36/02/10


تحمیل
الموضـوع:- تتمة مسألة ( 440 )، مسألة ( 441 ) - أحكام المصدود.
تلخيصٌ وإيضاحٌ لما تقدّم في المسألة:- هناك بعض الأمور التي هي إمّا تلخيصٌ لما تقدّم أو هي توضيحٌ نذكرها كما يلي:-
الأمر الأوّل:- إنّ مسالة المصدود عن الحجّ كانت مطوّلة ولأجل ذلك قد يصعب هضمها والسيطرة عليها ونلخّص ما جاء فيها كما يلي:-
إنّ حكم المصدود متى ما انطبق على موردٍ فيلازمه عدم إجزاء العمل المأتي به وإذا لم ينطبق وجازت النيابة أو التصدّي بالمباشرة فلازم ذلك الإجزاء.
وبناءً على هذا نقول:- إنّ الحالات التي أشرنا إليها في المسالة كانت ثلاثاً، والحالة الاولى الحالة الثانية وهكذا الثالثة كانت تنقسم إلى شقّين، وقد حكم(قده) بثبوت حكم الصدّ الذي لازمه عدم الاجزاء في ثلاثة موارد، الأوّل في الحالة الأولى - يعني إذا صُدَّ عن أصل دخول مكة أو عن الموقفين فإنه القدر المتيقّن كما قلنا من دليل الصد -، والمورد الثاني هو الحالة الثانية بشقها الأوّل - يعني إذا منع من الطواف والسعي ولم يمكنه النيابة فهنا ينطبق عنوان الصد ولا يجزي عمله -، والمورد الثالث وهو الذي كان مورد خلاف بيننا وبينه هو الحالة الثانية بشقها الثاني - أعني ما إذا فرض أنّه منع من الطواف والسعي وكان بإمكانه النيابة فإنّه بناءً على رأيه يفصّل بين ما إذا كان داخل مكة ومنع من الطواف والسعي فتجوز له النيابة ويجزي حجّه ولا صدَّ وبين ما إذا كان خارجها فلا يشمله دليل النيابة وبالتالي ينطبّق عليه حكم الصدّ ولا يجزي عمله، بينما نحن حكمنا بالإجزاء سواءً كان الشخص داخل مكة أو خارجها إن كان بإمكانه النيابة - .
وعلى أيّ حال يحكم في هذه الموارد الثلاثة - أو في الموردين على الخلاف بيننا وبينه - بعدم الإجزاء يعني بتحقّق الصدُّ، وما سوى ذلك يحكم بالإجزاء وعدم الصدّ.
الأمر الثاني:- ذكرنا أنّه متى ما انطبق عنوان الصدّ لازَمَ ذلك عدم الإجزاء:
وقد يقول قائل:- إنّ هذا يتمّ في المورد الأوّل من الموارد الثلاثة - أو الاثنين على الخلاف بيننا وبيه(قده) - من موارد الصدّ أعني ما إذا منع من الموقفين أو خصوص المشعر فهنا الحكم بعدم الإجزاء يكون وجيهاً أما فيما عدى ذلك كما إذا منع من الطواف والسعي ولم يكن بإمكانه النيابة فإنّا اتفقنا معه على عدم الإجزاء وعليه تطبيق حكم الصدّ، وقد يقول القائل بأنّ المناسب هو الحكم بالإجزاء والوجه في ذلك هو صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج )[1] فإنها دلّت على أنّ من أدرك الموقف الثاني - أعني المزدلفة - فقد أدرك الحجّ، وفي المورد الأوّل حيث لم يتحقّق ذلك فالحكم بعدم الإجزاء يكون مناسباً، وأما في المورد الثاني - أعني ما إذا منع من الطواف والسعي ولم يكن بإمكانه النيابة والذي هو مورد اتفقنا فيه مع السيد الخوئي بعدم الإجزاء – فالمناسب هو الحكم بالإجزاء إذ المكلف قد أدرك جمعاً بل قد أدرك كِلا الموقفين غايته أنّه مُنِعَ من الطواف والسعي ومقتضى هذه الرواية الحكم بالاجزاء لأنها قالت:- ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج) !!
والجواب:- إنّ المقصود من هذه الرواية ليس هو أنّ من تحقّق منه الوقوف في المشعر ولو وحده فقد تحقّق بذلك الحج، أمّا في حالة العمد فواضحٌ - يعني بحيث يترك المكلف بقيّة واجبات الحج ويقف في المشعر الحرام فقط فهذا واضحٌ أنّه باطلٌ ولا يمكن التفوّه به -، بل حتى في غير حالة العمد أيضاً يمكن أن يقال ببطلان الحج، وإنما المقصود هو بالقياس إلى من فاته موقف عرفة بحيث ضاق عليه الوقت والناس قد ذهبوا إلى الموقف، فالرواية تريد أن تقول إنّه مادمت قد أدركت المشعر وإن فاتك موقف عرفة فحجّك صحيحٌ، وعلى هذا الأساس تكون الرواية أجنبيّة عن هذا المورد وإنّما هي بصدد من ضاق عليه الوقت فإنّه يكفيه إدراك المشعر الحرام.
