33/07/09


تحمیل
 الموضوع:- الواجب الرابع من واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 والجواب:- ان التمسك بإطلاق الجزئية وجيه لو فرض أنها ثبتت بدليل لفظي يشتمل على إطلاق كما لو فرض أن رواية قالت ( السعي واجب في الحج ) أو ( لازم في الحج ) أو ما شاكل ذلك من تعابير فان مقتضى الإطلاق كونه لازماً وجزءً في مطلق الحالات فيكون الحكم بالبطلان إذا ترك عند الجهل بوجوبه على طبق القاعدة ، بيد أن المفروض أنّا لا نملك دليلاً يشتمل على إطلاق وإنما استفدنا وجوب السعي من أحد أمرين:-
 الأول:- الروايات المبيّنة لأحكام السعي من قبيل ان من شك في السعي فعليه الاعادة أو ما شاكل ذلك وهذا يستفاد منه وجوب السعي في الجملة وليس بنحو الإطلاق والشمول.
 والثاني:- هو الارتكاز المتوارث على وجوب السعي ، وهو دليل لبّي والقدر المتيقن منه حالة العلم بالوجوب ، أما مع الجهل بالوجوب فلا مثبت لجزئية السعي ، ومعه لا يمكن أن نقول ان البطلان في حق من ترك السعي عن جهل بالوجوب هو على طبق القاعدة فانه يكون على طبق القاعدة لو فرض وجود إطلاق في دليل الجزئية وفي المقام يصعب تحصيل إطلاق كذلك.
 نعم لو فحص شخص في الروايات وحصل على إطلاق أو فرض أنه ادعينا أن الارتكاز المتشرعي ارتكاز وسيع يقضي بأن السعي جزء حتى في حالة الجهل فآنذاك يصح التمسك بمقتضى القاعدة.
 وعلى أي حال أردنا أن ننبه على هذه النكتة العلمية - وهي ظريفة -وهي أن إثبات البطلان على مقتضى القاعدة في الموارد التي يفرض فيها أن الدليل يوجد فيه إطلاق بحيث يثبت الجزئية بلحاظ جميع الحالات والا فالبطلان في حالة الجهل يحتاج إلى دليل خاص كما تمسكنا بصحيحة معاوية بن عمار.
 ثم انه لو تنزلنا وسلمنا وجود ارتكاز وسيع يقضي بإطلاق الجزئية وشمولها لجميع الحالات فقد يقال:- لم لا نتمسك بإطلاق حديث ( رفع ما لا يعلمون ) لنفي وجوب الاعادة فان المكلف بعد أن فرغ من حجّه والتفت إلى أن السعي واجب وأنه تركه عن جهل بالوجوب فانه في مثل ذلك سوف يشك في وجوب اعادة الحج في العام القابل فننفي ذلك بحديث ( رفع ما لا يعلمون ) أو نرفع وجوب السعي بحديث ( رفع ما لا يعلمون ) ، أي يقال هكذا:- ان هذا المكلف حيث لا يعلم بوجوب السعي فيكون مرفوعاً عنه بمقتضى اطلاق حديث ( رفع ما لا يعلمون ) وبعد أن رفع في حقه فلا موجب لإعادة الحج من قابل إذ السعي مرفوع في حقة - أي جزئية السعي غير ثابته في حقه - ببركة حديث الرفع فهو قد أتى بالأجزاء بالكامل إذ الفرض أن السعي ليس بجزء في حالة الجهل ببركة حديث ( رفع ما لا يعلمون ) ومعه فلا يجب عليه اعادة الحج من قابل . هذه شبهة علمية فكيف الجواب عن ذلك ؟
 ويرده:-
 أولاً:- انّا قد فرضنا سابقاً أن الارتكاز المتشرعي وسيع - أي يشمل حتى حالة الجهل - وإنما فرضناه وسيعاً في المرحلة السابقة لأنّا لو فرضناه ضيّقاً بحيث يكون دالاً على الجزئية فقط وفقط في حالة العلم بالوجوب لما احتجنا آنذاك لإثبات الصحّة وعدم الاعادة إلى حديث الرفع لأن الارتكاز خاص بحالة العلم.
