32/11/13


تحمیل

 وهذان الوجهان يمكن استفادتهما من عبارة صاحب الجواهر حيث قال ( ثم إن الظاهر عدم الاحتياج إلى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطواف المعتبر فيه ضرورة بطلان الإحرام الذي هو جزء من النسك ببطلانه مضافاً إلى خلو أخبار البيان عنه )[1] إن ظاهر قوله ( ضرورة بطلان ... ) إشارة إلى الوجه الاول ، وقوله ( مضافا إلى خلو .. ) إشارة إلى الوجه الثاني.

 وأما صاحب المدارك(قده)[2] فقد أشار إلى الوجه الثاني فقط دون الاول ، بينما السيد الخوئي(قده)[3] أشار إلى الوجه الاول دون الثاني عكس صاحب المدارك.

 والمناسب كما ذكرنا التمسك بكلا الوجهين.

 ومن ذلك يتضح الوجه في بطلان الاحتمالين الآخرين - أعني توقف الإحلال على الإتيان بأعمال عمرة التمتع في السنة الثانية والتوقف على أفعال العمرة المفردة - فإن هذين الاحتمالين لا وجه للمصير إليهما بعد الوجهين الذين ذكرناهما لإثبات الاحتمال الاول.

 ومنه أيضاً يتضح الإرباك في عبارة صاحب الجواهر(قده) فانا قد قرأنا له عبارتين عبارة سابقة قال فيها ( فحينئذ يتجه توقف التحليل على فعل الفائت ولو في السنة الآتية.... ) وهذه ظاهرها الميل إلى الاحتمال الثاني ، وقرانا عبارته الثانية حيث قال ( ثم إن الظاهر عدم الاحتياج إلى المحلل....) وهذا ظاهره المصير إلى الاحتمال الاول ، إن هذا إرباك واضح إلا أن يقصد(قده) حينما ذكر كلامه الاول أن المناسب هو الاحتمال الثاني لو قطعنا النظر عن الوجهين ، فان المناسب بمقتضى استصحاب بقاء الإحرام هو توقف التحلل على إكمال عمرة التمتع في السنة الثانية أما بعد أن نلتفت إلى الوجهين فالنتيجة سوف تكون شيئاً آخر ، فان كان يقصد هذا فيرتفع آنذاك الإرباك كما هو واضح.

النقطة الخامسة:- الأحوط الأولى أن يعدل المكلف إلى حج الإفراد ويتحلل بإكماله ولكن عليه على كلا التقديرين - أي سواء عدل إلى حج الإفراد أم لم يعدل - أن يحج في العام المقبل لأنه لم يؤد الحج الواجب عليه في ذمته.

أما ما أفاده(قده) في الشق الاول:- فهو شيء حسن ومقبول لأنا ذكرنا أن الصناعة تقتضي الإحلال القهري وانكشاف بطلان الإحرام فلا يحتاج إلى نقلة إلى حج الإفراد ، ولكن هذه النقلة شي حسن وهو مقتضى الاحتياط ولكن لا نلزم به بل هو على مستوى الاحتياط الاستحبابي والأولوية لا أكثر.

أما ما أفاده في الحكم الثاني:- فباعتبار أنه إذا كان مستطيعاً ووجب عليه حج التمتع فعليه أن يفرغ ذمته ولا يكون ذلك إلا بالحج في السنة الثانية ، وأما حج الإفراد على تقدير انتقاله إليه فهو ليس الحج الواجب حتى يجزي في مقام تفريغ الذمة كما هو واضح.

 ثم أفاد (قده) ما نصه:- ويعتبر في الطواف أمور:-

الاول:- النية ، فيبطل الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة.

 تعرض (قده) في هذا المتن إلى شرائط الطواف ، وهناك قضيتان فنيتان:-

الأولى:- انه ذكر في هذا المتن مجموعة أمور تحت عنوان ( شرائط الطواف ) وسوف يأتي إنشاء الله تعالى عنوان آخر باسم ( واجبات الطواف ) من قبيل أن يبتدئ بالحجر الأسود وأن يختم به ، وأن يطوف على اليسار ...... وغير ذلك ، ولا ندري ما الحاجة إلى ذكر هذين العنوانين فان واجبات الطواف ليست هي إلا عبارة عن شرائطه فذكر البعض تحت عنوان شرائط والآخر تحت عنوان واجبات قضية ليست فنية فالتفت إليها.

والقضية الثانية :- انه سوف يذكر فيما بعد إنشاء الله تعالى ضمن مسائل بعض شرائط الطواف ، وهي في واقعها شرائط للطواف ولكن لم يذكرها تحت عنوان الشرائط ولا تحت عنوان الواجبات وإنما ذكرها ضمن مسائل فضيعنا بذلك على المكلف بعض الشرائط وسوف يحصل له تشويش.

