33/03/20


تحمیل
 الموضوع :-

مسألة ( 303 ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم انه يوجد تساؤلان يرتبطان بما انتهينا إليه - أعني تساقط الروايتين والرجوع إلى الأصل اللفظي أو العملي والذي يكون نتيجة ذلك هو جواز الطواف خارج الحد المذكور - وهما:-
 التساؤل الأول:- يمكن في المقابل أن نبرز بيانا لتعُّين الطواف في الحدِّ المذكور وهو البيان الذي ذكرناه أكثر من مرة ، أعني ان المسألة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً ، ونتيجة تطبيق ذلك على مقامنا هو أن اللازم هو الطواف في الحدِّ المذكور باعتبار أن الفقهاء قد اشتهر بينهم لزوم ذلك فيتعين أن يكون الرأي المذكور هو الموقف الشرعي الذي انعكس من الأئمة عليهم السلام في هذه المسألة الابتلائية.
 إذن كيف نعالج هذا البيان وكيف نتخلص منه ؟
 وفي هذا المجال نقول:- صحيح أن المسألة الابتلائية يلزم أن يكون الموفق الشرعي إزاءها شيئاً واضحا ولكن بعد أن كان بأيدينا روايتان ترتبطان بهذه المسألة فيمكن أن يكون الموقف الشرعي الذي انعكس من الأئمة عليهم السلام هو ما تتضمنه هاتان الروايتان ولا يلزم أن نتوقع موقفاً شرعياً آخر يغاير هذا الموقف . إذن من المحتمل أنه صدر موقف شرعي من أهل البيت عليهم السلام وهو هاتان الروايتان ولكن الفقهاء بعد ذلك نتيجةً لاختلاف الروايتين في المضمون أعملوا أنظارهم الاجتهادية وانتهوا إلى تقديم الرواية الأولى - أعني رواية محمد بن مسلم - ويكون هذا شيئاً ناشئاً من أنظارهم الاجتهادية لا أنه الموقف الشرعي الصادر من الأئمة عليهم السلام بل الموقف الشرعي هو ما تمثله الروايتان - ويكفينا إبراز هذا الاحتمال ان لم نجزم به - وبالتالي لا يمكن تطبيق ذلك البيان المعارض وإنما يصح تطبيقه في حالتين:-
 الأولى:- أن يكون النص الشرعي مفقوداً بالمرَّة أو يكون موجوداً ولكنه ضعيف السند فيؤكد ويدعم بالبيان المذكور كما ذكرنا ذلك في تعيين كون الأشواط سبعة فان الروايات ان استفدنا منها ذلك فهو ان لم نستفد منها ذلك - إما لضعف الدلالة أو لضعف السند - فيكفينا ذلك البيان الداعم لمضمون هذه الروايات الضعيفة ، هذا مورد يمكن تطبيق البيان المذكور فيه.
 والثانية:- ما إذا فرض وجود رواية معاكسة من حيث المضمون لما عليه الفقهاء كما هو الحال في مسالة غسل الإحرام فان الروايات التي تبين كيفية الإحرام تذكر أنه يغتسل قُبيل الإحرام ، وربما يقال إنها تدل على وجوب ذلك فنستعين بالبيان المذكور لرد ذلك ونقول انه لابد من وجود موقف شرعي واضح بعد كون المسألة ابتلائية ولا يحتمل أن ذلك الموقف الا ما عليه الفقهاء وإلا فلو كانت الرواية هي الموقف الشرعي - والمفروض أنه لا معارض لها - فلماذا لم يأخذوا بها ؟! ان ذلك يوجب الاطمئنان للفقيه بأن الموقف الشرعي ليس هو وجوب الغسل وإلا لانعكس ذلك على الفقهاء.
 انه في هذين المجالين يمكن تطبيق ذلك البيان ، أما لو فرض وجود روايتين متعارضتين كما هو الحال في مقامنا فلا يمكن تطبيقه لما أشرنا إليه لاحتمال أن الروايتين هما تمثلان الموقف الشرعي والفقهاء بعد ذلك أعملوا أنظارهم الاجتهادية ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 التساؤل الثاني:- إذا فرضنا أن التعارض مستقر بين الروايتين فالنوبة لا تصل مباشرة إلى الأصل اللفظي ومن ثم العملي بل يوجد مرجحان قبل ذلك ان تم أحدهما فبها وإلا فآنذاك تصل النوبة إلى الأصل الفظي أو العملي وهما موافقة الكتاب ومخالفة القوم حسب ما دلت عليه روايات باب التعارض حسب ما يأتينا في باب التعارض.
 ونأتي إلى هذين المرجحين ونقول:-
 أما بالنسبة إلى الأول:- فمن المناسب بناء عليه هو ترجيح موثقة الحلبي فإنها الموافقة لإطلاق قوله تعالى ( وليطّوَّفوا بالبيت العتيق ) فان مقتضى الإطلاق كفاية الطواف كيفما اتفق وذلك موافق للموثقة بخلاف رواية محمد بن مسلم التي لا تجوِّز الطواف خارج الحدِّ المذكور فإنها مخالفة للإطلاق المذكور ، وهذا شيء وجيه بناءً على أن إطلاق الكتاب يصلح أن يكون مرجحاً خلافاً لما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) في بعض كلماته فان له رأياً في هذا المجال وحاصله ان موافقة إطلاق الكتاب لا تُعَدُّ مرجِّحاً باعتبار أن إطلاق الكتاب ليس مدلولاً للكتاب الكريم حتى تكون موافقته موافقة للكتاب الكريم فان الإطلاق مدلول لمقدمات الحكمة التي هي قضية عقلية أو عقلائية وليس هو مدلولاً للكتاب الكريم ، نعم الذي يكون مدلولاً للكتاب هو العموم فانه يستفاد من وضع الكلمات لذلك أما بالنسبة إلى الإطلاق فليس هو مدلولاً للكلمات والوضع الا بناء على الرأي السائد قبل سلطان العلماء.
