33/06/09


تحمیل
 الموضوع :- مسألة( 327 )/ الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة( 327 ):- من ترك صلاة الطواف عالماً عامداً بطل حجّه لاستلزامه فساد السعي المترتب عليها.
 هناك قضيتان فنيّتان:-
 الأولى:- ان التعرض لهذه المسألة قد لا تكون هناك حاجة إليه فان المناسك مؤلّف للمؤمنين الذين يذهبون إلى الحجّ اطاعةً لأمره عز وجل وليس هناك شخص يترك صلاة الطواف متعمداً . نعم قد يتركها جاهلاً أو ناسياً ، وعليه فالتعرض لهذه المسألة قد لا يكون وجيهاً ، ولو أريد التعرض لها فلا يُسلّط على ذلك الأضواء وإنما تذكر تبعاً.
 كما أن المناسب التعرض إلى حالة الترك عن نسيانٍ أوّلاً ثم التعرض بعد ذلك إلى حالة الترك العمدي ، خصوصاً بعد الالتفات إلى أن بعض المطالب المذكورة في الترك السهوي يحتاج إليها في الترك العمدي كما سوف يتضح.
 والثانية:- انه لا حاجة إلى بيان المستند ، فانه (قده) بيّن مستند بطلان الحج بترك صلاة الطواف وقال انه يلزم من ذلك بطلان السعي وهذا قد صار فقهاً استدلالياً وليس مسألة للعوام.
 وعلى أي حال لعل هذه المسألة لم يتعرض إليها القدماء وإنما تعرضوا إلى مسألة الترك عن نسيانٍ ولعل أوّل من تعرض إليها الشهيد الثاني في المسالك فان المحقق في الشرائع تعرض إلى مسألة الترك ناسياً وعلّق صاحب المدارك بعد أن تعرض صاحب الشرائع إلى مسألة الترك السهوي حيث قال ( أما العامد فقال الشارح(قده) [1] :- ان الأصحاب لم يتعرضوا لذكره والذي يقتضيه الأصل أنه يجب عليه العود مع الامكان ومع التعذر يصليهما حيث أمكن ) [2] . إذن أول من تعرض إليها هو الشهيد الثاني والاصحاب لم يتعرضوا إلى ذلك.
 ولكن ما ذكره الشهيد الثاني(قده) مقتضبٌ ومختصرٌ جداً ولعلّه ذكر تعليلاً ناقصاً فقال:- ان أمكنه فبها - أي يجب عليه أن يعود ويصلي والّا فيكفيه حيث أمكن - أي أنه سوّى بين الناسي والعامد ولم يذكر تعليلاً لذلك وكأنه حمل صلاة الطواف على كونها واجباً مستقلاً ولا يؤثر تركها على صحة الحجّ ، يعني هي أشبه بطواف النساء فهو واجب تكليفي يأتي به المكلف متى ما ذكر أو متى ما أمكنه.
 وهذا كما ترى هو دعوى بلا مثبت وبلا دليل فكلامه قد لا يشتمل على التعليل الناقص.
 وعلى أي حال ذكر صاحب الجواهر [3] وجهين لإثبات الصحة وعدم البطلان وأنه يأتي بهما متى ما أمكن ، وإذا اضفنا إلى ذلك دليلاً ذكره السيد الحكيم [4] تصير الوجوه ثلاثة:-
 الوجه الأول:- انه ورد في بعض الروايات أن الذي يترك صلاة الطواف عن جهلٍ حكمه حكم الناسي ، أي أنه يأتي بهما متى ما التفت.
 ويمكن أن نستشهد نحن لذلك بمثل ما رواه الصدوق عن جميل بن دراج عن أحدهما عليه السلام ( ان الجاهل كالناسي في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم ) [5] ، إذن إلى الآن ثبت هذا المقدار وهو أن الجاهل كالناسي بمقتضى هذه الرواية وغيرها ، هذه مقدمة.
 ثم أضاف مقدمة ثانية وهي أن مقتضى إطلاق الروايات أن الجاهل بكلا قسميه بما في ذلك الجاهل المقصر هو بحكم الناسي ، فان الروايات لم تخصص الجاهل بالجاهل عن عذر - أي الجاهل القاصر - بل اطلقت.
 ثم أضاف إلى ذلك مقدمة ثالثة وهي أنه لا فرق بين العامد وبين الجاهل المقصّر فإذا قبلنا من الجاهل المقصّر أنه يأتي بالركعتين متى ما التفت فيلزم أن نكتفي من العامد بذلك أيضاً فيأتي بهما متى ما أراد لعدم الفرق بين الجاهل المقصّر وبين العامد فهما من وادٍ واحد.
 والجواب واضح:- فانه من أين لك أن العامد كالجاهل المقصّر . نعم هو كالجاهل المقصّر في الاثم لا في بقيّة الأحكام ، أي لا يلزم من معذوريّة الجاهل ولو عن تقصير والحكم عليه بأنه متى ارتفع جهله أنه يأتي بالركعتين أن نحكم على العامد بذلك أيضاً ، وهذا مطلب غريب منه(قده).
