1441/03/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 69 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

ويرده: -

أولاً:- إنه منافٍ للدليل الأول، بل لا يجتمعان، لأنه في الدليل الأول قيل إنه أنشاء المعاملة عن الأب وهذا لا يمكن اجازته لأنَّ الأب لا يمكن إنشاء المعاملة عنه لأنه ميت، بينما هنا قال هو أنشأها عن نفسه على تقدير موت الأب، ففي الواقع الأمر هكذا أي بعتك هذا - أي عن نفسي - إن كان أبي ميتاً، وهنا سوف يصير تنافياً، فمقتضى الوجه الأول هو أنَّ المعاملة أنشئت عن الأب وذلك لا يمكن اجازته، بينما هنا يقال إنَّ هذه المعاملة أنشأها عن نفسه لا عن الأب ولكن عن نفسه إن كان الأب ميتاً، فهنا يوجد تعليق واقعي، وهذا نحوٌ من المنافاة بين الدليلين.

ثانياً: - أن يقال: إنه يقصد اجراء المعاملة لا عن الأب ولا عن نفسه وإنما ينشؤها عن المالك غاية الأمر قد يشتبه في التطبيق، فإذا انشأها عن المالك فلا يلزم محذور التعليق في الواقع إن كان هناك تنجيز في الصورة والشك، إنما يلزم هذا فيما لو فرض أنه كان ينشئ المعاملة عن نفسه فيقال حينئذٍ هذا الانشاء عن نفسه يعني إن كان أبي ميتاً، أما إذا قلنا هو ينشؤها عن المالك فلا يأتي ما ذكرناه.

ثالثاً: - ذكرنا فيما سبق أنَّ المعاملة هي المبادلة بين المالين أما قصد كونه عن نفسه أو عن غيره فهو أجنبي عن المعاملة، فحتى حيثية المالك لا نحتاج إليها، وإذا كانت أمور أخرى هو أنه يتصور عن نفسه أو عن أبيه أو عن المالك فتلك أمور مقارنة لا أنها مقومة لعملية البيع.

رابعاً: - أن نقول: هو حينما ينشئ المعاملة عن نفسه إن كان الأب ميتاً - كما هو مقتضى الدليل الثاني - فإنه يعتقد أنه ليس بميت فإذاً يبني على التملّك بالتجاوز على الشرع - أي تملّكها قهراً - فهذا الشخص مادام يعتقد أنَّ والده فهو حينما يبيع عن نفسه فإذاً لا يوجد تعليق، لأنه بانٍ على أنه مالك كالغاصب، فهو ينبي على أنه مالك ولا يعلّق المعاملة على موت الأب حتى يقال يوجد في ذلك تعليق، بل هو يقصد أنه مالك والمعاملة عن نفسه بما هو مالك.

إن قلت: - إنَّ هذا قصد صوري ظاهري شكلي وليس قصداً واقعياً وإلا فالقصد الواقعي أنه يعلم أنَّ الأب ليس بميت فلابد أنه يجري المعاملة عن الوالد ولكنه قصد صوري ادّعائي شكلي، وحينئذٍ لا ينفع في تصحيح المعاملة.

قلت: - يكفي صحة المعاملة القصد الصوري ولا نحتاج إلى قصد واقعي وإلا يلزم الحكم ببطلان عقد الفضولي رأساً، لأنَّ عقد الفضولي دائماً مادام يعلم بأنه فضولي فقصده دائماً يصير قصداً صورياً لأنه يعلم بأنه فصولي وليس بمالك، فعلى ما قلته يلزم الحكم ببطلان عقد الفضولي رأساً، والمفروض أنَّ المعروف والمشهور البناء على صحته، فالقصد الصوري يكفي في انعقاد المعاملة غايته تحتاج إلى إجازة ولكن هذه قصية ثانية.

الوجه الثالث: - أن يقال: إنَّ هذا كالعابث باعتبار أنه يعلم بأنه ليس بمالك والمالك هو الغير فحينئذٍ لزم من ذلك بطلان المعاملة لأنه عابث وليس له قصد حقيقي حتى تصح المعاملة.

ويردّه: -

أولاً: - إنه يبيع عن المالك، ومادام يقصد البيع عن المالك فهو لس بعابث غايته المالك إما هو الأب أو هو فبالتالي هو يقصد البيع عن المالك فإذا كان يقصد البيع عن المالك فمسألة العبث لا تأتي، إنما كون عابثاً فلما لو كان يقصد البيع عن نفسه وهو يعلم أنه ملكك للأب أما لو فرض أن يقصد البيع عن المالك فلا إشكال.

ثانياً: - يمكن أن يقال إنه مادام يعلم بأنَّ الأب موجود ورغم ذلك هو ينشئ المعاملة عن نفسه فهذا معناه أنه بانٍ على التملّك، ومادام بانياً على التملّك فلا يلزم من ذلك العبثية كما هو الحال في بيع الفضولي الذي يبني على التملك، إنما تلزم العبثية فيما لو لم يبنِ على أنه مالك وإنما أجرى العقد عن نفسه من دون البناء على التملك مع وجود الأب، أما إذا بنى على أنه مالك فبعد بنائه على التملّك تكون المعاملة مقصودة حقيقةً ولا مشكلة فيها ولا يصدق عليها آنذاك عنوان العابث.

