1441/05/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

وفي مناقشة الروايتين نقول: - ونحن نلاحظ سند الروايتين، ثم نناقش أنه هل توجد معارضة كما قال صاحب الحدائق(قده) أو أنه يمكن الجمع بينهما بنحوٍ لا مشكلة فيه:-

أما من حيث السند:- فرواية زارة كان سندها:- ( وبإسناده عن الصفار عن يعقوب بن يزيد ) فقوله ( وبأسناده ) يعني الشيخ الطوسي وطريق الشيخ إلى الصفار معتبر، ومحمد بن الحسن الصفار من أجل اصحابنا كذلك يعقوب بن يزيد من أجلة أصحابنا ( عن صفوان بن يحيى ) وهو من أجلة أصحابنا، ( عن سليم الطربال أو عمّن رواه عن سليم عن حريز عن زرارة )، وحريز وزارة لا مشكلة فيهما، وإنما المشكلة في ( سليم الطربال أو عمّن رواه عن سليم )، فتوجد مشكلتان في هذا السند، المشكلة الأولى بالنسبة إلى سليم الطربال، فإنه لم يذكر بتوثيق، نعم عندنا سليم الفرّاء وقد وثقه النجاشي، فإن جزمنا أو حصل لدينا اطمئنانا بأنَّ سليم الطربال هو الفرّاء فبها، وإلا فالأمر صعب، وحيث إنه لا مؤشرات واضحة على ذلك وإنما هو مجرد احتمال - لأنهما اشتركا في الاسم وهو ( سليم ) - فلا ينفع، لأن النافع لنا في هذه الموارد هو أن نطمئن بالوحدة، فعلى هذا لا يوجد توثيق في حق هذا الرجل.

وهناك طريق آخر لإثبات وثاقة سليم الطربال، وهو رواية صفوان عنه، بناءً على وثاقة كل من روى عنه الثلاثة - ولكن هذا لا نيفع لما يأتي - فإن بنينا على أنَّ من روى عنه أحد الثلاثة يثبت أنه ثقة فسوف تثبت وثاقة سليم، لأنَّ صفوان روى عن سليم الطربال بطريقٍ معتبر فتثبت وثاقته.

فإذاً الطريق لإثبات وثاقة سليم الطربال أحد أمرين، فإن أن تطمئن بأنَّ سليم الطربال هو سليم الفراء الذي وثقه النجاشي ولا موجب لهذا الاطمئنان، أو أن نقول إن صفوان بن يحيى روى عن سليم الطربال وهذا أحد طرق الوثاقة، وحيث لا جارح حتى يعارَض برواية صفوان - فإنَّ الرجل مجهول لا يوجد توثيق في حقه ولا يوجد جرح - فعلى على الأساس رواية صفوان عنه تكفي لإثبات وثاقته.

والمشكلة الثانية هي أنه قال في السند ( أو عمَّن رواه عن سليم )، يعني يوجد احتمال أنَّ هناك واسطة هي التي روت عن سليم الطربال، يعني الراوي عن سليم الطربال ليس هو صفوان وإنما توجد واسطة، فعلى هذا الأساس حيث إنَّ تلك الواسطة محتملة ولا نعرفها فيحصل ارسال، والتوثيق الذي حصلنا عليه بالبيان السابق - وهو راية صفوان عنه يزول - لاحتمال وجود الواسطة بين صفوان وبين سليم الطربال، ولذلك رواية أحد المشايخ الثلاثة عن شخص تثبت وثاقته سوف لا تنفعنا هنا لاحتمال وجود الواسطة.

ولعل قائل يقول: - إنَّ ( أو عمّن رواه ) هذا احتمال لوجود واسطة والأصل عدم وجود الواسطة.

قلنا: - إنه لا يوجد مثل هذا الأصل العقلائي.

فإذاً هذه الرواية محل إشكال من حيث السند من ناحيتين.

بيد أنه توجد رواية خرى لزرارة لعلها نفس هذه الرواية، وقد رواها الشيخ الكليني بهذا السند:- ( عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله الفرّاء عن حريز عن زرارة:- قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء الرجل فيقيم البينة على أنها جاريته لم تبع ولم توهب، فقال:- تردّ إليه جاريته ويعوّضه بما انتفع ، قال:- كأن معناه قيمة الولد )[1] ، ولعل هذه الرواية عين السابقة أو غيرها ولكن هذا لا يؤثرن وسندها ليس فيه سليم الطربال ولا عبارة ( عمّا رواه ) فهل تحل لنا المشكلة؟

