32/04/27


تحمیل

 ويمكن ان يقال إن بعض الروايات دل على أن الواجب هو كف من طعام او كف من تمر وبعض آخر دل على أن الواجب كف او كفين وبعض ثالث دل على انه لا يجب شيء ، هذه عناوين الروايات ، وبعد أن نستعرضها سوف نتحدث عن كيفية العلاج والجمع .

 أما ما دل على أن الواجب كف من طعام فهو من قبيل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده )[1]

 ودلالتها واضحة في أن الواجب إطعام كف لمسكين ، فان قوله عليه السلام ( في يده ) يراد منه أن يطعم بمقدار يده مسكينا ، والرواية صحيحة السند .

ومن باب القضية الجانبية

:- إن الحلبي لا يبعد أن يراد منه محمد بن علي الحلبي، ولكن هذا لا يؤثر- فسواءً اريد منه هذا او عمران الحلبي او عبيد بن علي الحلبي - بعد مقالة النجاشي حيث ذكر في كتابه ( الحلبيون بيت معروف في الكوفة كلهم ثقاة )، إن هذا توثيق لهم جميعا، فعدم تشخيصه بكونه أي احد منهم ليس بمهم.

 ومن هذا القبيل صحيحة معاوية بن عمار ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام المحرم يعبث بلحيته فتسقط الشعرة والثنتان ، قال ؛ يطعم مسكينا )[2] ، وهي لا تنافي ما تقدم فإنها مطلقة فتحمل على ما أفيد في الرواية السابقة .

 ولعل من هذا القبيل صحيحة هشام بن سالم ( قال أبو عبد الله عليه السلام إذا وضع أحدكم يده على رأسه او لحيته وهو محرم فسقط شيء من الشعر فليتصدق بكف من طعام او بكف من سويق)[3] ، ورواها الصدوق ( بكف من كعك او سويق ) ، وعلى أي حال هذا لا ينافي ما سبق أيضا .

 ولعل من ذلك أيضا رواية الحسن بن هارون ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أولع بلحيتي وانأ محرم فتسقط الشعرات ، قال : إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به فان تمرة خير من شعرة )[4] والظاهر أنها لا تنافي ما سبق أيضا فان درهما من تمر لا يبعد أن يكون مصداقا لكف من طعام ، فالجمع ممكن ولا منافاة .

 وهي من حيث السند هكذا ( محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الله الكناني عن إسحاق بن عمار عن إسماعيل الجعفي عن الحسن بن هارون

) ، وسند الشيخ إلى موسى بن القاسم البجلي صحيح كما ورد في رجاله او الفهرست وموسى بن القاسم من مفاخر أصحابنا ، وإسحاق بن عمار والجعفي يمكن توثيقهما ، وإنما المشكلة في الكناني وابن هارون فإنهما لم يذكرا بتوثيق ولذلك عبرنا بأنها رواية ، ولا يضر ضعف سندها فإنها ليست لها أهمية في مجال بحثنا .

 وأما ما دل على أن الواجب كف او كفان فهو رواية منصورعن أبي عبد الله عليه السلام ( المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة ، قال : يطعم كفا من طعام او كفين ) [5] .

 وحيث قرأنا في علم الأصول إن التخيير بين الأقل والأكثر شيء غير معقول ، لأنه بمجرد الإتيان بالأقل فقد تحقق الواجب وسقط الوجوب ولا يبقى الأكثر على صفة الوجوب ، بل لابد من حمله على الاستحباب ، فهنا ينبغي أن يكون الأمر كذلك أي يحمل الكف على الوجوب والزائد على الاستحباب وبالتالي لا تكون هذه الرواية معارضة لما سبق ، إضافة إلى أنها ليست تامة سندا فسندها هو ( محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي سعيد عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام

) وسند الشيخ إلى الحسين بن سعيد الاهوازي صحيح ونفس الحسين بن سعيد الاهوازي وأخوه الحسن ثقتان جليلان ، وصفوان من أجلة أصحابنا ، وأما منصور في هذه الطبقة أي طبقة الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام - فهو مردد بين منصور بن حازم وبين منصور بن يونس وكلاما ثقتان ، نعم ربما يوجد منصور آخر وهو غير ثقة ولكن في هذه الطبقة هو مردد بين هذين او أكثر ولكن الكل ثقاة .

