36/04/27


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
أو يقال:- لو سلّمنا أنّ هذه الرواية مطلقة تشمل الذمّي والمسلم - خلافاً لما ذكره صاحب الوسائل(قده) - ولكن الطائفة الأولى المانعة هي إنّما منعت من بيع الخمر والخنزير بلحاظ خصوص المسلم وما دامت مختصّة بالمسلم وهذه المجوّزة مطلقة فتلك المانعة تقيّد هذه المطلقة وتصير النتيجة هي أنّ الجواز يختصّ بالذمّي إذ المسلم قد خرج بتلك الروايات المانعة فتصير النتيجة بحسب الجمع العرفي هي الحمل على التقييد.
إذن من رفض ذينك التوجيهين يمكنه الأخذ بهذا التوجيه.
والنتيجة:- إنّ صحة بيع الخنزير يختصّ بغير المسلم وأمّا المسلم فباطل.
وعرفنا من خلال ما ذكرناه أيضاً أنّ غاية ما ثبت في حقّ المسلم هو الحرمة الوضعيّة وأمّا الحرمة التكليفية فليست ثابتة إلّا على ما حاوله السيد الخوئي(قده) حيث حاول الاستفادة من كلمة ( إنما ) في عبارة( إنما له أخذ الثمن ) الواردة في الروايات المانعة.
وعلى أي حال الحرمة الوضعيّة هي الثابتة، وبهذا ننهي حديثنا عن المطلب الأوّل من المسألة.
المطلب الثاني:-
وأمّا بالنسبة إلى ما أفاده في المطلب الثاني - من أنّ بطلان المعاملة على هذه العناوين الأربعة لا يختصّ بالبيع بل يعمّ سائر المعاملات فلا يصح جعل أحذ هذه العناوين الأربعة عوضاً في الإجارة كما لا يصحّ جعله مهراً أو ما شاكل ذلك وقد أشار إلى هذا في عبارة المتن بقوله:- ( ولا فرق في الحرمة بين بيعها وشرائها وجعلها أجرة في الاجارة وعوضاً عن العمل في الجعالة ومهراً في النكح وعواً في الطلاق الخلعي )[1] - فيقع الكلام في مستند ذلك بعد الالتفات إلى أنّ النصوص السابقة خاصّة بالبيع فكيف نعمّم البطلان للعناوين الأخرى ؟ ولأجل اختصاص الروايات السابقة بخصوص البيع قد يشكك فقيهٌ في التعميم لسائر المعاملات فتبقى العناوين الأخرى حينئذٍ على طبق القاعدة وهي الجواز، فهي مشمولةٌ لإطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[2]أو غير ذلك.
هذا ولكن قد يذكر في وجه التعميم أحد البيانين التالين:-
البيان الأوّل:- ما أفاده السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم فإنّه حينما ذكر هذا الحكم ذكر معه المستند - وقد خذفه في المنهاج بطبعته الجديدة – وحاصله:- إنّ هذه العناوين الأربعة ليست أموالاً شرعاً وإن كانت أموالاً عرفاً ومادامت ليست أموالاً شرعاً فلا يصحّ أيّ تعامل عليها لأنّ شرط صحّة المعاملة هو المالية الشرعيّة، ونص عبارته:- ( كما لا فرق في الحرمة بين بيعها وشرائها ..... وغير ذلك من الموارد التي يعتبر فيها المال لأنها ليست أموالاً شرعاً وإن كانت أموالاً عرفاً ).
وفيه:- إنّ المعاملة متقوّمة بكون الشيء مالاً عرفاً ولا نحتاج إلى أكثر من ذلك وهو يعترف بأنّها مال عرفاً فيكفي هذا لصحّة البيع.
ثم إنّه لو تنزّلنا وسلّمنا أنّ الماليّة الشرعيّة معتبرة أيضاً في صحّة المعاملة ولكن نقول من أين عرفت هذا بعد الالتفات إلى أنّ الروايات التي منعت إنما منعت من البيع فهي ليست أموال شرعاً من زاوية البيع فنُزّلت شرعاً منزلة غير المال لكن من زاوية البيع أما أكثر من ذلك فلا ؟! فهذا العليل بهذا المقدار قابل للتأمل إلّا أن يقصد ما سوف نشير إليه وهو ليس ببعيد.