 من قبيل:- أن من حصل له الشك أثناء الطواف بطل طوافه ، فانه ذلك في مسالة مستقلة والحال أنه شرط حيث يقال إن من شرائط الطواف عدم طرو الشك.

 ومن قبيل الموالاة بين الأشواط ، ومن قبيل أن القران بين الطوافين من دون فصل بالصلاة مبطل لهما ، ومن قبيل عدم طرو الزيادة ، ومن قبيل عدم الخروج عن المطاف ....... وهكذا .

 وعلى أي حال إن عد عنوانين الاول باسم الشرائط والآخر باسم الواجبات لا وجه له ، كما أن ذكر بعض الشرائط ضمن مسائل من دون إدخالها في الواجبات أو الشرائط أمر غير فني أيضاً.

 وبعد اتضاح هاتين القضيتين الفنيتين نعود إلى صلب الموضوع حيث ذكر (قده) أن الشرط الاول هو النية فيبطل الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة.

ونحن في هذا المجال نقول:- إن الاحتمالات في المقصود من النية ثلاثة:-

الاحتمال الاول:- أن يراد منها قصد العنوان - أي عنوان الطواف - فيلزم المكلف أن يقصد عنوان الطواف فانه من العناوين القصدية كما يقال بذلك في باب الوضوء ، فالمكلف يلزمه أن يقصد عنوان الوضوء فلو لم يقصده لم يتحقق منه الوضوء.

 وإذا كان هذا هو المقصود فهو باطل ومرفوض في باب الوضوء وفي باب الطواف ، فان الواجب على المكلف في باب الوضوء ليس إلا واقع الوضوء دون عنوانه ، فلو فرض أن شخصاً دخل الإسلام جديداً وأتى قبل الصلاة بغسل الوجه واليدين ثم المسح كان ذلك مجزياً بلا حاجة إلى أن يقصد عنوان الوضوء بل إن الآية الكريمة قالت ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ...... ) ولم تقل ( عليكم بالوضوء ) . إذن لو أتى المكلف بواقع الوضوء كان ذلك كافياً ولا حاجة إلى أن يقصد عنوانه.

 وهكذا الحال بالنسبة إلى الطواف فان اللازم هو الطواف حول الكعبة سبع مرات بقصد القربة وامتثال الأمر الإلهي وأما قصد الطواف فلا دليل على اعتباره.

 وعليه فالنية اللازمة لا يمكن أن نفسرها بقصد العنوان لعدم الدليل على لزوم قصده.

والاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود هو أن يكون التحرك حول الكعبة عن قصد واحتيار في مقابل التحرك من دون اختيار كأن يرفع من الأرض أو يدفع دفعاً شديداً يسلبه الاختيار في المشي ، فحينما يقال إن النية لازمة والقصد لازم فهو بهذا المعنى أي بمعنى الاختيار في المشي.

 وقد يوجه ذلك - أي اعتبار القصد والاختيار في الحركة - بما ذكره(قده)[4] من أن المطلوب في كل تكليف بما في ذلك التكاليف التوصلية وليس خصوص العبادية هو الحصة الاختيارية ، فان التكليف لا يتعلق إلا بما هو اختياري للمكلف أما الحصة غير الاختيارية فلا يمكن تعلق التكليف بها لخروجها عن الاختيار.

 وهذا مطلب سيَّال نقوله حتى في الواجبات التوصلية . اللهم إلا إذا علمنا من الخارج أن المقصود هو النتيجة فيكتفى آنذاك بالحصة غير الاختيارية أيضاً كما في غسل الثوب لأجل الصلاة ، فلو فرض أن الريح أطارت الثوب وأدخلته في الماء وكانت الريح شديدة فانغسل وخرج مثلاً كفى ذلك فان المطلوب هو النتيجة ، وهكذا لو أوجب المولى كنس المسجد مثلاً فلو فرض أن شخصاً كنسه وهو في حالة النوم كفى ذلك فان المطلوب هو النظافة وقد تحققت.

 إذن ما كان من هذا القبيل يكفي فيه ما يحصل ولو من دون قصد واختيار ، أما ما لم يكن كذلك فيلزم فيه القصد والاختيار لأن التكليف كما قلنا لا يتعلق إلا بما هو اختياري للمكلف وبالحصة الاختيارية ، ونفس الكلام نقوله في مقامنا فان المطلوب هو الطواف فلابد وأن يكون هو الطواف الاختياري دون ما يحصل من دون اختيار فمثله لا يكون متعلقاً للتكليف وبالتالي لا يكون مجزياً.

[1] الجواهر 19 373.

[2] المدارك 8 175.

[3] المعتمد 4 290.

[4] المعتمد 4 291.