32/05/19


تحمیل

 مسألة 263 :- يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد ، والأولى تركه .

 هذه المسالة ترتبط بما سبق ، فقد ذكرنا سابقاً ان المحرم لا يجوز له ان يستر رأسه لروايات متعددة منها صحيحة ابن ميمون ( إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه ) انه بعدما فرغنا عن هذا فيما سبق نتساءل هنا : هل ان الحرمة تعم ما إذا أراد المحرم ان يضع يده على رأسه ؟ ان هذه المسالة تبحث عن ذلك .

وهي تتضمن نقطتين :-

النقطة الأولى :- ان ذلك جائز وليس حراماً .

والنقطة الثانية :- ان ذلك وان كان جائزاً إلا ان الأولى تركه .

والمهم هو النقطة الأولى :- وقد ذكر في الجواهر[1] عن شيخ الطائفة والعلامة أنهما ذهبا إلى الجواز أي جواز ستر المحرم رأسه بيده . انتهى.

 وهذا هو المناسب ويمكن الاستدلال لذلك بوجهين :-

الوجه الأول :- التمسك بالبراءة بعد ضم فكرة القصور في المقتضي وذلك ببيان :- إنا إذا رجعنا إلى الروايات في المسألة السابقة وجدنا ان بعضها وارد في الخمار والبعض الآخر في القناع وما شاكل ذلك ، وهذه العناوين لا تصدق على المورد كما ترى اعني وضع اليد على الرأس .

 اللهم إلا إذا جزمنا بعدم الخصوصية أو كانت مناسبات الحكم والموضوع تقتضي التعدي ، وهي لمثل و ضع اليد على الرأس لا تقتضي ذلك .

 نعم هناك رواية واحدة يمكن ان يدعى الإطلاق فيها وهي صحيحة ابن ميمون - اعني الرواية الأولى من الروايات السابقة - حيث جاء فيها ( المحرمة لا تتنقب لان إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه ) ان قوله عليه السلام ( ان حرام الرجل في رأسه ) قد يفهم منه الإطلاق وان الرأس يلزم ان يكون بارزاً ولا يجوز ستره حتى بمثل وضع اليد ، ان أحسن الروايات التي يمكن التمسك بها لا ثبات تمامية المقتضي هي هذه الرواية .

ولكن يمكن ان يجاب ويقال :- ان المستفاد من هذه الرواية ان الرأس لا يجوز ستره وتغطيته بل يجب إبرازه ان هذا شيء مقبول ، فان المدلول المطابقي أو الكنائي لهذه الجملة هو ذلك - أي لزوم إبراز الرأس - ولكن كيف نثبت التعميم الى جميع أنحاء الساتر بحيث نقول ان جميع أنحاء الساتر لا تجوز سواء كان الساتر هو الثوب أو الخمار أو مثل الطين وما شاكل ذلك ، ان مثل هذا التعميم لا يمكن ان نستفيد منه الإطلاق إذ لا يوجد مفهوم عرفي معين يتمسك بإطلاقه وإنما غاية ما يفهم ان الستر لا يجوز ، أما التعميم إلى أنحاء الساتر فهذا يحتاج إلى الجزم بعدم الخصوصية أو مناسبات الحكم والموضوع وهما يقتضيان التعميم لمثل الثوب والقناع والطين وما شاكل ذلك ، أما لمثل وضع اليد على الرأس فلا جزم بعدم الخصوصية من هذه الناحية ، كما ان مناسبات الحكم والموضوع لا يمكن تحكيمها .

 وعليه فالمقتضي قاصر حتى بلحاظ هذه الصحيحة ، وعليه لا يعود مانع من الرجوع إلى البراءة والتمسك بها .

الوجه الثاني :- لو تنزلنا وسلمنا ان المقتضي للتعميم تام ، ولكن يوجد مخصص ومانع وهو صحيحة معاوية بن عمار التي ذكرناها تحت رقم (6) من الروايات السابقة ( لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ولا باس ان يستر بعض جسده ببعض )[2] انه بناءاً على تمامية المقتضي تكون هذه الرواية مانعاً عن التمسك به ودالة على الجواز - أي جواز ستر الرأس باليد - كما هو واضح .

