33/07/23


تحمیل
 الموضوع:- مسألة ( 341 ) / الواجب الرابـع من واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 أحكام السعي
 
 تقدم أن السعي من أركان الحج فلو تركه عمداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به أو بالموضوع إلى زمان لا يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجّه ولزمته الاعادة من قابل ، والأظهر أنه يبطل احرامه أيضاً وان كان الأحوط الأولى العدول إلى الافراد واتمامه بقصد الأعم منه ومن العمرة المفردة.
 ذكرنا في بداية الحديث عن السعي - حيث ذكر (قده) عنوان ( السعي ) - بعض القضايا الفنيّة ، وهنا نؤكد على قضية فنيّة أخرى وهي أن ما تقدم تحت عنوان ( السعي ) - من قبيل أنه لا يلزم في السعي المشي بل يجوز بغير ذلك ، ومن قبيل أنه يلزم سلوك الطريق المعهود المتعارف وغير ذلك - هو في واقعه داخل تحت عنوان ( أحكام السعي ) فما معنى أن نذكر عنوانين أحدهما بعنوان ( السعي ) ونذكر تحته بعض أحكام السعي ثم نذكر عنواناً ثانياً ونذكر تحته بعضاً آخر من أحكام السعي ؟ انه لا يخلو من خلل فنّي.
 وعلى أي حال يشتمل هذا المتن على النقاط التالية:-
 النقطة الأولى:- ان السعي واجب ركني ، والمقصود من الركن كما ذكرنا سابقاً ليس هو الركن في باب الصلاة بل يراد منه ما يبطل العمل بتركه عمداً بقطع النظر عن حالة السهو ، وذكرنا فيما سبق الدليل على كونه كذلك وقلنا ان الدليل المهم هو صحيحة معاوية بن عمار حيث جاء فيها ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- من ترك السعي متعمداً فعليه الحجّ من قابل ) [1] ، وذكرنا أنه قد يستدل على ذلك باقتضاء القاعدة ذلك - أي انها تقتضي كونه ركناً بهذا المعنى - حيث انه إذا كان جزءاً فلازم جزئيته أن من تركه عمداً فسوف يبطل عمله والّا لم يكن جزءاً وكان خلف فرض الجزئية.
 ولكن علقنا وقلنا:- ان هذا تمسك بعين المدعى ولكن صيغ صياغة الدليل فانه لو ثبت أن السعي جزء فالأمر كما ذكر ولكن غاية ما عندنا هو أنه نه واجب وترك الواجب لا يلزم منه بطلان العمل إذ لعله واجب ضمن واجب ، فلابد من إثبات كونه واجباً بنحو الجزئية - بأن نستعين بالارتكاز المتشرعي مثلاً على كونه جزءاً أو ما شاكل ذلك - .
 إذن دعوى أنه جزء هي أول الكلام إذ الدليل قد دلّ على أصل الوجوب وليس على عنوان الجزئية . وعلى هذا الأساس لابد من إثبات الجزئية في مرحلة أسبق - من خلال ارتكاز وما شاكله - وآنذاك يتم هذا الوجه ، فالمهم إذن هو التمسك بصحيحة معاوية بن عمار.
 النقطة الثانية:- ان السعي ركن - أي يبطل العمل بتركه عمداً - من دون فرق بين أن يكون التارك قد ترك السعي عن علم بالحكم ومع ذلك تعمد الترك أو عن جهلٍ بالحكم فانه من مصاديق التارك العمدي للسعي ، أو فرض أنه جاهل بالموضوع كمن يسعى في الطابق العلوي بتصور أنه بين الصفا والمروة ثم يتضح أنه ليس كذلك فان هذا من قبيل الجاهل بالموضوع ، انه يبطل العمل على جميع التقادير الثلاثة . هكذا أفاد(قده).
 وينبغي أن يكون مستنده في هذا التعميم هو التمسك بإطلاق صحيحة معاوية بن عمار فانها قالت ( من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل ) وهذا صادق على جميع الثلاثة فان الثلاثة مصداق للتارك متعمداً . هكذا ينبغي أن يستدل على التعميم.
