32/11/23


تحمیل

الوجه الثاني:- التمسك بروايات طرو الحيض فانه قد جاء فيها التفصيل بين ما إذا كان الطرو قبل النصف فيبطل وبين ما إذا كان بعده فيتم وحيث أنه لا فرق بين الموردين - أي بين الحيض وبين انتقاض الطهارة أثناء الطواف بسبب خروج الريح مثلاً - فنفس التفصيل السابق يأتي هنا والنتيجة هي البطلان ما دام الطرو قبل إكمال النصف.

 وربما يظهر من صاحب الجواهر التمسك الروايات المذكورة حيث قال ( بل عن الخلاف الإجماع على الاستئناف قبل تجاوز النصف لما عرفته سابقاً ، مضافاً إلى قول أحدهما عليه السلام في مرسل بن أبي عمير ............. ونحو قول الرضا عليه السلام لأحمد بن عمر الحلّال إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت..... )[1] فانه (قده) تمسك بروايات الحيض لإثبات البطلان في مقامنا.

وفيه:- إنا لو غضضنا النظر عن ضعف سند الروايات المذكورة وقد تقدم منّا مناقشة ذلك حيث ذكرنا أن رواية أبي بصير ضعيفة بسلمة بن الخطاب ورواية أحمد بن عمر الحلّال ضعيفة بالإرسال فيمكن أن يقال إنها متعارضة فيما بينها إذ بعض روايات مسألة طرو الحيض قد دلت على لزوم إتمام الطواف وعدم بطلانه حتى لو طرأ الحيض قبل أكما ل النصف من قبيل صحيحة محمد بن مسلم ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دماً قال:- تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى ) إنها واضحة في كون الطرو قبل إكمال النصف ورغم ذلك حكم عليه السلام بكفاية إتمام الطواف وعدم بطلانه.

 مضافاً إلى أن موردها هو طرو الحدث الأكبر بينما المهم في محل كلامنا هو انتقاض الطهارة بسبب طرو الحدث الأصغر فمورد تلك الروايات هو الحدث الأكبر والتعدي منه لإثبات الانتقاض في الحدث الأصغر لا وجه له .

 نعم لو كان مورد الرواية هو العكس فبالأولوية يثبت البطلان عند طرو الحدث الأكبر ولكن المفروض هو أن روايات الحيض دلت على البطلان عند طرو الحدث الأكبر فالتعدي إلى الحدث الأصغر لا وجه له.

الوجه الثالث:- التمسك بما ورد في من غشي جاريته أثناء طواف النساء فانه عليه السلام قد حكم بلزوم الإعادة إذا كان ذلك قبل إكمال الخمسة أو بتعبير آخر عند الإتيان بثلاثة أشواط حيث قال عليه السلام ( وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه وعليه بدنه ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعاً ).

وفيه:- ان غاية ما تدل عليه هو البطلان عند الطواف ثلاثاً من دون زيادة ، أما من طاف ثلاثة ونصفاً فهي ساكتة عنه فلا يمكن التمسك بها لتمام المدعى فان غاية ما تدل عليه هو البطلان إذا طاف ثلاثاً أما إذا طاف أكثر من ذلك كما لو طاف ثلاثة وثلث الشوط فيشكل استفادة البطلان منها ونحن نريد أن نثبت البطلان فيمن طاف أقل من النصف وهذه لا تدل عليه.

 هذا مضافاً إلى أن موردها هو الطرو بسبب الاختيار - أي تعمد نقض الطهارة - وهذا لا يكمن أن نستفيد منه البطلان فيما لو طرأ الحدث من دون اختيار ، على أنه حدث أكبر فلا يثبت أن الحدث الأصغر كذلك.

 وعليه فجميع هذه الوجوه الثلاثة يشكل التمسك بها لإثبات البطلان فيمن انتقضت طهارته قبل إكمال النصف.

ولعل الأجدر التمسك بالبيان التالي:- والذي هو طريقة جديدة لعلها لا توجد في كلمات المتقدمين وذلك بأن يقال:- ان المسألة ابتلائية فانه كثيراً ما تنتقض الطهارة أثناء الطواف خصوصاً في كبار السن وإذا كانت المسألة ابتلائية فحكمها الشرعي لابد وان يكون واضحاً وليس خفياً إذ ذلك خلف افتراض كونها عامة البلوى فإذا تمت هاتان المقدمتان نقول المنعكس على الفقهاء هو الاتفاق على البطلان ما دام الطرو قبل إكمال النصف وما دام المنعكس هو هذا فلا يحتمل حينئذ أن الموقف الشرعي خلاف ذلك - يعني الصحة - فانه بعيد جداً فيحصل بذلك الاطمئنان بكون الموقف الشرعي هو البطلان كما عليه الفقهاء .