والجواب: - إنَّ رجال السند لا مشكلة فيهم إلا من ناحية أبي عبد الله الفرّاء، فهل هو سليم أو لا؟ يحتمل أنه سليم، فإنه لم يذكر في كتب الرجال كنية سليم الفرّاء، فهذا مجرد احتمال، وهو لا ينفع، نعم هناك طريق آخر وهو توثيق نفس أبي عبد الله الفرّاء من جهة أخرى، وذلك بأن يقال:- إنَّ الصدوق(قده) ذكر طريقاً له إلى أبي عبد الله الفرّاء ينتهي بابن أبي عمير، فإن بنينا على أنَّ من ورى عنه أحد المشايخ الثلاثة فهو ثقة فلا مشكلة، قال الشيخ الصدوق(قده) في مشيخة الفقيه:- ( وما كان فيه عن أبي عبد الله الفرّاء فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن أبي عبد الله الفرّاء )[2] ، كل رجال السند لا مشكلة فيهم، وابن أبي عمير روى عن أبي عبد الله الفرّاء، فلو نبيت على كفاية رواية أحد الثلاثة عن شخص في اثبات وثاقته سوف تثبت وثاقة أبي عبد الله الفرّاء، ومن لا يبني على ذلك يبقى السند ضعيفاً عنده.

وأما بالنسبة إلى الرواية الثانية: - وهي رواية رزيق [ زريق ] فنسدها:- ( محمد بن الحسن في المجالس والأخبار بإسناده الآتي عن رزيق [ زريق ] ) وقد قلنا إن مقصوده من ( بإسناده الآتي ) يعني مقصوده في آخر الوسائل، وإذا رجعنا إلى آخر الوسائل وجدناه يقول:- ( أخبرني الحسين بن عبيد الله عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن أبي العباس زريق[ رزيق ] بن الزبير الخلقاني )[3] ، ورجال السند لعله يمكن توثيقهم، إلا أنَّ المشكلة تبقى بالنسبة إلى نفس زريق[ رزيق ] فإنه يذكر بتوثيق، وعليه تون هذه الرواية ليست معتبرة من حيث السند أيضاً.

فلكتا الروايتين هما من حيث السند ليستا تامتين، فلا تصلحان لمعارضة صحيحة جميل.

إن قلت: - إنَّ الشيخ البحراني(قده) حينما قال إنهما معارضتان لصحيحة جميل، فهل هو لم يحقق في السند ولم يلتفت إلى ضعفه؟!

قلت: - إنَّ الشيخ البحراني(قده) ذو مسلك اخباري، وبالتالي لا يعير أهمية للسند، يعني أنَّ جميع أخبار الكتب الأربعة عنده معتبرة، نعم هو ملتزم بالمصطلحات فيذكر أنها صحيحة أو موثقة أو حسنة ولكن عملاً هو يعمل بجميع الروايات ولا يردّ روايةً منها، فهذا الاشكال مرتفع عنه.

وأما من حيث أنه على تقدير تمامية السند هل توجد معارضة أو لا؟يمكن أن نجيب بجوابين: -

الأول: - إنَّ الروايتين الأخيرتين اللتين لم تذكرا رجوع المشتري على البائع لعله لم تكونا في مقام البيان من هذه الناحية، وإنما كانتا من باب البيان من ناحية أنَّ المشتري ماذا يخسر للمالك، أما أنَّ المشتري بِمَ يرجع على البائع فهما ليستا في هذا الصدد.

الثاني:- لو تنزلنا وقلنا إنهما في مقام البيان حتى من هذه الناحية فيمكن أن يجاب بأننا نطبق فكرة الأظهر والظاهر حين اجتماع أظهرٍ وظاهر، فصحيحة جميل تصرّح بأنه يرجع المشتري على البائع بما بذله للمالك كقيمة الولد أو غير ذلك، فإذا سكتت هاتان الروايتان فأقصى ما يتولد فيهما الظهور في عدم الرجوع، وحيث إنَّ صحيحة جميل صرّحت بذلك فالمصّرح يصير أقوى من الساكت، فيقدّم الأظهر، وذلك مثل الاطلاق والتقييد، فإننا نقدّم التقييد على الاطلاق ولا نقول إنَّ بينهما معارضة، كذلك الحال هنا، فعلى هذا الأساس يقدّم ما صرّح بالرجوع.

والنتيجة النهائية من كل ما ذكرنا: - إنَّ المشتري يرجع على البائع بما بذله للمالك زائداً على مقدار الثمن لقاعدة التغرير - في الجملة - ولصحيحة جميل، ولا تعارضها روايتي زريق وزرارة.


[1] الكافي، الكليني، ج5، ص216. وسائل الشيعة، العاملي، .
[2] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، المشيخة، ص442.
[3] وسائل الشيعة، العاملين ج30، ص114.