33/06/14


تحمیل
 الموضوع :- مسألة ( 328 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما الروايتان المعارضتان فهما:-
 الرواية الأولى:- صحيحة علي بن يقطين ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة ؟ قال:- لا ) [1] فانها دلت على أن المكلف إذا انتهى من طوافه وكان الوقت بعد دخول صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر فهنا لا يصلي صلاة الطواف.
 وواضح أن في ذلك احتمالان:- الأول:- أن يكون المقصود أنه لا يصلي صلاة الطواف إلا بعد أن يصلي صلاته - أي صاحبة الوقت - فإذا فرغ منها يصلي صلاة الطواف آنذاك.
 والثاني:- أن يكون المقصود أنه لا يصلي صلاة الطواف طيلة الوقت المذكور فما دام الوقت وقت صلاة الصبح فلا يصلي فيه صلاة الطواف أو ما دام أن الوقت وقت صلاة العصر فلا يصلي فيه صلاة الطواف.
 وعلى تقدير كلا الاحتمالين تدلّ على أن الفورية ليست معتبرة فتنافي الروايات السابقة . هكذا يمكن ان يقال.
 وفيه:- انها واردة في مورد خاص ، أي أنها تدل على عدم لزوم الفورية في هذين الوقتين بالخصوص لا أن الفورية ليست معتبرة رأساً فتكون أخص من الروايات السابقة فتخصصها لا أنه نرفع اليد عن الفورية رأساً.
 ولكن هذا المقدار يمكن رفع اليد عنه وذلك باعتبار وجود روايات معارضة في نفس هذا المورد الخاص تدل على أنه بعد دخول وقت صلاة العصر أو بعد دخول وقت صلاة الصبح لا تُترك صلاة الطواف بل يؤتى بها فتكون معارضة في نفس المورد لصحيحة بن يقطين المتقدمة فيتساقط هذان في مساحتاهما - أي صحيحة بن يقطين والمعارض لها - وبعد ذلك يعود ذلك العموم الفوقاني سالماً من المعارضة فيتمسك به فانه ترفع اليد عنه لو فرض وجود معارض أخص منه فيصير مخصصاً له أما بعد فرض أن المخصص يوجد له معارض فيسقط المخصص وصاحبه ويعود ذلك العموم أو المطلق الفوقاني سالماً من المخصص.
 أما ما هي الروايات المعارضة ؟
 هي صحيحة رفاعة ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أيصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه ؟ فقال:- نعم أما بلغك قول رسول الله صلى الله عليه وآله:- يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف ) [2] ودلالتها على المعارضة واضحة غايته هي خاصة بما بعد دخول وقت العصر ولا تشمل وقت صلاة الغداة ، ولكن الأمر سهل بعد وجود هذه الرواية الأخرى وهي صحيحة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام ( ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين عليهما السلام إلّا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة ) [3] . إذن هاتان الصحيحتان تعارضان تلك الصحيحة - أي صحيحة ابن يقطين - فيتساقطان وبذلك نرجع إلى العمومات السابقة التي قرأناها في الروايات الثلاث أو الأربع من قبيل صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم فصلّ ركعتين ... وهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ولا تؤخرها ، ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما ) [4] . هذا كله بالنسبة إلى المعارض الأول ، أعني صحيحة علي بن يقطين.
 وأما الرواية الثانية المعارضة للروايات السابقة فهي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة ، فقال:- وقتهما إذا فرغت من طوافك وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها ) [5] ، وعلى منوالها - ان لم تكن نفسها - صحيحته الأخرى ( سئل أحدهما عليه السلام عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال:- يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها ) [6] فانهما دلّتا على كراهة الإتيان بصلاة الطواف عند غروب الشمس وعند طلوعها فتصير معارضة للروايات الثلاث أو الأربع السابقة.
 والجواب هو الجواب المتقدم:- يعني أنها واردة في مساحة ضيقة - أي عند الطلوع وعند الغروب - فغاية الأمر أنها تصير مخصّصة لتلك الروايات لا أن ذلك يوجب رفع اليد عن الفورية رأساً بل في نفس هذه المساحة يوجد لها معارض وهو رواية أخرى لمحمد بن مسلم تدل على أنه ليس من المكروه فعل صلاة الطواف عند الغروب والطلوع ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال:- وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب ) [7] ، وهذه الرواية اما أن تكون مغايرة لسابقتها أو أنها عينها ، فان كانت مغايرة فتحصل المعارضة بين المخصّص وصاحبه المعارض فيتساقطان فنرجع إلى العموم المتقدم المستفاد من الروايات السابقة - يعني من مثل صحيحة معاوية بن عمار - وان كانت نفسها فحيث لا نعلم بما هو الصادر من الامام عليه السلام ولعل الصادر هي هذه الرواية فلا يتحقق آنذاك معارض للروايات السابقة بل تحصل كمال الملائمة.