 الوجه الثاني:- ان النصوص قد دلّت على أن ركعتي الطواف واجبتان بعد الطواف ولا تدل تلك النصوص على أنهما شرط في صحة الطواف ، فلا يوجد إذن مثبت لكونهما شرطاً في صحة الطواف ، وعليه فتركهما لا يؤثر على صحة الطواف.
 بل يمكن أن نصعد اللهجة ونقول:- انه يوجد ما يدل على أنهما ليسا شرطاً في صحة الطواف وذلك باعتبار أنه لا تلزم الركعتان في الطواف المستحب ، وأيضاً لو تركهما الناسي أو الجاهل فلا يؤثر ذلك على طوافه وهذا مما يدل على أن الركعتين ليستا شرطاً في صحة الطواف ، وكذلك لم يؤمر الجاهل والناسي بإعادة السعي وغيره من الأفعال ، ثم قال ما نصه ( فليس حينئذ في عدم فعلهما بعد الطواف عمداً إلا الاثم ووجوب القضاء كما ذكره ثاني الشهيدين لا بطلان ما تعقبهما من الأفعال ).
 وفيه:- ان عدم دلالة النصوص على أنهما شرط في الصحة لا يكفي كدليل لكونهما واجبين استقلاليين نفسيين إذ يعود الأمر مجملاً من هذه الناحية فلا دليل على هذا ولا دليل على ذاك فلابد وأن يكمل الحديث ، أي على صاحب الجواهر أن ينقّح الموقف بعد اجمال النصوص وعدم دلالتها في الشرطية ولا في الاستقلالية.
 على أنه لو تمّ ما أفاده(قده) فغاية ما يثبت بذلك هو أن الركعتين ليسا شرطاً في صحة الطواف بقرينة أن الطواف المستحب ليس فيه صلاة أو بقرينة أن الجاهل والناسي لا يحكم ببطلان طوافه ، ولكن هذا لا ينفي أنهما شرط في صحة السعي ، فمن ناحية الطواف لم يظهر من النصوص أنهما شرط في الطواف ولكن هذا المقدار لا يكفي لكونهما شرطاً في صحة السعي ، فلابد من التفاتة ثانيةً إلى النصوص لإثبات أنهما ليسا شرطاً في صحة السعي أيضاً ولا تكفي تلك الالتفاتة الأولى.
 على أن الاستشهاد بالمثالين السابقين لا يفي بما أراد فلعل هناك خصوصية لهذين الموردين ، فالصلاة ليست معتبرة في الطواف المستحب لأجل أنه مستحب وهكذا بالنسبة إلى الجاهل الناسي لا يؤثر ترك الصلاة على صحة طوافه ، لكن هذا لا يثبت أن العامد والملتفت هو أيضاً كذلك فان هذا استنتاج في غير محلّه ولعلّ لهذين الموردين خصوصية.
 الوجه الثالث:- رواية الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي اسحاق عن سعيد الأعرج ( سئل أبي عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت ، قال:- تتم طوافها قليس عليها غيره ومتعتها تامّة فلها أن تطوف بين الصفا والمروة وذلك لأنها زادت على النصف وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج [6] ) [7] بتقريب:- أن الامام عليه السلام حكم بالإتيان بالسعي بعد الأشواط الأربعة من الطواف مع تأخير الأشواط الثلاثة الباقية والصلاة إلى ما بعد وهذا مما يدل على أن السعي مترتب على الطواف وليس مترتباً على ركعتي الطواف وبذلك يثبت المطلوب ، أي يثبت أن التارك عمداً للركعتين لا يؤثر ذلك على طوافه ولا على سعيه إذ لو مؤثراً فيلزم بالنسبة للطامث أن لا يحكم بصحّة طوافها وسعيها بعد الالتفات إلى أنها لم تأت بركعتي الطواف.
 وفيه:- ان الرواية خاصة بالطامث فغاية ما يثبت هو أن الطامث لأجل خصوصيةٍ لها - انه شيء محتمل - لا يعتبر في حقّها في صحة السعي والطواف تخلل صلاة الطواف ولا يمكن أن نفهم من ذلك أن حكم غيرها هو كذلك.
 هذا كله مع غضّ النظر عن ضعف السند بمحمد بن سنان أو غيره.
 على أنه قد يناقش في السند بدعوى الإرسال ، حيث أن سعيد الأعرج قال ( سئل أبو عبد الله ) ولم يقل ( وأنا حاضر ) أي أن السائل كان شخصاً آخر ، وحيث أنا لم نعرف أن أنه ثقة أو لا فتصير الرواية مرسلة.
 هذا بالنسبة إلى الوجوه الثلاثة لإثبات عدم بطلان الحجّ بالترك العمدي وقد اتضح أنها قابلة للتأمل جميعاً.


[1] أي صاحب المسالك.
[2] المدارك 8 136.
[3] الجواهر 19 307.
[4] دليل الناسك 278.
[5] الوسائل13 428 74 من أبواب الطواف ح3.
[6] أي تأتي بالأشواط الثلاث الباقية بعد الحج.
[7] الوسائل 13 456 86 من أبواب الطواف ح1.