها من الخطأ شبه العمد- في الخطأ المحض بناءً على ان التقسيم ثلاثي بلحاظ الاحكام

اقول ان ظاهر النصوص اعتبار قصد الفعل بالنسبة الى المجني عليه في شبه العمد كما في قوله في صحيحة ابي العباس (ارمي الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله، قال هذا خطأ) وقوله في صحيحة الفضل بن عبد الملك (سالته عن الخطأ اهو ان يتعمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله، قال نعم) فمأخوذ فيها قصد الفعل بالنسبة الى المجني عليه وفي صحيحة ابي العباس وزرارة ( والخطأ ان يتعمده ولا يريد قتله)