إذاً هذه الوجوه ليست بتامة، وبالتالي يمكن الحكم بصحة المعاملة، وهي ليست بأقل من الفضولي، وقد صححنا بيع الفضولي بالعمومات، فهذا أيضاً يمكن تصحيحه بالعمومات، فافترض أنه يعتقد أنه أجنبي وأنه لأبيه ولكنه بالتالي يصير فضولياً والفضولي يمكن تصحيح معاملته بالعمومات.

بقي شيء: - وهو أنه بعد اتضاح أنَّ البائع مالك هل يحتاج إلى أن يجير بيع نفسه أو لا يحتاج إلى ذلك؟

يمكن أن يقال: - لا يحتاج إلى إجازة، باعتبار أنه المالك واقعاً.

ولكن نقول: - المناسب هو الاجازة، لأنَّ شرط صحة المعاملة طيب النفس، وهذا البائع إنما طابت نفسه باعتقاد أنه أجنبي وليس بمالك، أما إذا اتضح أنه مالك فقد لا تطيب نفسه بذلك، فإذاً لابد أن تطيب نفسه، وهذا نظير ما إذا فرض أنه جاء ضيف إلى شخص وكان يوجد طعام وكان هذا الشخص يتصور أنَّ هذا الطعام من الأمور المبذولة بذلاً عاماً لكل من يريد الأكل فقدم للضيف من هذا العام ولكن الضيف كان يعلم بأن هذا الطعام ليس من المبذول العام وإنما هو من المبذول الخاص وهو راجع لهذا الشخص ولكنه كان غافلاً عنه فهل يجوز للضيف الأكل منه رغم علمه بأنه ملك للشخص أو لا؟ إنه لا يجوز ذلك، فصحيح أنه قدم له الطعام ولكنه لا يعلم بأنه المالك له، ولعله إذا عرف أنه هو المالك فقد لا تطيب نفسه، فعلى هذا الأساس طيب النفس معتبر.

ونظير هذا ما لو فرض أنَّ شخصاً وكلّني في طلاق زوجته وكانت المرأة خلف الستار وأنا قلت ( هذه المرأة التي خلف الستار طالق ) بتخيل أنها هي المرأة التي وكلّت بطلاقها فاتضح أني لم أوكّل في طلاقها وإنما كانت زوجتي فهنا لا يقع هذا الطلاق، لأنه لم تطب نفسي بطلاق زوجتي، فعلى هذا الأساس صدور العقد من المالك الذي يجوز صدور العقد منه لا يكفي وحده لصحة العقد إلا إذا انضم إليه طيب النفس فإن طيب النفس معتبر، وهنا هذا الابن لا يدري أنَّ هذا الشيء صار ملكاً له، إذ لعله إذا عرف أنه صار ملكاً له لا تطيب نفسه ببيعه، فلابد حينئذٍ من اجازته، فإذاً تصير الاجازة معتبرة.

لكن يوجد قولان: - أحدهما يرى أنه لا حاجة إلى الاجازة بل البيع يكون لازماً، والثاني يقول بالبطلان رأساً وسيأتي فيما بعد.

أما بالنسبة إلى القول بالصحة بنحو اللزوم: - فقد استدل له بوجهين: -

الوجه الأول: - المفروض أنَّ المالك هو الذي باشر العقد، فإنَّ الابن هو مالك وقد باشر العقد، فقد صدر العقد من أهله ووقع في محلّه، ومعه لا حاجة لأن يجيز.

وجوابه واضح من خلال ما بيّناه: - فصحيح أنَّ العقد صدر من المالك وقد صدر من أهله ولكنه لا يدري أنه مالك، وبالتالي قد لا تطيب نفسه، فلابد من طيب نفس.

الوجه الثاني: - أن يقال: هو حينما باشر العقد فإما أن يكون قاصداً نقل ملك نفسه أو لم يقصد ذلك، فإن كان قاصداً نقل ملك نفسه عند مباشرة العقد فالمناسب الصحة بنحو اللزوم من دون حاجة إلى إجازة، وإذا لم يقصد نقل ملك نفسه فالمناسب البطلان رأساً، أما أنه يوجد شق ثالث وهو الصحة مع الاجازة فلا معنى له، فالمناسب أنه مادام باشر العقد فهو قصد نقل ملك نفسه فيقع العقد صحيحاً لازماً.

وقد اتضح جوابه حيث نقول: - صحيح أنه حينما نقل هذا الشيء الذي كان ملكاً للأب فقد قصد نقل ملك نفسه ولكنه قصده من دون أن يعلم أنه ملك نفسه، يعني هو قصد واقعي لنقل ملك نفسه ولكن لا بعنوان أنه ملكه والتفات بكونه ملك نفسه، وحينئذٍ هذا لا ينفع في اثبات اللزوم، إنما النافع لإثبات اللزوم هو أن يقصد بهذا اللزوم أن أو يقصد بهذا النقل نقل ملك نفسه مع الالتفات إلى أنه ملك نفسه، أما أنه يقصد نقل ملك نفسه من دون أن يعلم بأنه ملك نفسه فهذا لا يكفي لإثبات اللزوم.

إذاً اتضح أنَّ هذا القول باطل.