إذن لا نستفيد الإجزاء من هذه الرواية في حقّ من أدرك الموقفين ولكن فاتته بعض الأجزاء الواجبة من الحجّ بل نبقى نحن والقاعدة بعد فرض أنّ دليل الصدّ يقول يجوز لك أن تتحلّل بذبح الهدي في مكانك أمّا حيثية الإجزاء فهو ساكتٌ عنها فنذهب إلى مقتضى القاعدة وهي تقتضي أنّه مادام قد ترك جزءاً واجباً ولم يؤتَ بالواجب بكامله فإجزاءُ الناقصِ عن الكاملِ يحتاج إلى دليلٍ وحيث لا دليل فيحكم بعدم الإجزاء، ويترتب على ذلك أنّ المكلف يلزمه أن يحافظ على الاستطاعة إلى السنة الثانية أو الثالثة إن لم يمكن في الثانية .... وهكذا، نعم إذا ذهبت الاستطاعة بشكلٍ قهريّ أو لضرورةٍ كما إذا سُرِقَ المالُ أو احتاج إلى علاجٍ لنفسه أو لزوجته أو لأحد المنتسبين له وإذا لم يصرف هذا المال في العلاج فسوف يقع في الحرج فيوجد عندنا دليل ( لا حرج ) فحينئذ يجوز له صرف مال الاستطاعة في هذه القضيّة وبالتالي لا يجب عليه الحجّ في السنة الثانية إلا إذا فرض أن الحجّ قد استقر في ذمته من سنواتٍ سابقةٍ فتجب عليه آنذاك الاستدانة والحجّ ولو تسكعاً .
وبهذا أوضحنا المسألة التالية بتمامها وسوف نقرأها فقط ونصّها:- ( مسألة 441:- المصدود من الحجّ لا يسقط عنه الحجّ بالهدي المزبور بل يجب عليه الاتيان به في القابل إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحجّ مستقراً ).[2]
الأمر الثالث:- إنّ هذه المسالة مطوّلة والاختصار في المسائل في بعض الموارد مطلوبٌ وإذا كانت هناك بعض الفروض ليست محلّ ابتلاء المكلف عادةً فالأنسب حذفها، فالمناسب حذف فرض حالة عدم التمكن من النيابة وبذلك سوف تصير المسألة أخصر بأن يقال هكذا:- ( المصدود عن الموقفين أو عن خصوص المشعر يتحلّل في مكانه بالهدي والأحوط ضمّ الحلق أو القصير ولا يجزي ما أتى به كما سوف يتّضح في المسألة التالية، وأمّا من صُدَّ عن الطواف والسعي فإن كان داخل مكة أناب في الطواف والسعي وتمّ وإن كان خارجها أحلَّ بالهدي لا يجزي ما أتى به - وأما على رأينا نقول أناب مطلقاً وأجزأ عنه -، وأمّا المصدود عن أعمال منى فينيب للذبح والرمي ويحلق في مكانه ويجزي ما أتى به ).
الأمر الرابع:- ذكرا في الحالة الثانية من الحالات الثلاث في أصل المسالة - وهي ما إذا صدَّ عن الطواف والسعي مع إمكان النيابة وقلنا إنّه ينيب - وقد يقول قائل:- قبلنا ذلك في الطواف لروايات المريض والكسير وغيرهما بأنّه يطاف عنهما وتعدّينا من المورد بعد إلغاء الخصوصيّة ولكن كلّ هذا وارد في الطواف ولم يرد في السعي فكيف تثبت جواز النيابة في السعي بعد الالتفات إلى أنّه لا توجد عندنا رواية في السعي فكيف نتعدّى إلى السعي ونثبت جــواز النيــابة فيه ؟
والجواب:- إنّا لا نحتاج إلى روايةٍ خاصّة بلحاظ السعي بل تكفينا روايات الطواف فإنه طوافٌ أيضاً فما دلّ على أنّ الكسير والمريض يطاف به يشمله أيضاً والقرآن الكريم عبَّر وقال:- ﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ﴾ [3]، فالقرن أطلق الطواف فلا داعي إلى التوقّف . فإذن يمكن أن نتمسّك بنفس روايات الطواف لإثبات التعميم.