 ومن الغريب ما نقله صاحب الحدائق[3] عن بعض مشايخه في حاشية له على المدارك ، حيث ذكر ان هذه الصحيحة لا تدل على المطلوب ، إذ هي قالت ( لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه على وجهه ) وكلامنا ليس في ستر الوجه وإنما في ستر الرأس . هذا ما نقله صاحب الحدائق .

 ثم نقل عنه أيضا في حاشية أخرى له ، انه يمكن التمسك للحرمة - أي لحرمة الستر باليد بروايتين :-

الأولى :- ما رواه الصدوق بإسناده عن سعيد الأعرج ( انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده ؟ قال : لا ، إلا من علة )[4] . وأنا أقول فالإمام عليه السلام سئل عن التستر بالعود أو اليد فقال ( لا ) يعني لا يجوز إلا في حالة الضرورة وأشار إلى الضرورة بقوله ( إلا من علة )

والثانية :- ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن سماعة ( انه سئل عليه السلام عن المحرمة تلبس الحرير ؟ فقال لا يصلح ان تلبس حريراً محضاً ...... وان مر بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها من الشمس ..... )[5] فإنها ذكرت وقالت ( ولا تستتر بيدها من الشمس ) ونحن نقول : هي وان كانت واردة في المرأة ودلت على انه لا يجوز ان تستر وجهها بيدها من الشمس ، ولكن لا خصوصية من هذه الناحية ، فالرجل أيضا لا يجوز له ان يستر رأسه من الشمس بيده . انتهى

 إذن هذا الشيخ ذكر مطلبين :-

الأول :- ان صحيحة معاوية لا تدل على جواز ستر المحرم رأسه بيده إذ هي ناظرة إلى ستر الوجه والكلام في ستر الرأس

والثاني :- انه يمكن إثبات الحرمة حرمة ستر الرأس باليد بهاتين الروايتين

وكلا المطلبين قابلان للمناقشة :-

أما الأول فواضح :- إذ مورد الاستشهاد ليس هو الصدر ، أعني قوله عليه السلام ( لا باس بأن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ) حتى يقول ان هذا وارد في ستر الوجه وليس في ستر الرأس ، وإنما موضع الاستشهاد هو الذيل أعني قوله عليه السلام ( ولا باس بأن يستر بعض جسده ببعض ) .

وأما المطلب الثاني :- أعني الروايتين - فيمكن الإشكال عليهما ، باعتبار أنهما ناظرتان إلى مسالة التظليل وليس إلى مسالة ستر الرأس ، فانه يوجد محرّمان على المحرم احدهما التظليل والآخر ستر الرأس ، فلو فرض ان شخصاً ركب سيارة مسقوفة فهو قد ظلل ، ولا يصدق عليه انه ستر رأسه إذ هو مكشوف الرأس كما هو واضح ، وتجتمعان أحيانا كما لو ركب السيارة ووضع على رأسه قلنسوة أو ما شاكل ذلك وهاتان الروايتان ناظرتان إلى مسالة التظليل من الشمس وليس إلى مسالة التستر ، فلاحظ حيث قالت الأولى ( عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده ) والمقصود هو ان يظلل بيده لا انه يضع يده على رأسه بالمباشرة ، وهكذا الرواية الثانية قالت ( ولا تستتر بيدها من الشمس ) يعني تجعل اليد حاجباً عن أشعة الشمس .

 إذن الروايتان ناظرتان إلى مسالة التظليل وانه لا يجوز حتى بمثل اليد .

 ومع التنزل نقول هما مجملتان فيحتمل أنهما ناظرتان إلى مسالة التظليل كما يحتمل أنهما ناظرتان إلى مسالة التستر ، ومعه فلا يمكن إثبات حرمة التستر باليد من خلال هاتين الروايتين .

 ومع التنزل هما معارضتان أي هما واردتان في خصوص التستر بصحيحة معاوية بن عمار فإنها قالت ( ولا بأس بأن يستر المحرم بعض جسده ببعض ) والقدر المتيقن من ذلك هو الستر باليد .

