جلسة 33

المفطرات

هذا مضافاً إلى أنّها ناظرة إلى المفعول به، وكلامنا في الفاعل، فهي لا تدلّ على أنّ الفاعل لا يُنقض صومه بل تقول: إنّ المرأة لا يُنقض صومها، وسيأتي في النقطة الثانية البحث عن تعميم الحكم للمفعول به، والكلام في هذه النقطة خاص بالفاعل.

النقطة الثانية: لا فرق في تحقّق المفطّرية بين الفاعل والمفعول به، فكما يُنقض صوم الفاعل كذلك يُنتقض صوم المرأة المفعول بها.

والكلام يقع تارةً فيما إذا كان الوطء دبراً، واُخرى فيما إذا كان قبلاً.

أمّا إذا كان دبراً فقد ذكرنا إن الرجل يُنقض صومه أنزل أم لم يُتزل تمسكاً بإطلاق موثقة سماعة[1] المتقدّمة، وإنّما الكلام بلحاظ المرأة فكيف نثبت تحقّق المفطّرية في حقها؟

أن الروايات السابقة يصعب استفادة التعميم منها، إذ كلها ناظرة إلى الرجل الذي جامع أو أتى أهله وحكمت عليه ببطلان صومه، أمّا المرأة فمسكوت عنها، وفي هذا المجال يمكن ذكر تقريبين لهذا التعميم.

التقريب الأوّل: ما تمسّك به جملة من الأعلام ومنهم السيّد الخوئي قدّس سرّه، وحاصله: أنّه قد ورد في صحيحة سعيد القمّاط أنّه سئل أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتّى أصبح؟ قال: «لا شيء عليه، وذلك أنّ جنابته كانت وقت حلال» [2]، فهي قد علّلت نفي الشيء بكون الجنابة قد حصلت في وقت حلال، ومفهوم ذلك أنّها لو كانت في وقت حرام فيثبت الشيء، وهو بطلان الصوم والكفارة، إذاً يتمسّك للحكم بمفطّرية المرأة لو أتاها الرجل في دبرها بهذا المفهوم، إذ الجنابة تتحقّق في حقها، وحيث إنّها بعد الفجر على ما هو المفروض فتكون الجنابة في وقت حرام فيثبت عليها شيء، والقدر المتيقن هو المفطّرية بمعنى وجوب القضاء هكذا تمسّك ـ قدّس سرّه ـ وغيره[3].

وفيه: أنّنا لو سلمنا بتحقّق الجنابة في حقّ المفعول به إذا كانت دبراً فيمكن أن يقال: إنّ مفهوم التعليل المذكور جزئي وليس كلياً، ومعه فلا يمكن التمسّك به، فالصحيحة قالت: إنّ الجنابة قد تحقّقت في وقت حلال وهذا نستفيد منه أمراً كلياً وقضية سالبة كلية، وهي أنّ الجنابة متى ما كانت في وقت حلال فلا شيء من دون فرق بين الفاعل والمفعول به، كما لا فرق بين أن يكون الوطء في القبل أو الدبر، كما أنّه لا فرق بين الإنزال وعدمه، وهذا المقدار مُسلّم.

وأمّا إذا كان الوطء في وقت حرام فأقصى ما يستفاد هو أنّه يوجد شيء في بعض الحالات، والقدر المتيقن منه هو الوطء قبلاً، وأمّا أنّه يثبت الشيء في كلّ الحالات، أي حتّى لو كان دبراً، وحتى في حقّ المرأة المفعول بها فأمر لا يمكن استفادته.

وإن شئت قلت: إنّ المفهوم يستفاد منه نقيض ما يستفاد من المنطوق، وحيث إنّ المنطوق أمر كلي فالمفهوم نقيضه ـ ونقيض السالبة الكلية موجبة جزئية وليست موجبة كلية ـ ولا نحتاج إلى هذا التطويل والتشبث بالمصطلحات التي قد تبعدنا أحياناً عن فهم المطلب بشكل سريع، ويكفينا كون ذلك أمراً عرفياً، فلا نفهم ـ بما أنّا من العرف ـ أنّ كلّ جنابة في الوقت الحرام توجب شيئاً، نعم هي لابدّ وأن توجب شيئاً في الجملة، وأمّا في كلّ الحالات فلا يُفهم، فيُقتصر على القدر المتيقن، وهو الوطء قبلاً وفي حقّ الرجل.

التقريب الثاني: التمسّك برواية المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً»[4]، بتقريب أن ثبوت الكفارة يفهم منه عرفاً الحرمة والإفطار.