البيان الثاني:- إنّ الروايات عبّرت بكملة السحت يعني أن عوض هذه الأمور سحت والسحت هو الحرام ولا شيء ولازم السحتيّة وأنّه لا شيء وحرام هو البطلان في أيّ معاملةٍ كان من دون اختصاصٍ بالبيع.
وفيه:- إنّ الروايات لم تطلق من هذه الناحية فهي لم تقل ( العوض سحتٌ ) فلو كانت تعبّر هكذا فهذا له وجاهة ولكنها قالت ( ثمن الكلب سحت وثمن الميتة سحت ) والثمن كما نعرف هو خاصّ بالبيع وإن لم يكن جزماً فلا أقل احتمالاً فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن، يعني غاية ما نستفيده هو بطلان البيع أما أزيد من ذلك فلا نجزم بصدق الثمن عليه فلا مثبت للبطلان بلحاظ الزائد.
بل نقول أكثر:- وهو أنّه بالنسبة إلى الخنزير لا يوجد في الروايات التعبير بالسحت، فهذا البيان إن تمّ فهو يتمّ في غير الخنزير أمّا بالنسبة له فلم يرد في الروايات التي أشرنا إليها التعبير بالسحت، نعم ربما ورد في بعض روايات تحف العقول أو غيرها ولكن لا عبرة بتلك الروايات.
إذن هذا البيان قابلٌ للمناقشة.
والأجدر أن يقال:- صحيح أنّ الروايات خاصّة بالبيع ولكن العرف يلغي الخصوصيّة من هذه الناحية ويرى أنّ نكتة المنع ليست كامنة في البيع وإنما هي كامنة في ذوات هذه الأشياء، يعني خصوصيّة كون الشيء كلباً أو خنزيراً أو غير ذلك هو الذي أوجب بطلان البيع فالخصوصيّة لهذه الأشياء وليست للبيع بعنوانه فيلغي الخصوصيّة من هذه الناحية، أو بتعبيرٍ آخر إنَّ مقتضى مناسبات الحكم الموضوع المركوزة في أذهان العرف التعميم من هذه الناحية وعدم التخصيص بالبيع، ولعل هذا هو مقصود السيد الحكيم(قده) حينما قال بأنّ هذه ليست بأموالٍ شرعاً يعني أنّه يقصد أنّ المستفاد من النصوص هو أنّ هذه الأشياء لا تقع عوضاً في المعاملة والشرع يلغي عوضيّتها وماليّتها فهو يرى أنّ المعاملة باطلة، وإذا كان هذا هو مقصوده فهو شيء وجيه.
ولكن نقول:- ما ذكرناه من هذا الوجه ليس وجهاً علميّاً وإنما هو وجهٌ وبيانٌ وجدانيّ، فإذا رأيت وجدانك لا يساعد على ما ذكرناه فبها، وإلا فلك الحقّ في التوقف، ولا أقل إذا اردت أن تحتاط فالتعميم تبنيه على الاحتياط الوجوبي وليس على الفتوى.
المطلب الثالث:-
وأمّا ما أفاده في المطلب الثالث - من أنّ غير هذه الأربعة من الأعيان النجسة يجوز التعامل عليها كالدم لأجل التزريق أو العذرة للتسميد أو ما شاكل ذلك يجوز بشرط أن تكون هناك منفعة محلّلة لدى العقلاء وهو ما أشار إليه في عبارة المتن بقوله ( وأما سائر الأعيان النجسة فالظاهر جواز بيعها إذا كانت لها منافع محللة مقصودة كبيع العذرة للتسميد والدم للتزريق وكذا تجوز هبتها والاتجار بها بسائر أنحاء المعاوضات ) – فيوجد سؤالان:-
الأوّل:- ما هو المستند على جواز التعامل بسائر الأعيان النجسة غير الأربعة المتقدّمة ؟
الثاني:- إنّه اشترط أن تكون هناك منفعة محلّلة مقصودة لدى العقلاء فلماذا هذا الاشتراط بعد الالتفات إلى أنّ المنفعة العقلائية المقصودة إذا لم تكن موجودة فغاية ما يترتّب هو أنّه ليس بمالٍ مثلاً ولكن لا يلزم في باب البيع وجود المال كما تقدم ؟
أمّا بالنسبة إلى السؤال الأوّل فجوابة واضح:- حيث نتمسّك بالقاعدة فإن المنع والبطلان هو الذي يحتاج إلى مستند أمّا لماذا هو صحيح فهو لا يحتاج إلى بيانٍ بعد فرض وجود المطلق اللفظي مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[3] أو ما شاكل ذلك فإنه بعد وجود المطلقات اللفظيّة لا نحتاج إلى سؤال عن نكتة الصحّة بل البطلان هو الذي يحتاج إلى إبراز نكتة، نعم لو لم تكن عندنا مطلقات لفظيّة وكان عندنا الأصل العملي فقط الذي يقتضي عدم ترتب الأثر - أي الفساد للاستصحاب البيان المتقدم - فبناءً على هذا سوف تحتاج الصحّة إلى دليل، أما بعد أن فرض وجود إطلاق لفظيّ قد اتفقنا عليه جميعاً وكان مقدّماً على أصل عدم ترتب الأثر - باعتبار أنّ الدليل الاجتهادي مقدّمٌ على الدليل الفقاهتي - فحينئذٍ لا تحتاج الصحّة إلى وجهٍ خاصّ بل تكفينا المطلقات.