 وإنما المشكلة في أبي سعيد ، والسؤال من هو هذا الرجل ؟

 وهنا يمكن التشخيص من خلال ملاحظة الراوي أي صفوان والمروي عنه أي منصور وإذا رجعنا إلى ترجمة صفوان وجدنا أن من جملة من يروي عنهم أبا سعيد المكاري ، وعليه يحصل الاطمئنان بكون المقصود هنا هو هذا الرجل وإذا رجعنا إلى ترجمته تحت عنوان ( هاشم بن حيان ) - الذي هو اسمه وقد ترجمه النجاشي بهذا الاسم ( هاشم بن حيان أبو سعيد المكاري ) ولم يذكر له توثيقا ، نعم ذكر أنه وولده من وجوه الواقفة ، وهل هذا يدل على التوثيق ؟

 يشكل ذلك ، انه لو كان يعبر بأنهم من وجوه أصحابنا أمكن التوثيق وان أشكل بعض في ذلك أما بهذا التعبير فلا يمكن أن نستفيد التوثيق

مطلب جانبي

:- وربما يراجع شخص بعض الكتب كدراية الشهيد الثاني مثلا او غيره ويراه قد ذكر مثلا أن مثل هذا التعبير توثيق ، او انه ليس بتوثيق ، فيجعل الطالب هذا القول مستندا فيقول ؛ إن النجاشي قال هو من وجوه الواقفة والشهيد الثاني قال انه نستفيد من هذا انه ثقة فيحكم بكونه ثقة . وهذه طريقة غير صحيحة ، ولماذا ؟ وذلك باعتبار أن هذا استظهار من الشهيد الثاني ، واستظهار كل شخص يكون حجة على نفسه ، ولا يصح التقليد في هذا المجال فلا بد أن يكون لنفس الشخص استظهار . وعليه فلا بد من الالتفات إلى هذا. نعم يمكن أن تجعل رأي الشهيد الثاني مؤيدا لاستظهارك .

 إذن أبا سعيد لا يبعد كونه هو المكاري ولم يذكر النجاشي سوى انه من الواقفة وهذا التعبير لا نستفيد منه التوثيق ، فالرواية يمكن أن يقال أنها ساقطة عن الاعتبار من جهة سعيد المكاري .

 نعم من بنى على كبرى وثاقة من روى عنه الثلاثة أي صفوان والبزنطي وابن عمير، الذين قال عنهم الشيخ الطوسي أنهم لا يرسلون ولا يروون إلا عن ثقة - كما نميل نحن إلى ذلك فتثبت وثاقة المكاري ، وعليه يمكن تصحيح سند هذه الرواية ، ولكنها لا تنفعنا كثيرا لأنها لا تتنافى مع الطائفة الأولى .

 وهناك رواية أخرى للشيخ الصدوق نقلها الحر العاملي بقوله ( قال الصدوق :- وفي خبر آخر مد من طعام او كفين )[6]

 وهي لا تتنافى من حيث الدلالة مع مضمون الطائفة الأولى لحمل الكفين او المد من طعام على الاستحباب كما اشرنا ، على أن الرواية مرسلة فتكون ساقطة عن الاعتبار إلا على بعض المباني .

والملخص من كل هذا

:- انه توجد طائفة تدل على أن الواجب في الكفارة كف من طعام ، وفي مقابل هذا توجد طائفة ثالثة وانه تنفي الكفارة وانه لا شيء عليه وهي روايتان :-

الأولى :- ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن جعفر بن بشير والمفضل بن عمر قال ( دخل النباحي النباجي على أبي عبد الله عليه السلام فقال؛ ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان ؟ فقال أبو عبد الله : لو مسست لحيتي فسقط عشر شعرات ما كان علي شيء )[7] .

والثانية :- ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن ليث المرادي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يتناول لحيته وهو محرم فيعبث بها فينتف منها الطاقات[8] يبقى في يده خطأً او عمداً ، فقال : لا يضره )[9]

[1] الوسائل 13 173 ب16 من بقية كفارات الإحرام ح9

[2] المصدر السابق ح2

[3] والسويق هو الطحين المصدر السابق ح5

[4] المصدر السابق ح4

[5] المصدر السابق ح1

[6] المصدر السابق ح3

[7] المصدر السابق ح7 .

[8] الطاقات وهي الشعرة مع البصيلة او بدونها.

[9] المصدر السابق ح8 .