 ولكن ذكرنا هناك ونذكر هنا:- أن ما ذكر من التعميم وجيه إذا كان الشخص الجاهل جاهلاً بسيطاً بمعنى أنه كان متردداً فلا يدري أن السعي واجب أو ليس بواجب فيتركه أو يشك أن السعي في الطابق العلوي هل هو بين الصفا والمروة ويأتي به في الطابق العلوي فانه إذا كان جاهلاً بسيطاً فالأمر كما ذكر(قده) - أي تعميم الحكم بالبطلان لإطلاق صحيحة معاوية بن عمار - وأما إذا كان جاهلا ًمركباً كما هو المتعارف فان من يترك السعي فعادةً يتركه عن جهل مركبٍ وليس عن جهلٍ بسيط فربما يمكن الحكم بالصحة وأنه يكفيه اعادة السعي فيما بعد كما هو الحال مثلاً في الناسي فان ناسي السعي لا يبطل حجّه وعمرته وإنما يأتي به متى تذكر والجاهل ربما يقال ان حكمه كذلك أيضاً.
 أما كيف نستدل على ذلك ؟
 قد يستدل بحديث الرفع أي ( رفع مالا يعلمون ) باعتبار أن هذا شخص ليس بعالم فيشمله حديث الرفع.
 واجبنا عن ذلك بأن حديث الرفع هو حديث رفع لا حديث إثبات والمفروض أن المكلف لم يأت بالمأمور به فلابد وأن نثبت أن عدم الإتيان هذا [2] هو بمثابة الإتيان به تامّاً [3] إذ لو لم يثبت هذا فالعقل يحكم بانك لم تأت بالمأمور به فلا بد وأن تأتي به إذ المركب ينعدم بانعدام بعض أجزاءه فلابد من إثبات الاجزاء وحديث الرفع لا قابلية له على إثبات الاجزاء لأنه حديث رفع لا إثبات.
 وإذا قلت:- لنرفع وجوب الاعادة في العام القابل بحديث الرفع ، وبناءً على هذه الطريقة سوف نكون قد استعنّا بالحديث للرفع وليس للإثبات فنرفع وجوب الاعادة في العام القابل به.
 والجواب:- ان التمسك بالحديث لذلك فرع الشك فإذا كان هناك شك ولا تعلم أنه هل تجب الاعادة في العام القابل أو لا فصحيح أنه لا محذور في التمسك بحديث الرفع ، ولكن نحن نقول لا يوجد لدينا شك كي نتمسك بالحديث فان العقل كما قلنا يقول ( انك أيها المكلف لم تأت بالمأمور به لأنك تركت بعض أجزاء العمل وينعدم العمل المركب بانعدام بعض أجزاءه فيلزمك حتماً في العام القابل أن تأتي بالحج ) ، انه يحصل جزم بذلك لا أنه يحصل شك.
 وهذا نظير ما لو فرض أن المكلف لم يأتِ بالعمل عن جهلٍ كما لو جهل بأن وقت الصلاة قد دخل فلم يأت بالصلاة ثم التفت بعد ذلك إلى أن الوقت قد دخل وخرج فهل يستطيع أن يطبق حديث الرفع ؟ كلا فان العقل يقول له ( جزماً يلزمك الإتيان به لأنك لم تأت بالمأمور به ) وهنا كذلك.
 الوجه الثاني:- وقد يستدل بصحيحة معاوية المتقدمة فانه عليه السلام قال ( من ترك السعي متعمداً فعليه الحج من قابل ) ، ونضم إلى ذلك مقدمتين حتى تتم الدلالة:-
 المقدمة الأولى:- ان الترك متعمداً وان كان لغةً قد يصدق على الجاهل المركب أيضاً إذا ترك بالسعي متعمداً ، فلو كنا نتعامل مع حاقّ اللغة والالفاظ فليس من البعيد أنه يصدق عليه ولكن عرفاً هو منصرف عنه ويختص بمن يعلم بالوجوب ويترك السعي فان مثله يقال له ( ترك السعي متعمداً ) أما إذا كان جازماً بعدم الوجوب بالجهل المركب أو جاهلاً بأن الطابق العلوي ليس بين الصفا والمروة فلا يصدق عليه أنه تاركٌ متعمداً ، فالترك العمدي لا يصدق على من جاهلاً مركباً عرفاً.