وفيه: أنّ الدلالة وإن كانت قريبة ووجيهة، ولكن الإشكال في السند إذ رواها الشيخ الكليني عن علي بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الله بن حمّاد، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام، وجميع أفراد السند يمكن الحكم بوثاقتهم عدا إبراهيم بن إسحاق، فأنّه قد ضعّفه الشيخ والنجاشي.

هذا مضافاً إلى أنّ الرواية المذكورة معارضة بالرواية التي أشرنا إليها في نهاية النقطة السابقة، حيث ورد فيها: الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة، قال: «لا ينقض صومها وليس عليها غسل»[5]، والمناسب كون هذه مُخصِّصة لرواية المفضّل بن عمر؛ لأنّها مختصة بالوطء في الدبر وتلك مطلقة فتكون مخصِّصة لها، وبذلك لا يثبت تعميم المفطّرية لحالة الوطء في الدبر بالنسبة للمرأة، وعليه فتعميم الحكم بالمفطّرية لحالة الوطء في الدبر بلحاظ المرأة أمر مشكل، ولكن يبقى الاحتياط في الفتوى أمراً لابدّ من مراعاته بعد دعوى عدم الخلاف في المسألة كما أشار إلى ذلك الشيخ الهمداني[6] أو الإجماع المركب كما ادّعاه الشيخ النراقي[7] أو إجماع الإمامية كما ادّعاه المحقّق الحلّي في (المعتبر) حيث قال ما نصه: (إنّ سندها ضعيف لكن علمائنا ادعوا على ذلك إجماع الإمامية فيجب العمل بها، وتعلم نسبة الفتوى للأئمّة ـ عليهم السلام ـ باشتهارها). هذا كلّه بالنسبة إلى الوطء دبراً.

وأمّا الوطء قبلاً ـ بمعنى أنّ الرجل لو وطء المرأة في قبلها فهل ينتقض بذلك صومها؟ فلم يتعّرض إليه الفقهاء في مقام الاستدلال باعتبار وضوحه وبداهته وخصصوا الكلام بالوطء دبراً إمّا لعدم احتمال الفرق أو للأولوية.

ولو لاحظنا الروايات السابقة لم نجد ما يمكن استفادة التعميم منه بلحاظ المرأة،ولكن المسألة كما ذكرنا متفق عليها بل لم يتطرق إليها بالحديث لشدة وضوح حكمها، ولكن إذا أردنا الاستدلال العلمي عليها فكيف ذلك؟

بعد الالتفات إلى أنّ صحيحة القمّاط لم تثبت دلالتها عندنا باعتبار أنّ المفهوم موجبة جزئية والقدر المتيقن منه كما قلناه و الوطء قُبلاً في حقّ الرجل، وعليه فلا يمكن أن يقال إنّها ما دامت مُجنبة وقد تحقّقت الجنابة في حقها فيلزم انتقاض صومها؛ لأنّ جنابتها في وقت حرام إنّ هذا البيان لا يمكن التمسّك به؛ لأنّها وإن كانت مُجنبة ولكن لا يمكن أن يسّتفاد من المفهوم أن كلّ مجنب حتّى المرأة تثبت المفطّرية في حقّه إذا كانت جنابته في وقت حرام، أنّه بعد الالتفات إلى هذا كيف نستدل على تعميم المفطّرية؟

يمكن أن يقال: إنّ المسألة بما أنّها عامة البلوى فلابدّ وأن يكون حكمها واضحاً للتناسب بين شدة الابتلاء بالمسألة ووضوح حكمها، فكلما اشتد الابتلاء بالمسألة كلما لزم أن يكون حكمها أوضح، وفي المقام نقول لا وضوح في اختصاص المفطّرية بالرجل بل الأمر بالعكس اتضح التعميم بين الفقهاء ولم يُعرف الخلاف بينهم في ذلك، وعليه تحصّل للفقيه قناعة كافية على التعميم.

وهذه طريقة جديدة في مقام الاستدلال لا ترجع إلى التمسّك بالإجماع ليقال: إنّه محتمل المدرك أو بالارتكاز ليقال كذا وكذا، بل نقول: متى ما كانت المسألة شديدة الابتلاء فلابدّ أن يكون حكمها واضحاً، وحيث إنّ الاختصاص ليس بواضح بل لم يقل به أحد وكان الوضوح في جانب التعميم فيحصل اطمئنان بل قطع بالتعميم.

________________________

[1] الوسائل 10: 49، أبواب ما يمسك عنه الصائم...، ب 8، ح13.

[2] الوسائل 10: 57، أبواب ما يمسك عنه الصائم...، ب 13، ح1.

[3] مستند العروة الوثقى 1: 109.

[4] الوسائل 10: 56، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 12، ح1.

[5] الوسائل 2: 200، أبواب الجنابة ب 12، ح3.

[6] مصباح الفقيه 14: 372.

[7] مستند الشيعة 10: 239.