 إذن نحتاج إلى حديث الرفع لإثبات الصحة وعدم وجوب الاعادة فيما إذا فرضنا في المرحلة السابقة أن الارتكاز وسيع ، وما دمنا قد فرضناه وسيعاً فلا معنى للتشبث بإطلاق حديث الرفع إذ مع وجود الدليل الاجتهادي - وهو الارتكاز الكاشف عن صدور الحكم وأخذه يداً بيد من معدن العصمة والطهارة - لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.
 وثانياً:- ان حديث الرفع يرفع ظاهراً لا واقعاً ، والمقصود من ( يرفع ظاهراً ) هو أنه يرفع الحكم حالة الجهل وما دام لا علم - أي ما دام يوجد شك وجهل فهنا يرفع وجوب السعي - لا أن رفعه واقعي - أي أنه يرفع جزئية السعي من الجذور واقعاً ويخصص جزئية السعي واقعاً بحالة العلم - كلا فحديث الرفع ليس كذلك فان فقرة ( ما لا يعلمون ) ترفع الحكم ظاهراً - أي في حالة الجهل - وهذه قضية واضحة إذ لو كان يرفع واقعاً للزم اختصاص الأحكام بالعالمين بالتالي لا يلزم على الجاهل أن يتعلم لأنه لا يوجد في حقه حكم وهذا واضح البطلان . إذن هو يرفع ظاهراً لا واقعاً على خلاف الرفع في فقرة رفع النسيان وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه فانه رفع واقعي وليس ظاهرياً.
 وإذا قلت:- ان المكره لا حكم في حقه واقعاً وكذلك المضطر والناسي لاستحالة التكليف ، وبناءً على هذا يلزم التفكيك في السياق الواحد فان حديث الرفع حديث واحد وورد في الفقرات التسع في سياق واحد فكيف يصير الرفع في فقرة ( ما لا يعلمون ) ظاهرياً بينما يكون في بقية الفقرات واقعياً أوليس هذا تفكيكاً في السياق الواحد.
 قلت:- نعم هو تفكيك في السياق الواحد ولكن لا محذور في ذلك إذا قامت القرينة عليه ، وفي المقام قد قامت القرينة على ذلك فان المضطر لا يمكن تكليفه بالحرمة واقعاً وكذلك الناسي والمكره ، بينما غير العالم يلزم أن يكون مكلفاً واقعاً والّا يلزم اختصاص الأحكام بالعالمين بها وبالتالي يلزم عدم وجوب التعلم ، وهذا التفكيك قد قامت عليه القرينة فلا محذور فيه.
 وعلى أي حال ان الرفع هنا ظاهري وما دام الرفع ظاهرياً فيقف آنذاك حديث الرفع متى ما ارتفع الجهل وتبدّل إلى العلم - والمفروض أن المكلف بعد أن فرغ من الحج صار عالماً بوجوب السعي - ويقول أنا من الآن لا أرفع جزئية السعي في حقك ، وعليه تكون الجزئية ثابتة في حق المكلف واقعاً واتضح له أنه لم يمتثل الوجوب الواقعي فيجب عليه آنذاك اعادة الحج من قابل . وهذا من نتائج كون الرفع ظاهرياً.
 نعم لو كان رفعاً واقعياً بأن ترتفع جزئية السعي في حالة الجهل واقعاً فهنا لا تجب عليه الاعادة لأنه أتى بكامل الأجزاء ، ولكن المفروض أن الرفع ظاهري فإذا حصل العلم فتجب عليه الاعادة.
 ان قلت:- انه بعد أن حصل العلم للمكلف بكون السعي واجباً سوف يشك أنه هل يلزم عليه اعادة الحج في العام القابل أو لا فنطبق الحديث من جديد لرفع وجوب اعادة الحج في العام القابل.