 والمقدمة الثانية:- ان الصحيحة المذكورة يستفاد منها بالمفهوم أن من لم يترك متعمداً فليس عليه الاعادة ، وحيث أن الجاهل المركب لم يترك متعمداً فليس عليه الاعادة في العام القابل بمقتضى المفهوم.
 وهذا بيان ووجه فنّي جميل بيد أنه يتم لو كانت الرواية قد وردت بالمتن المذكور ، ولكنها رويت بشكل آخر وهو هكذا ( في رجل ترك السعي متعمداً ، قال:- لا حجَّ له ) ، وفرق هذا المتن عن السابق هو أنه في المتن السابق أن الامام عليه السلام ابتداءً يقول ( من ترك السعي متعمداً فعليه الاعادة ) فنستفيد بالمفهوم أن من لم يترك متعمداً فلا يجب عليه ذلك ، أما بناءً على هذا النقل فالإمام ابتداءً لا يقول كذلك وإنما السائل سأله بأن شخصاً ترك السعي والإمام أجابه بأنه عليه الاعادة وهذا لا يستفاد منه أن غير المتعمد لا يجب عليه الاعادة إذ السؤال وقع عن المتعمد لا أن الامام ابتداءً خصص الحكم بالمتعمّد ، وحيث أن الصادر واحدٌ وليس بمتعددٍ فلا يمكن استفادة المفهوم.
 والأجدر التمسك بوجه ثالث وذلك بأن يقال:- سوف يأتينا انشاء الله تعالى ان الامام عليه السلام حينما يسأل عمن ترك السعي ناسياً فانه يقول ( يعيد السعي ، قيل له:- خرج من مكة ، قال:- يرجع ويعيد السعي ) وفي رواية أخرى ( يسعى عنه ) ، أي بالتالي لا يبطل حجّه بل يأتي بالسعي ما بنحو المباشرة أو بنحو النيابة.
 فإذا قبلنا هذا فنضم إليه مقدمة وهي أن يقال:- ان الامام عليه السلام حكم بعدم البطلان في حق الناسي وعدم وجوب الاعادة من حيث أن النسيان عذر وأنه يكتفي بالإتيان بالسعي بعد ذلك متى ما التفت ، وحيث أن هذا المكلف قاطع بعدم الوجوب أو قاطع بأن الطابق العلوي سعياً صحيحاً فهو معذور إذ أن حيثية القطع حيثية عذرية ، فلا فرق إذن بين الناسي وبين هذا فان الاثنين معذوران . انه قد يوجه الحكم بعدم البطلان بهذا التوجيه.
 إذن هناك مجال للحكم بعدم البطلان والاكتفاء بالإعادة متى ما التفت تمسكاً بروايات الناسي بالبيان المذكور ، فان قبلنا بهذه المقدمة وجزمنا بها فنفتي بأن الجاهل المركب لا يبطل عمله بل يكتفي بالإتيان بالسعي متى ما التفت ، واذا لم يحصل لنا جزم بذلك فنصير إلى الاحتياط فنقول ( الأحوط أنه يعيد ).
 يبقى أن العبارة قيدت البطلان بما إذا لم يبقَ هناك مجال لإدراك موقف عرفة فيما إذا ترك السعي عمداً إلى أن ضايقه موقف عرفة فهنا تبطل عمرته وهكذا حجّه.
 والتقييد المذكور واضح لأنه ما دام يوجد له مجال موقف عرفة فلا موجب للبطلان . إذن التقييد بذلك شيء وجيه ، ولكن ينبغي تخصيص ما أشرنا إليه من احتمال الصحة في باب السعي في حق الجاهل المركب في خصوص السعي ، أما لو فرض أن الشخص جهل مركباً فترك الطواف فلا يأتي هذا الكلام - أي احتمال الصحة - في حقه لوجود رواية صحيحة في باب الطواف وهي صحيحة علي بن يقطين ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال:- ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة ) [4] فان مقتضاها هو لزوم الاعادة في قابلٍ حتى إذا كان جاهلاً مركباً.
 إذن إذا امكننا أن نحكم بالصحة للبيان المتقدم فلا نحكم بذلك في حق من ترك الطواف.


[1] الوسائل 13 484 7 من أبواب السعي ح2.
[2] أي عدم اتيان بالمركب التام.
[3] أي مجزياً.
[4] الوسائل 13 404- 56 من أبواب الطواف ح1