جلسة 47

المفطرات

وفيه: أنّ ما ذُكر وجيه لو فُرض أنّ الرواية [1] قد اشتملت على فقرة «فعليه صوم شهرين متتابعين» فقط من دون التكملة الواردة فيما بعد، فإنّه آنذاك يمكن أن يقال: إنّ كلمة «فعليه» تدل عل أصل الطلب بلحاظ الأربع، غايته بالنسبة إلى الثلاث الأوائل ورد المرخّص في ترك الكفارة فيحكم العقل بالاستحباب، بينما بلحاظ الرابع لم يرد المرخّص فيحكم العقل بالوجوب ولا يلزم آنذاك محذور فيه، إذ من حق العقل أن يحكم في بعضٍ بالاستحباب لوجود المرخّص في الترك، ويحكم في الباقي بالوجوب لعدم المرخّص.

إنّ هذا كله وجيه لو فُرض أنّ الرواية لم تشتمل على ذيل وتكملة ولكنها قد اشتملت على ذلك، حيث قالت: «فإن ذلك له مفطّر مثل الأكل والشرب والنكاح»، وكلمة مفطّر ظاهرة في المفطّرية الحقيقية، وحينئذٍ إما أن نحافظ على الظهور المذكور بلحاظ جميع الفقرات، وهو أمر غير ممكن، أو نفكك بينها فنحافظ عليه بلحاظ الفقرة الرابعة ونرفع اليد عنه بلحاظ الثلاث الأوائل، وهذا مرفوض عرفاً، إذ هو تفكيك في الظهور الواحد، ولا معنى لتطبيق فكرة حكم العقل هنا لوجود الفارق الواضح بين صيغة الأمر وما شاكلها وبين كلمة «مفطّر» الواردة في الرواية، فصيغة الأمر يمكن أن يقال: هي ظاهرة في الطلب الجامع لا أكثر، وهذا المقدار من الظهور محافظ عليه بلحاظ جميع الفقرات، والتفكيك الحاصل إنما هو بلحاظ ما زاد على ذلك ـ أي: ما زاد عن مدلول اللفظ ـ والزائد هو الوجوب والندب، والتفكيك في حكم العقل بلحاظهما، وليس التفكيك بلحاظ نفس مدلول اللفظ ولذلك كانت مثل هذه الفكرة شيئاً مقبولاً عرفاً، إذ لا تفكيك في مدلول اللفظ.

وهذا بخلافه في المقام، فأنّ كلمة «مفطّر» ظاهرة في المفطّرية الحقيقية وهي المدلول اللفظي، ومعه لو أريد العمل على طبقها بلحاظ الفقرة الأخيرة ورفع اليد عنها بلحاظ الفقرات الأوائل، فيلزم التفكيك في نفس المدلول اللفظي لا في ما زاد عليه.

ولا جواب آنذاك للسيد الخوئي ومن وافقه على المسلك المذكور إلاّ أن يقولوا هذا صحيح، ولكن نعمل بالمدلول اللفظي بلحاظ الفقرة الأخيرة ونرفع اليد عنه بلحاظ الفقرات الأوائل، وهذا لا محذور فيه، وإذا قالوا هكذا، فنقول لهم: إنّ هذا رجوع إلى ما أفاده صاحب (الجواهر) من أنّ رفع اليد عن الظهور في بعض الفقرات لا يستلزم رفع اليد عنه بلحاظ بقية الفقرات، ويردّ عليه ما أوردنا عليه من أنّ المدرك لحجية الظهور هو السيرة العقلائية ولا نجزم بانعقادها على التفكيك المذكور، بل من المحتمل حكم السيرة في أمثال ذلك بالإجمال.

ومن خلال هذا قد اتضح أنّ الإشكال المذكور تام لضعف كلا الجوابين عنه.

الإيراد الثالث: أنّ رواية المروزي لو تمت في نفسها فهي معارضة بموثقة عمرو بن سعيد التي رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن الرضا ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ فقال: «جائز، لا بأس به»، قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال: «لا بأس»[2].

وهذه الموثقة واضحة في الجواز ونفي المفطرية وتعارض رواية المروزي، وبعد المعارضة يتساقطان ونرجع إلى العموم المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة [3] حيث دلت على أنّ غير الثلاثة لا يضر بالصائم، وإطلاق ذلك يشمل الغبار، ولو فُرض أنّ هذه الصحيحة لم تكن كنا نرجع إلى الأصل العملي، وهو يقتضي البراءة إذ نشك في اشتغال الذمة بترك الغبار، أو بتعبير آخر باشتغالها بالقضاء عند وصول الغبار إلى الحلق، وحيث إنّ هذا شك في أصل التكليف فيتمسك بالبراءة. وهذا مطلب سيال يمكن ذكره في كل ما يشك في مفطّريته ووجوب الاجتناب عنه.

لا يقال: إنّ الأصل يقتضي الاشتغال باعتبار أنّ الذمة مشتغلة بعنوان الصوم أو ترك المفطّرات ويشك في فراغها عند ارتكاب المشكوك، فيكون الأصل هو الاشتغال تطبيقاً لقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

فإنّه يقال: إنّ عنوان الصوم أو ترك المفطّرات لم تشتغل به الذمة بما هو، بل بواقعه ونحن نشك في أنّ الواقع الذي اشتغلت به الذمة هل هو ترك تسعة أو ترك عشرة؟ فالاشتغال بترك العاشر مشكوك من الأساس فتجري البراءة عنه.

والنتيجة أنّ الأصل اللفظي والعملي متفقان بحسب النتيجة، وهو نفي المفطّرية.

______________________

[1] الوسائل 10: 69 ـ 70، أبواب ما يمسك عنه الصائم...، ب22، ح1.

[2] الوسائل 10: 70، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب22، ح2.

[3] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب1، ح1.