وأمّا بالنسبة إلى السؤال الثاني- وهو المهمّ - فوجهه:- إنّه إذا لم تكن هناك منفعة فماذا يترتّب ؟ قد تقول إنّه ليس بمالٍ كما أشرنا ويشترط في البيع المال إمّا لما أفاده الفيّومي في مصباحه من أنّ البيع مبادلة مالٍ بمال، أو لأجل أنّ البيع عرفاً يتقوّم بماليّة العوضين بقطع النظر عن اللغة، أو يقال إنّه إذا لم تكن هناك منفعة مقصودة فالبيع سفهيّ، وجميع هذه النكات لا تصحّ لاعتبار وجود المنفعة المحلّلة المقصودة.
أمّا ما ذكره الفيومي فلِما قلنا من أنّ قول أهل اللغة ليس حجّة علينا والمهمّ هو أنّ العرف يرى أنّ هذا بيعٌ أو ليس ببيع، نعم لو اتفق أهل اللغة على شيءٍ أو اتفق ربعة أو خمسة أو ستة منهم على ذلك[4] فنعم أمّا اللغوي بما هو فليس بحجّة.
وإذا رجعنا إلى العرف فهو أيضا كذلك، يعني هو لا يشترط وجود الماليّة في العوضين، فالشيء الحقير الذي ليست له ماليّة كصورة جدّي مثلاً ليست لها ماليّة عرفاً لأنّ العقلاء لا يتنافسون عليها ولكن لو رأيتها أنا عند شخصٍ فقد أشتريها منه.
أمّا بالنسبة إلى كون المعاملة سفهيّة فلِما قلنا سابقاً من أنّه مع وجود الغرض العقلائي لا تعود المعاملة سفهيّة، فمادام يوجد هدفٌ شخصيٌّ عقلائيٌّ تخرج المعاملة عن السفهية، بل ربما يقال أنّ معاملة السفيه هي التي دلّ الدليل على بطلانها دون المعاملة السفهيّة وإن شككنا نحن في هذا وقلنا إنّ هذا صحيحٌ من جهةٍ ولكن قد يقال بأنَّ الاطلاقات منصرفة إلى المعاملة غير السفهيّة دون السفهيّة خصوصاً على مبنانا في باب الإطلاق فإنَّ المتكلّم لو قال أنا أطلقت لأنّي لا أحتاج إلى التقييد بأن لا تكون المعاملة سفهيّة وهل يوجد عاقلٌ يجري معاملةً سفهيّة حتى أحتاج إلى تقييد ؟!!
فالسيد الخوئي(قده) لا يشترط الماليّة في العوضين ولا يرى أنّ المعاملة السفهيّة باطلة فإذن لماذا يشترط في عبارته وجود المنفعة المحلّلة المقصودة عقلائياً ؟ إنّ هذا محلّ إشكالٍ على مبانيه، نعم من يرى أنّ البيع متقوّم بماليّة العوضين فهذا الاشتراط صحيحٌ، ومن يرى أنّ المعاملة السفهيّة مثلاً باطلة فهذا الاشتراط له مجال فنقول إنَّ هذه المعاملة سفهيّة، أمّا بعد أن فرض أنه لا يبني على هذا ولا ذاك فأخذ هذا القيد يكون بلا وجه.