26-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:-  المبيت بمنى، مسألة ( 426 ).
الفرع السادس:- لو فرض أن المكلف بات في منى الشطر الأوّل من الليل وخرج منها في الشطر الثاني كأن ذهب إلى شقّة السكن أو إلى المسجد الحرام أو غير ذلك - والمهم أنه بات الشطر الأوّل من الليل في منى –، والسؤال:- هل يلزمه أن يرجع إلى منى قبل الزوال أو يحقّ له أن يرجع بعد الزوال؟
إن الجواب قد اتضح من خلال ما سبق:- فإنه لا يلزمه أن يرجع قبل الزوال، والوجه في ذلك:- هو أن النفر قبل الزوال لا يجوز والمفروض أن هذا المكلف حينما خرج فهو قد خرج في الليل بعد الشطر الأوّل وكان قاصداً أن يرجع فهو لا يصدق عليه عنوان النفر، وحينئذٍ لماذا يلزمه أن يرجع قبل الزوال مادام لا يصدق على وجوده خارج منى عنوان النفر قبل الزوال ؟!! بل من حقّه أن يرجع بعد الزوال ولا محذور في ذلك.
وأريد أن ألفت النظر إلى شيءٍ فنّي:- وهو أن قائلاً قد يقول:- لو رجعنا إلى الروايات نجد أنّها عبرت بكلمة ( النفر ) ولكن لا يحصل لنا جزمٌ بـأنّ المقصود من النفر هو الخروج بقصد الترك الكلّي بل نحتمل أن المقصود هو أصل الخروج أمّا قيد أن يكون بقصد الترك الكلّي فهذا ليس بثابتٍ خصوصاً وأنَّ بعض الروايات عبّرت إلى جنب النفر بالخروج، فالتعبير بالنفر كما وقع في الروايات وقع التعبير بالخروج أيضاً في رواية واحدة فهي عبّرت الخروج إلى جنب النفر، وبالتالي يحتمل أن يكون هذا التعبير قرينةً على كون المقصود من النفر هو مطلق الخروج . ربما يختلج في الذهن هذا الإشكال فكيف الجواب ؟
والجواب:- نحن لا نحتاج إلى جزمٍ بكون المقصود من النفر هو المعنى الذي أشرنا إليه - أعني الخروج بقصد الترك الكلّي - بل يكفينا في الوصول إلى النتيجة التي أردناها الشكّ والاجمال، يعني حتى لو عادت كلمة النفر مجملة لا يدرى أن المقصود منها هو مطلق الخروج أو حصّةٍ خاصّةٍ - أعني الخروج بقصد الترك الكلّي - فيكفينا هذا المقدار في الوصول إلى النتيجة التي أردناها ؛ إذ بالتالي إذا كان الخروج بقصد الترك الكليّ فهو محرّم جزماً لأنه يصدق عليه النفر على كِلا التفسيرين والاحتمالين إذا كان قبل الزوال، وإذا كان الخروج لا بقصد الترك الكلّي فنشكّ في أصل حرمته إذ أن حرمته هي التي تحتاج إلى إثباتٍ ومقتضى أصل البراءة عدم الحرمة.
إذن انتهينا إلى نفس النتيجة بلا حاجة إلى إتعاب النفس، وهذا استدراكٌ ينبغي الالتفات إليه وينبغي ضمّه إلى بداية بحثنا.

مسألة( 426 ):- إذا تهيأ للخروج وتحرك من مكانه ولم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام ونحوه فإن أمكنه المبيت وجب ذلك، وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيّاً جاز له الخروج وعليه دم شاةٍ على الأحوط.
............................................................................................................................
تتضمن المسألة المذكورة فرعين:-
الفرع الأوّل:- لو فرض أن المكلف يمكنه الخروج من منى ولكن لشدة الزحام بقي في منى إلى أن غربت الشمس فهل يلزمه البقاء أو لا ؟ والجواب:- نعم يلزمه البقاء فيما إذا لم يكن البقاء حرجيّاً عليه.