 وفرق هذا التطبيق عن التطبيق السابق لحديث الرفع هو أنّا فيما سبق كنا نطبق الحديث لرفع جزئية السعي في حالة الجهل أما الآن فنطبقه لرفع أصل وجوب الحج ، فحينما طبقناه سابقاً لرفع جزئية السعي أجبنا عن ذلك بأن هذا الرفع ظاهري ، أي هو رفع ما دامي - أي ما دام الجهل موجوداً - فإذا حصل العلم فيقف الرفع حينئذ فالجزئية تنكشف أنها ثابتة هكذا كنا نقول سابقاً ، أما الآن فنقول انه بعدما حصل العلم بجزئية السعي نشك هل تجب الاعادة في العام القابل أو لا ؟ فنطبق حديث الرفع لرفع وجوب الاعادة في العام القابل.
 قلت:- ان العقل بعدما يطّلع على أن جزئية السعي ثابتة في حالة الجهل وأن الرفع ظاهري واطلع على أن المكلف لم يأت بالمأمور به - فان المأمور به هو الحج بكامل اجزاءه ومنها السعي - وقد اطلع أنه لم يأت بكامل الأجزاء بما فيها السعي فيقول ( انك لم تمتثل أمر المولى وبالتالي يلزم أن تمتثل بأن تأتي بالحج في العام القابل غايته كنت معذوراً لجهلك فيما سبق أما الآن فانت عالم بوجوب السعي وعالم بأنك لم تمتثل فيلزمك الامتثال ) وبعد حكم العقل هذا كيف يبقى الشك في وجوب الاعادة في العام القادم ؟ انه لا يبقى مجال للشك بل هناك جزم بوجوب الامتثال من جديد لأنه لم يمتثل الواجب في حقه ، وعليه فلا مجال للتمسك بحديث الرفع.
 وكان الهدف من وراء كل هذا ابراز هذه النكات العلمية . وقد اتضح بحسب النتيجة أن الطريق لإثبات البطلان في حق الجاهل الذي ترك السعي عن جهل بوجوبه هو اما التمسك بصحيحة معاوية بناءً على ثبوت الإطلاق فيها بحيث يشمل الجاهل بالحكم أو التسليم بسعة الارتكاز.
 النقطة الثالثة:- انه يجب في السعي قصد القربة.
 وكان من المناسب فنيّاً عدم الإشارة إلى هذا هنا فانه سوف تأتي الإشارة إليه بالخصوص في مسألة مستقلة [1] .
 ولكن ما هو الدليل على اعتبار قصد القربة في السعي؟
 والجواب:- ذكر(قده) [2] أن الوجه في ذلك هو أن السعي جزء من الحج وبما أن الحج قربي فأجزاؤه تكون قربية إذ المركب ليس إلا نفس أجزاءه وليس شيئاً مغايراً لها غايته هو عبارة عن مجموع الأجزاء بشرط الاجتماع وما دام هو قربياً فالأجزاء التي منها السعي تكون قربيّة.
 ولكن يمكن أن نقول:- ان من حقنا أن ننقل الكلام إلى نفس الحجّ ونقول:- من قال ان الحج قربي ؟ [3]
 أجاب(قده) عن ذلك في بعض كلماته بأن الوجه في كون الحج والصلاة والصوم قربيّة هو أنها مما بني عليها الاسلام ، فان الاسلام على ما جاء في رواية الامام الباقر عليه السلام قد بني على خمسة أشياء - غير الولاية التي هي أهمها - وأحدها الحج ، ثم نضم مقدمة أخرى وهي أنه يلزم أن يكون ما بني عليه الاسلام قربيّاً لبعد أنه يبتني على أشياء توصلية.


[1] وهي مسألة 434.
[2] المعتمد.
[3] وكان من المناسب بحث هذه القضية.