 وبالجملة:- إذا رفضنا مرجِّحية إطلاق الكتاب فتصل النوبة آنذاك الى المرجِّح الثاني وهو مخالفة القوم ، وحيث ان القوم لا يقولون بحصر الطواف في الحدِّ المذكور فتكون رواية محمد بن مسلم - الحاصرة للطواف في الحد المذكور - هي المخالفة لهم فتكون هي المرجَّحة والمقدمة.
 والخلاصة:- إذا نظرنا إلى المرجح الثاني بعد عدم الأخذ بالمرجح الأول فالمناسب تقديم رواية محمد بن مسلم لأنها مخالفة للقوم.
 والجواب:- ان تطبيق المرجِّح المذكور في المقام أمر مشكل باعتبار أن الإمام عليه السلام لو أراد أن يحكم لا على طبق التقية بل لبيان الواقع فبماذا يحكم ؟ كان يحكم بالطواف في الحدِّ المذكور ويقول انه يلزم أن يكون الطواف بين المقام وبين الكعبة ، ومن المعلوم أن هذا لو تحقق من الإمام عليه السلام وبالتالي تحقق من شيعته وأخذوا يطوفون بين المقام والكعبة فلا يلزم من ذلك خوف وحذر عليه وأنهم سوف يُعرَفُون ، كلا لا حذر من هذه الناحية باعتبار أن القوم يأتون بالطواف في الحدِّ المذكور أيضاً ، فالتقية لا معنى لها آنذاك وإنما يكون لها معنى فيما لو فرض أن القوم كانوا يقولون بتعيُّن الطواف خارج الحدِّ المذكور فانه آنذاك يكون من طاف في هذا الحدِّ فسوف يُعرف أنه من أتباع أهل البيت عليهم السلام ، أما بعدما كان الطواف في الحدِّ مورد اتفاق بيننا وبينهم فلا معنى لإعمال عنصر التقية آنذاك والتخوّف من الإمام عليه السلام على شيعته ، وعليه فإعمال المرجِّح الثاني في المقام لا مجال له من الأساس بعد النكتة التي أشرنا إليها ، هذا إن لم نأخذ بمرجِّحية موافقة إطلاق الكتاب وإلا فلو أخذنا بها فلا تصل النوبة إلى هذا المرجِّح كما هو واضح.
 والخلاصة:- ان ما انتهينا إليه لا يوجد محذور وتشويش عليه من ناحية هذين التساؤلين.
 النقطة الثانية:- لو قلنا بلزوم الطواف في الحدِّ المذكور كما عليه المشهور فنسأل:- كيف نحسب المسافة من جانب حِجْر إسماعيل ؟ فهل نحسبها من الكعبة ، أي أن مسافة ستة وعشرين ذراعاً ونصف هل نحسبها من الكعبة ؟ ولازم ذلك بعد أن نحذف عشرين ذراعاً لأجل أنها الفاصل بين الحِجر وبين الكعبة والمفروض أنه لا يجوز الطواف فيها للروايات الناهية عن اختصار الطواف في حِجر إسماعيل فتبقى المسافة ستة أذرع ونصف من بعد الحِجر وبذلك يضيق المطاف في هذه المنطقة ، فهل الأمر هكذا ؟ أو أن نحسب المسافة من الحِجر وليس من الكعبة ولازمه أن لا يضيق المقام في هذه المنطقة ؟
 تعرَّض صاحب المدارك إلى هذين الاحتمالين واختار الثاني - أي أن المسافة تحسب من الحِجر - باعتبار أن المسافة بين الحِجر والكعبة مُلغاة ولا يجوز الطواف فيها وما دامت ملغاة فلا معنى لأن تحسب المسافة من الكعبة بل المناسب أن تحسب من الحِجر ونص عبارته هو ( وتحتسب المسافة من جهة الحِجر من خارجه وان كان خارجاً من البيت لوجوب ادخالة في الطواف [1] فلا يكون محسوباً من المسافة ) [2] ، وهو غريبٌ فانه لا ربط لهذا بهذا إذ نسلم أن الطواف لا يجوز بين الحِجر والكعبة والمسافة المذكورة لا يجوز الطواف فيها ولكن لا يلزم من هذا أن تحسب المسافة من الحِجر لا من الكعبة فلا توجد ملازمة ، ومن هنا أنكر عليه من جاء بعده.
 والمناسب لو أخذنا بظاهر رواية محمد بن مسلم والتي هي المدرك لهذا الحكم هو الاحتساب من الكعبة حيث جاء فيها ما نصه ( والحدُّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها ) ولم يقل ( من نواحي البيت من طرف الحِجر ) فهي واضحة في خلاف ما ذهب إليه(قده).
 ومن هنا احتاط السيد الماتن(قده) بناءً على لزوم الطواف في الحدِّ المذكور بحساب المسافة من الكعبة لا من الحِجر.


[1] أي يلزم ان يكون الطواف خارج الحِجر.
[2] المدارك 8 131.