جلسة 115

كفارة الصوم

ويمكن الجمع بينهما بحمل صحيحة علي بن جعفر على الأفضلية والاستحباب، فالترتيب هو الأفضل وليس متعيناً، كما هو الحال في سائر الموارد التي يُفترض فيها وجود روايتين إحداهما واضحة في الجواز ونفي الوجوب من قبيل: (لا بأس بترك صلاة الليل)، والأُخرى ظاهرة في الوجوب من قبيل: (صلِّ صلاة الليل)، فإنه يحمل ما هو ظاهر في الوجوب على الاستحباب بقرينة الأوّل الذي هو أظهر في نفي الوجوب. وهنا أيضاً كذلك فان صحيحة علي بن جعفر وإن كانت ظاهرة في لزوم الترتيب ولكن صحيحة ابن سنان أظهر في التخيير، فيُتصرف في صحيحة علي بن جعفر بحملها على الأفضلية بقرينة تلك التي هي أظهر.

إن قلتَ: إنّ هناك جمعاً آخر وهو أنْ يُدعى أنّ صحيحة ابن سنان مطلقة فتُقيد وتُحمل على الترتيب بقرينة صحيحة علي بن جعفر، فالأمر يدور بين وجهين للجمع، فإمّا أنْ يُتصرف في صحيحة ابن سنان بقرينة صحيحة علي بن جعفر وتكون النتيجة هي الترتيب، أو يُتصرف في صحيحة علي بن جعفر فتُحمل على الأفضلية بقرينة صحيحة ابن سنان وتكون النتيجة هي التخيير، ولا مرجح للثاني على الأول.

قلتُ: إنّه لو تصرفنا في صحيحة علي بن جعفر وحملناها على الأفضلية فيلزم محذور يمكن الالتزام به، بينما لو تصرفنا في صحيحة ابن سنان فيلزم محذور يصعب الالتزام به، وفي مثله يتعين التصرف الذي يتولد منه محذور يمكن الالتزام به.

فصحيحة علي بن جعفر لو تصرفنا فيها يلزم محذور يمكن الالتزام به، باعتبار أنّ دلالتها على لزوم الترتيب ليست صريحة، وإنما يستفاد منها ذلك بسبب الإطلاق، فالإمام ـ عليه السلام ـ قال: «عليه القضاء وعتق رقبة...» [1]، فمن خلال هذه الفقرة استفدنا تعين ذلك في المرتبة الأُولى وأنّه لا يكفي الإطعام أو الصيام، وليس ذلك إلاّ لأجل الإطلاق، بمعنى أن عليه رقبة سواء صام وأطعم أم لا، فبضم سواء صام وأطعم استفدنا تعيّن عتق الرقبة.

وهكذا بالنسبة إلى صيام شهرين متتابعين، فإنه استفدنا تعيّنه وعدم كفاية الإطعام باعتبار الإطلاق في قوله ـ عليه السلام ـ: «فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين»، أي فإنْ لم يجد العتق فصيام شهرين سواءً أطعم أم لا، فتعيّن الترتيب اُستفيد من الإطلاق، وإلاّ فلا يوجد لفظ واضح أو صريح في لزوم الترتيب، فإنّ قوله ـ عليه السلام ـ: «فإن لم يجد»، فإن لم يستطع... كما يتلاءم مع لزوم الترتيب يتلاءم مع رجحانه واستحبابه، فلو كان الترتيب مستحباً ولم يكن واجباً كان استعمال ذلك وجيهاً أيضاً، ومعه لا يلزم من حمل الصحيحة المذكورة على الأفضلية والاستحباب محذور صعب، إذ أقصى ما يلزم ثلم الإطلاق وعدم الاعتداد به، وهو أمر سهل في مقابل ما سوف يذكر من محذور في المقام.

هذا لو حملنا صحيحة علي بن جعفر على الأفضلية، وأمّا لو أردنا أنْ نحافظ على ظهورها في لزوم الترتيب فلازم ذلك حمل كلمة «أو» المذكورة في صحيحة ابن سنان على التنويع لا على التخيير، فإنّ كلمة «أو» كما أنّها تأتي بمعنى التخيير تأتي أحياناً بمعنى التنويع، كما في قول النحاة: الكلمة اسم، أو فعل، أو حرف... فإنّهم لا يقصدون بذلك التخيير بل التنويع، وفي المقام يلزم ذلك أيضاً، فكلمة «أو» في صحيحة ابن سنان ـ إذا أردنا أنْ نحافظ على ظهور لزوم الترتيب في صحيحة علي بن جعفر ـ يلزم حملها على التنويع، وكأن الإمام يريد أن يقول: أنواع الكفارة ثلاثة: العتق والصيام والإطعام من دون بيان كيفية ثبوتها، وهو مخالف للظاهر جداً إذ لازمه أن الإمام ـ عليه السلام ـ بيّن نصف الحكم وترك النصف الآخر، حيث بيّن أنواع الكفارة وسكت عن بيان وظيفة المكلف تُجاه تلك الأنواع الثلاثة، وهذا مخالف للظاهر، فإنّ ظاهر حال الإمام حينما يُسأل عن حكم أنه يبيّنه بكامله.

ولاتضاح المطلب أكثر نقول: لو فُرض أنّ الإمام سُئل عن الكفارة في إفطار شهر رمضان، فأجاب هكذا: إنّ هناك أنواعاً ثلاثة للكفارة: عتق وصيام وإطعام تختلف باختلاف المقامات والأشخاص وسكت، فهل ترى ذلك بياناً كافياً للحكم؟ أو أنه يبقى الحكم محاطاً ببعض الغموض مما يجعل السائل في حيرة من أمره ويأخذ بالاستيضاح من الإمام ـ عليه السلام ـ أكثر؟ ولا شك أنّ السائل سوف يطلب من الإمام ـ عليه السلام ـ جواباً تفصيلياً لما ذكره عليه السلام، بينما نلاحظ أنّ ابن سنان سكت فيظهر من ذلك أنّه استفاد تمام الحكم.

إذن حمل «أو»على التنويع مخالف للظاهر من هذه الناحية، كما أنّه مخالف للظاهر من ناحية أخرى، إذ ظاهر صحيحة ابن سنان أنّ ما ذكر من الكفارة هو وظيفة الشخص الواحد وفي حالة واحدة معينة، حيث ورد في الصحيحة المذكورة: رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر... فقد فرض ذلك الرجل واحداً ولم يفترض أنّ له حالات مختلفة.

وبالجملة، حمل كلمة «أو» على التنويع مخالف للظاهر جداً، بخلاف حمل صحيحة علي بن جعفر على الأفضلية، فإنّه لا يلزم منه محذور مخالفة الظاهر بتلك الدرجة، وكلما دار الأمر بين مخالفتين للظاهر، إحداهما صعبة لا يمكن الالتزام بها، واُخرى هيّنة يمكن الالتزام بها، تعيّن التصرف الذي يلزم منه مخالفة هيّنة.

___________________________

[1] الوسائل 10: 48، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح9.