الفرع الثاني:- إذا كان البقاء حرجيّاً عليه وجاز له الخروج هل تجب عليه شاة أو لا ؟
والجواب:- نعم الأحوط وجوباً ذلك.
أمّا بالنسبة إلى الفرع الأوّل:- فهو حكمٌ على طبق القاعدة - أي إطلاق النص - بلا حاجة إلى نصٍّ خاص ؛ إذ بالتالي أدركه المساء وهو في منى فيصدق هذا عليه فيجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر هذا إذا لم يكن حرجياً، وأمّا إذا كان حرجيّاً فلأجل قاعدة نفي الحرج المستندة إلى قوله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) لا يلزمه البقاء.
بيد أن العلّامة في التذكرة فصّل وقال:- تارةً يفترض أن الشخص جمع وسائله وهيأها ووضعها على الراحلة وهو في أثناء الخروج من منى أدركه المساء، وأخرى يفترض أنه ليس في طريق الخروج وإنما بَعدُ يهيئ وسائله وفي الأثناء حصل المساء فهو لم يكن في حالة الخروج وأدركه المساء، ففي الحالة الأولى قال لا يجب عليه البقاء لمشقّة الحطّ والرفع، وأما إذا فرض أنه ليس في طريق الخروج بل كان مشغولاً في تهيئة وسائله فهذا يلزمه البقاء، ونصّ عبارته:- ( ولو رحل من منى فغربت الشمس وهو راحلٌ قبل انفصاله منها فالأقرب عدم وجوب المبيت لمشقّة الرفع والحطّ . ولو كان مشغولاً بالتأهب فغربت الشمس فالأقرب لزوم المقام )[1].
والإشكال عليه واضحٌ من جهتين:-
الأولى:- إن التفرقة بين الحالتين للتعليل المذكور مرفوضة إذ لعله كان مشغولاً بتهيئة أسبابه - نصفها مثلاً - فهنا أيضاً لزوم مشقّة الرفع والحطّ بلحاظ هذا النصف موجودة، بل لعلّ مشقّة هذا أكثر من مشقّة ذاك إذ لعلّ ذاك الذي وضعها على الراحلة كانت قليلة فلا توجد مشقّة للرفع والحطّ بينما هذا توجد مشقّة في حقّة.
إذن لو أردنا أن نتساير مع هذه النكتة التي ذكرها فينبغي عدم التفرقة بين الموردين، أو لا أقل - وهذا أجدر - جعل المدار عليها، يعني نقول إنّه متى ما كان عليه مشقّة في الرافع والحطّ فيجوز له أن لا يبيت في منى ومتى ما لم تكن عليه مشقّة فيلزمه المبيت من دون تفرقة بين أنّه وضعها على الراحلة وهو في أثناء الخروج أم لم يكن في أثناء الخروج أو لم يضعها بالكامل، فالمدار نجعله على هذه النكتة لا أن نجعل المدار على ما أفاده(قده).
والثانية:- إن هذه النكتة التي ذكرها لا تصلح تعليلاً - أي مشقّة الرفع والحطّ - فإن هذا شيءٌ جديدٌ نسمعه في الفقه وهو أقرب إلى فقه غيرنا، ولعله لشدّة مراجعته لفقه الغير سبّب هذا المعنى، فإنّ المناسب هو جعل المدار على الحرج، فبالتالي يلزم أن يعلّل بمسألة الحرج وهل يلزم الحرج في ذلك أو لا ؟ فربما تكون هناك مشقّة ولكن لا تصل إلى درجة  الحرج، فهذا يلزم ملاحظته، وبالتالي يلزم أيضاً أن نفصّل بين الأشخاص ونقول من لزم في حقّه الحرج يجوز له الخروج ومن لا يلزم في حقّه الحرج فيبيت، ولعله(قده) يقصد ذلك، ولكن بالتالي ينبغي أن يُصاغ المطلب هكذا:- ( إذا فرض أنه يلزم الحرج عليه فلا يلزمه المبيت سواء فرض أنّه في طريق الخروج أم لم يكن في طريق الخروج وإذا لم يلزم عليه الحرج فيلزمه المبيت ) من دون تفرقةٍ بين الحالتين.