 وربما تعمم هذه الطريقة ويستفاد منها فيما إذا فرض انه لا اتفاق بين الفقهاء على البطلان وإنما كان هو الرأي المشهور فالشهرة تكفي لحصول الاطمئنان بكون الموقف الشرعي هو البطلان.

 ونحن ذكرنا هذا من باب القضية الفنية - أي كفاية الشهرة - إذ في مقامنا نقل الاتفاق ولم ينقل خلاف في المسالة - البطلان فيحصل بذلك الاطمئنان بكون البطلان هو الموقف الشرعي .

ومدرك هذه الطريقة وروحها:- هو التمسك بالاطمئنان ، يعني من خلال هذه المقدمات يراد الوصول إلى تحصيل الاطمئنان بكون الموقف الشرعي هو هذا - أي البطلان فالحجية بهذه الطريقة تعود إلى الاطمئنان ، نعم من لم يحصل له الاطمئنان من هذه المقدمات التي اشرنا إليها فتكون هذه الطريقة باطلة بنظره.

ان قلت:- هذا شيء وجيه إذا فرض أنه لم يحتمل وجود مدرك في المسالة أو لا أقل إذا كان هناك مدرك فهو واحد من قبيل رواية بن أبي عمير عن بعض أصحابنا فانه لو لم يكن هناك مدرك رأساً فذلك يعني أن هناك اتفاق تعبدي على الحكم الشرعي وقد وصل هذا الاتفاق من الإمام عليه السلام يداً بيد.

 وهكذا لو فرض وجود مدرك وكان منحصراً بواحد - أعني بمثل رواية بن أبي عمير عن بعض أصحابنا - فانه في مثل ذلك تثبت الحجية أيضاً إذا يقال ان هذا الاتفاق بين الفقهاء أما أن لا يكون مدركياً فهذا يعني انه تعبدي - أي وصل يداً بيد من الإمام - فيكون حجة ، أو أنه يكون مدركي وحيث أن المدرك واحد والجميع قد استند إلى هذا المدرك الواحد فيحصل الاطمئنان بحقانية مضمون هذا الاتفاق إذ من البعيد اشتباه المجموع حينما استندوا إلى هذا المدرك الواحد.

 إذن هذه الطريقة تتم في هذين الاحتمالين ، أما إذا فرض احتمال تعدد المدرك فلا تتم ، ومقامنا من هذا القبيل فانه يحتمل وجود مدرك آخر غير رواية بن أبي عمير فلعل البعض استند إلى هذه الرواية في الحكم بالبطلان ولعل البعض الآخر استند إلى روايات طرو الحيض والبعض الثالث استند إلى روايات من غشي جاريته أثناء طواف النساء ، ومع احتمال تعدده فلا يحصل الاطمئنان بعدم اتفاقهم على الحقانية فإنما يحصل ذلك لو توحَّد مركز الاتفاق - يعني كان المدرك واحدا - إذ من البعيد اشتباه الجميع ، وفي المقام حيث يحتمل أن ثلثاً من الفقهاء اعتمدوا على هذا المدرك وثلثاً على ذاك وثلثاً على غيره فلا نستبعد اتفاقهم آنذاك على خلاف الحقانية.

قلت:- ما أفيد شيء جميل وقد كنا سابقاً نذهب إلى هذه المقالة - أعني إذا تعدد المدرك فلا يمكن أن نستفيد من الاتفاق المذكور شيئاً - والآن نقول ما دامت المسألة ابتلائية فهي تغنينا عن هذا التطويل إذا نقول ما دامت هي ابتلائية فالموقف الشرعي لابد وأن يكون واضحاً إذ ذلك لازم كونها ابتلائية ولا يحتمل أن يكون الموقف الشرعي هو الصحة في الوقت الذي اتفقوا فيه على البطلان انه شيء بعيد بلا حاجة إلى إدخال فكرة المدرك في الحساب وانه واحد أو متعدد وإنما نحتاج إلى ذلك فيما لو لم تكن المسالة ابتلائية .

 وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها وحاصلها :- إذا لم تكن المسالة ابتلائية فمن الاتفاق لا يمكن ان نستكشف الحكم الشرعي إلا إذا فرض عدم وجود مدرك رأساً أو كان المدرك واحداً ، وأما إذا كانت ابتلائية فلا يضر وجود المدرك الواحد بل ولا المتعدد إذا نفس كونها ابتلائية يستلزم وضوح الموقف الشرعي وحيث لا يحتمل أن يكون الموقف الشرعي على خلاف ما تفق عليه الفقهاء فيحصل الاطمئنان آنذاك بصحة ما اتفق عله الفقهاء.

 إذن من خلال هذا البيان وصلنا إلى نفس النتيجة التي بنى عليها المشهور.

[1] الجواهر 19 434.