 والخلاصة من كل هذا:- ان المعارض للروايات السابقة حيث أنه بنفسه مُعارَض فيسقط عن الاعتبار وبذلك تبقى الروايات السابقة الدالة على اعتبار الفورية سالمة عن المعارض.
 ولكن قد تقدم سابقاً احتمال المناقشة في دلالة الروايات السابقة وأنها واردة مورد توهم الحظر وبذلك تسقط دلالتها على لزوم الفورية وما دمنا نحتمل ذلك فالأنسب المصير إلى الاحتياط وفاقاً للشيخ النائيني(قده) . نعم من كان يرى أن احتمال ورودها مورد توهم الحظر ضعيف في حدِّ نفسه بل لعله لا يخطر في ذهنه - كما هو ظاهر كلمات السيد الخوئي(قده) فانه لم يخطر إلى ذهنه ذلك أبداً ولذلك لم يشر إليه من قرب ولا من بعد - فيفتي حينئذ بلزوم الفورية ، أما من خطر إلى ذهنه الاحتمال المذكور فتارةً يراه احتمالاً وجيهاً وبدرجة جيدة فحينئذ لعله يرفع اليد حتى عن الاحتياط الوجوبي ، وأما من كان يراه احتمالاً وجيهاً ولكن لا بتلك الدرجة من الوجاهة فالمصير إلى الاحتياط الوجوبي أمراً وجيهاً ، وأما من يرى أن هذا الاحتمال ضعيفاً أو لم يخطر في ذهنه فحينئذ يفتي بلزوم الفورية . ثم انه مما قد يؤكد ويؤيد ضعف دلالة تلك الروايات السابقة وأنها واردة مورد توهم الحظر أن المتقدمين لم يفتوا بالفورية وهذا معناه أنه لم يفهموا منها لزوم الفورية.
 وقبل أن ننهي حديثنا عن هذه المسألة لا بأس بالإشارة إلى بعض الأمور التي ترتبط بها وكان من المناسب للسيد الماتن الإشارة إليها باعتبار انها ابتلائية وترتبط بمسألتنا الابتلائية:-
 الأمر الأول:- لو قلنا بلزوم الفورية فهل الفورية اللازمة هي الفورية العرفية أو هي الفورية الحقيقية الدقية ؟ لعل هذا قد اشارت إليه عبارة السيد الماتن حيث أتى بكلمة ( عرفاً ) وهذا هو المناسب - أي المدار على الفورية العرفية - وذلك لبيانين:-
 الأول:- ان ذلك هو المفهوم عرفاً من الخطاب فحينما يقال ( لا تؤخرها ساعة ) يفهم العرف انه يلزم الإتيان بها بنحو الفورية العرفية.
 الثاني:- بقطع النظر عن ذلك - أي الفهم من الخطاب ولنفترض أنه لا يوجد خطاب - فمع ذلك نقول بأن اللازم هو الفورية العرفية لا أكثر إذ الأكثر شيء غير محتمل في حدّ نفسه ، يعني أن الفورية الحقيقية أمر يكاد أن يكون متعذّراً ويورث المشقّة والحرج عادةً فنفس احتمال ذلك هو شيء ضعيف إذ لازم الفورية الحقيقة هو أنه بمجرد أن ينتهي من الطواف لابد وأن يركض بسرعة ويصلي ويزاحم الآخرين حتى تتحقق بذلك الفورية الحقيقية ان ذلك شيء ليس بمحتمل في حدّ نفسه.
 وعلى هذا الأساس يكون المدار على الفورية العرفية ، ولكن الفورية العرفية يمكن أن نقول هي تختلف باختلاف الحالات والظروف فإذا فرضنا أن شخصاً أخذ يسير في المسجد ليتفرَّج على المسجد فهذا يعدّه العرف مخلّاً بالموالاة العرفية ، أما إذا فرض أنه كان يفحص عن مكان أو ينتظر أن هذا المصلي ينتهي حتى يصلي مكانه فهذا لا يكون مخلّا بالفورية العرفية . إذن هذه الملابسات لابد من أخذها بعين الاعتبار فانها مؤثرة في عنوان الفورية العرفية سلباً وايجاباً.
 وإذا فرضنا أنا شككنا أن الفورية العرفية هل فاتت أو لم تفت ؟ يعني بقيت أفتش عن مكان ولكن صار الوقت طويلاً كعشر دقائق وشككت أنه في النظر العرفي هل فاتت الموالاة أو لا فهل يمكن اثباتها بالاستصحاب ونقول أنها لم تفت ؟


[1] المصدر السابق ح11.
[2] المصدر السابق ح2.
[3] المصدر السابق ح4.
[4] المصدر السابق ح3.
[5] المصدر السابق ح7.
[6] المصدر السابق ح8.
[7] المصدر السابق ح1.