وأما الفرع الثاني:- أعني الكفارة فيما إذا فرض أنه كان المبيت حرجيّاً عليه فإنه إذا لم يكن حرجيّاً فيلزمه المبيت كما قلنا وإنما إذا كان حرجيّاً فالمبيت ليس بلازم، فيأتي السؤال:- هل تلزمه الشاة أو لا ؟
والجواب:- قد يقال نعم يلزمه الشاة، باعتبار إطلاق النصّ فإن النصّ قد دلّ على أنه من لم يبت في منى يلزمه ذلك ولم يفصّل بين ما إذا كان هناك حرجٌ أو لم يكن حرج، وإلى هذا ذهب صاحب الجواهر(قده) فإنه قال ما نصّه:- ( ثم إن إطلاق النصّ والفتوى يقتضي ما صرّح به بعضهم من عدم الفرق في ذلك بين الجاهل والناسي والمضطر وغيرهم على إشكالٍ في الأخير )[2]، إنه(قده) نسب إلى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين المضطرّ وغيره.
ولكن يمكن أن يقال:- لا تجب الكفارة على المعذور وعلى صاحب الحرج لوجهين:-
الأوّل:- القصور في المقتضي، بمعنى أن ما دلّ على وجوب الشاة لا يشمل مثل هذا الذي هو معذور.
ونذكر مثالاً أو مثالين لمثال كفارة الشاة، من قبيل صحيحة عليّ بن جعفر عن اخية موسى عليه السلام:- ( عن رجل بات ليالي مكة في منى حتى أصبح، قال:- إن كان أتاها نهاراً فبات بها حتى أصبح فعليه دمٌ يهريقه )[3]، وعلى منوالها صحيحة صفوان قال:- ( قال أبو الحسن عليه السلام:- سألني بعضهم عن رجلٍ بات ليالي منى بمكة ..... فقال عليه السلام:- عليه دم ... )[4]، إنّه يمكن أن يقال بأن المنصرف من هاتين الروايتين هو من لم يكن معذوراً فإنه لو كان معذوراً لكان من المناسب للسائل أن يسلّط الأضواء ويقول هو معذور من المبيت ولا يمكنه المبيت، إنّ عدم تسليط الأضواء على ذلك من قبل السائل يمكن أن يفهم منه أن نظره متوجّه إلى حالة عدم العذر، فالروايات منصرفة عن حالة وجود العذر.
والثاني:- وجود المانع، باعتبار أنه حتى لو سلّمنا وجود الاطلاق فيها يبقى عندنا حديث رفع الاضطرار الذي يقول:- ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) وهذا مضطرٌّ إلى عدم المبيت لفرض أنه حرجّي في حقّه فيكون مرفوعاً، والمرفوع حينئذٍ ليس خصوص العقوبة بل ما يترتّب عليه الذي هو نحوٌ من العقوبة - أعني دم الشاة -.
وعلى هذا الأساس يمكن إن يقال:- لا تجب الشاة للقصور في المقتضي ولوجود المانع . ولكن الاحتياط ولو لأجل النكتة  التي أفادها صاحب الجواهر(قد) - لإطلاق الفتوى - شيءٌ حسنٌ، ولعلّه لأجل ذلك ذهب السيد الماتن(قده) إلى الاحتياط.
وكان من المناسب حذف هذه المسألة من المناسك فإنها مسألة لا تتحقّق في أزمنتنا الأخيرة عادةً.