جلسة 42

المفطرات

مسألة 983: في إلحاق المضاف بالماء إشكال، والأظهر عدم الإلحاق[1].

المسألة المذكورة وقعت محلاً للخلاف بين الأعلام، فمن قائلٍ بالتخصيص في المطلق ومن قائلٍ بالتعميم، والمناسب هو الثاني أي التعميم، فإننا لو أردنا أن نتكلّم بحسب الدقة العقلية فلابد من التخصيص بالماء المطلق؛ لاحتمال خصوصية له بسببها يتسرب بسرعة إلى المنافذ الموجودة في الرأس، بخلاف المضاف فليست له الخصوصية المذكورة، ولكن ندّعي أنّ الدليل لابد وأن يُفهم على طبق المناسبات العرفية، والعرف لا يفهم خصوصية للماء المطلق، ويرى أنّ ذكر بعض النصوص لعنوان الماء هو من باب كونه الغالب، وهذا كما هو الحال في سائر التعميمات، فمورد النص يكون خاصاً ولكن نحكم بالتعميم تمسكاً بعدم فهم الخصوصية.

ويمكن أن نصوغ هذا بصياغة أكثر فنية ونقول: إنّه قد ذُكر في باب المفاهيم أنّ الوصف إذا كان وارداً مورد الغالب من قبيل قوله تعالى: (وَرَبآئِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِن نِسَآئِكُمُ اللاَتي دَخَلْتُم بِهنَّ) [2]، فلا يُفهم منه التخصيص بمورده، أي الربيبة التي ربيت في الحجر بل يكون الحكم عاماً، وفي المقام نقول ذلك أيضاً، فإنّ الروايات ذات لسانين، ففي أحد اللسانين أطلق النهي عن الارتماس ولم يقيّد بالماء، وفي اللسان الثاني قُيّد بذلك، وحيث إنّ الحالة الغالبة هي أنّ الرمس يكون في الماء المطلق ومن النادر أنّ شخصاً يتحقّق منه الرمس بالمضاف، فذكر قيد الماء يكون وارداً مورد الغالب، وبالتالي لا يثبت له المفهوم ويتمسك آنذاك باطلاق اللسان الأخر ويكون الاطلاق هو المحكم.

إن قلت: أَوَ ليس كل قيد يذكر في لسان الدليل يُفهم ثبوت الخصوصية له؟ كما ذكرنا ذلك بلحاظ رمس الرأس، فقد تقدم أنّ رمس الرأس وحده يكفي في تحقّق المفطّرية بناءً على الحكم بالمفطّرية، ولا يتوقف ذلك على رمس جميع البدن، ودفعنا ما نُسب إلى الشهيد من اعتبار رمس جميع البدن، وقلنا: إنّ ظاهر الروايات التي ذكرت الرأس ثبوت خصوصية له، وبذلك نقيّد سائر الروايات المطلقة، هكذا ذكرنا هناك، ويلزم تعميم هذا البيان إلى المقام أيضاً.

قلت: هناك فرق بين المقامين، فأنّه في ذلك المقام لو لم نكتفِ برمس الرأس وتوقفت المفطّرية على رمس جميع البدن يلزم أن يكون ذكر الرأس لغواً، إذ يكون المهم رمس جميع البدن سواءً تحقّق رمس الرأس بانفراده أم لا، وهذا بخلافه في المقام فأنّ التصريح بذكر الماء لا يلزم منه اللغوية، إذ نحكم أنّ الرمس في الماء بعنوانه يكفي في المفطّرية، غايته يوجد مفطّر آخر، وهو الرمس في المضاف فهناك مفطّران، أحدهما الرمس في الماء، والآخر الرمس في غيره، فذكر قيد الماء لا يلزم منه لغوية بخلافه هناك، فأنّ رمس الرأس إذا لم يكفِ وكانت العبرة برمس جميع البدن كان ذكر الرأس لغواً، وعليه فالمناسب هو التعميم خلافاً للسيد الماتن قدس سرّه.

مسألة 984: إذا ارتمس الصائم عمداً ناوياً للاغتسال، فإن كان ناسياً لصومه صح صومه وغسله، وأما إذا كان ذاكراً فإن كان في شهر رمضان بطل غُسله وصومه، وكذلك الحكم في قضاء شهر رمضان بعد الزوال على الأحوط، وأما في الواجب المعيّن غير شهر رمضان فيبطل صومه بنية الارتماس، والظاهر صحة غُسله إلاّ أنّ الاحتياط لا ينبغي تركه، وأما في غير ذلك من الصوم الواجب أو المستحب فلا ينبغي الإشكال في صحة غُسله وإن بطل صومه[3] .

المسألة المذكورة ناظرة إلى حكم الغُسل الارتماسي، فلو ارتمس الصائم فهل يحكم بصحة غُسله أو لا؟ سواء حكمنا بالمفطّرية أم لا، فالبحث عن صحة الغُسل وعدمها لا يختص بما إذا حكمنا بالمفطّرية بل يكفي في ذلك الحرمة النفسية للغُسل، فإنّه بناءً عليها يأتي هذا البحث، وهو أنّ الغُسل بعد حرمته هل يقع صحيحاً أو لا؟

وفي هذا المجال توجد جملة من الشقوق أشار إليها ـ قدس سرّه ـ في المتن، وهي كالتالي:

الشق الأول: أن يكون المكلّف ناسياً لصومه. وفي مثله يحكم بصحة الغُسل ـ ومن الطبيعي يحكم بصحة الصوم أيضاً؛ لأنّ المفطّرية تختص بصورة العمد ـ باعتبار أنّ حرمة الارتماس تختص بحالة الالتفات، ومع النسيان فلا نهي ليبطل الغُسل.

إن قلت: صحيح لا يوجد نهي عن الغُسل، ولكن مجرد عدم النهي لا يكفي في الحكم بالصحة، بل لابد من وجود الأمر فكيف إذاً نحكم بالصحة؟

قلت: إنّه يوجد أمر مطلق بالغُسل الارتماسي يعم حالة الصوم أيضاً، وذلك الأمر قد قُيّد بغير حالة الصوم، إذ فيها قد نُهي عن الارتماس، ولكن ذلك النهي بما أنّه خاص بحالة الالتفات كسائر النواهي التكليفية فتقيده يكون بهذا المقدار، أي بمقدار حالة الالتفات، وفي غيرها نتمسك بإطلاق الأمر بالغُسل الارتماسي.

الشق الثاني: أن يُفترض التفات المكلّف إلى الصوم، ويُفترض أنّ الصوم من شهر رمضان، ويعتمد المكلّف الارتماس، ولا إشكال آنذاك في بطلان الغُسل والصوم بناءً على المفطّرية.

إن قلت: لِمَ لا يصحح الغُسل بفكرة الترتب؟ كما صححنا الصلاة عند عصيان الأمر بالإزالة.

__________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 264.

[2] النساء: 23.

[3] منهاج الصالحين 1 264.