 ومعه يلزم حمل الروايتين على الكراهة - أي كراهة ستر الرأس باليد - بقرينة التصريح بالجواز في صحيحة معاوية بن عمار .

 وعليه تكون النتيجة هي جواز ستر المحرم رأسه بيده دون أي إشكال .

 بقي شيء وهو ان صاحب الجواهر نقل ان الأصحاب استدلوا على الجواز ببعض الأدلة من قبيل ان وضع اليد على الرأس لا يصدق عليه عنوان ستر الرأس وان المحرم ستر رأسه أو تستر ، ان هذا لا يصدق ، ولذا ترى انه في باب الصلاة ذكر الفقهاء ان المصلي لو وضع يده على عورته وسترها بيده قالوا لا يكفي ذلك ، وليس الوجه إلا من جهة ان عنوان الستر لا يصدق بوضع اليد وإنما الستر يصدق من خلال الوسائل الأخرى كالثوب والطين أو ما شاكل ذلك . هذا ما نقله عن بعض الأصحاب

 ونقل أيضا انه استدل بأن المحرم يجوز له ان يتوضأ وفي الوضوء يلزم ان يضع يده على رأسه فالوضوء لازم للمحرم وهذا يدل على جواز ستر الرأس باليد.

  وأيضا نقل عن بعض أنه استدل بجواز حك الرأس ، فانه ورد في بعض الروايات في ان المحرم يجوز له ان يحك رأسه بيده من قبيل صحيحة معاوية ( سالت أبا عبد الله عن المحرم كيف يحك رأسه ؟ قال : بأضافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر )[6]

ومناقشة هذه الوجوه الثلاثة واضح :-

أما الأول :- فباعتبار انه يتم لو فرض ان الروايات منعت من عنوان ستر الرأس ، والحال انه لا يوجد فيها العنوان المذكور - يعني لم تدل الروايات على ان ستر الرأس لا يجوز - حتى يقال انه لا يصدق بوضع اليد على الرأس ، بل لو رجعنا إليها وجدناها تقول ( وإحرام الرجل في رأسه ) ، وهذا قد يتمسك به كشاهد على العكس وانه لا يجوز الستر باليد إذ معنى ( إحرام الرجل في رأسه ) هو انه يلزم إبرازه . ولكن أجبنا عن ذلك بما تقدم .

 وعلى أي حال ان عنوان الستر ليس ملحوظاً في الروايات حتى يدقق من هذه الناحية ويقال ان الستر لا يصدق عند وضع اليد على الرأس .

وأما الثاني :- أعني المسح عند الوضوء فواضح - إذ يقال ان هذا بمثابة المخصص ، فوضع اليد على الرأس لا يجوز إلا في حالة الوضوء فان المسلمين يتوضئون حالة الإحرام ولا يحتمل احد ان الوضوء يسقط أو ان المسح على الرأس يسقط أو ما شاكل ذلك .

 إذن غاية ما يستفاد من هذا الوجه هو جواز وضع اليد حالة الوضوء لا مطلقاً

وأما الثالث :- أعني الحك - فأيضاً يلزم الاقتصار على مورده ، فانه عند الحك يجوز ان يضع يده على رأسه ، أما إذا لم يقصد المحرم حك رأسه فلا يثبت الجواز بهذه الرواية . هذا كله في النقطة الأولى .

وأما النقطة الثانية :- أعني الأولى الترك - فقد اتضح وجه ذلك حيث يحتمل شمول صحيحة ابن ميمون التي قالت ( وإحرام الرجل في رأسه ) لستر الرأس باليد.

 وهكذا وردت روايتان نقلهما الشيخ الصدوق أحداهما عن سعيد الأعرج والأخرى عن سماعة ، فانه يحتمل كونهما ناظرتين إلى ستر الرأس ، فلأجل وجود هذا الاحتمال يكون الأولى هو الترك كما هو واضح

[1] الجواهر 18 - 386

[2] الوسائل 12 524 -67 تروك الإحرام ح3

[3] الحدائق 15 - 491

[4] الوسائل 12 - 525 67 تروك الإحرام ح2

[5] الوسائل 12 368 -33 أبواب الإحرام ح7

[6] الوسائل 12 - 533-73 تروك الإحرام ح1