36/07/22


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وقبل أن نذكر ما هو المناسب في المقام نشير إلى مطلبين:-
المطلب الأوّل:- ربّ قائلٍ يقول هناك جمعٌ عرفيٌّ بين الروايتين وذلك بالحمل على الكراهة، أي حمل الرواية الأولى المانعة التي دلّت على أنّ الأجرة حرام على الكراهة بقرينة الرواية الثانية النافية للبأس فإنّ الثانية قالت ( لا بأس ) ونفي البأس صريحٌ في الجواز ولا يوجد فيه احتمالٌ آخر غير الجواز فهو صريحٌ إذن في الجواز بينما الرواية الأولى قالت ( حرام أجرته ) فنحمل كلمة ( حرام ) بقرينة صراحة الثانية في الجواز على الكراهة.
وفيه:- إنّ هذه الطريقة وإن كانت وجيهة في بعض الموارد إلا أنّها في المقام ليست كذلك فإنّ التعبير بكلمة ( حرام ) لا يبعد عرفاً أنّه يصعب حملها على الكراهة، وقد تأتي لنا بشاهدٍ وتقول إنّه في بعض الروايات استعملت كلمة ( حرام ) في الكراهة، ولكن نقول إنَّ ذلك من باب ضيق الخناق ومورد قضيّةٍ في واقعة، أمّا بشكلٍ عام حمل لفظ ( حرام ) على الكراهة شيءٌ صعب.
المطلب الثاني:- ربّ قائلٍ يقول إنّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من الجمع شيءٌ لا بأس به فإنه قال إنّ الرواية الأولى التي قالت ( حرام أجره ) هي صريحة في حالة الاشتراط وظاهرة في حالة الاتّفاق والصدفة والثانية بالعكس فنأخذ بصريح كلّ واحدةٍ ونطرح ظاهر كلّ واحدةٍ بصريح الأخرى.
ونحن في مقام المناقشة ذكرنا:- أنّ تعبير الروايتين واحدٌ فكيف صارت الأولى صريحة في حالة الاشتراط والثانية صريحة في حالة عدم الاشتراط فإن الأولى قالت:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال:- حرام أجرته ) [1]، والثانية قالت:- ( كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير، قال:- لا بأس )[2]، إنّ هذا تعبيرٌ متقاربٌ لا يمكن إن نقول بأنّ الأولى صريحة في حالة الاشتراط فإنّه شيء صعبٌ كما هو واضح.
ولكن الآن قد يقول قائل:- إنّ هذا وجيهٌ لو فرض أنّ الرواية الأولى هي كما قرأناها، يعني توجد فيها الفاء مع كلمة يباع - أي ( فيباع ) - فإذا فرض أنّ الوارد كان هو بالفاء فمناقشتنا للشيخ الأعظم حينئذٍ تكون تامّة وواردة لأنّ الرواية تقول ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر) يعني صدفةً قد بِيعَ فيه لا أنّها قالت ( على أن يباع فيه الخمر )، فليس فيها صراحة في حالة الاشتراط وإنما تكون هناك صراحة فيما لو فرض أنّ التعبير كان بعبارة ( على أن يباع فيه الخمر )، أمّا لفظ ( فيباع ) فهو يتلاءم مع الاتفاق والصدفة أمّه في البيت أخذ يبيع الخمر . إذن مناقشتنا سوف تكون تامّة بناءً على وجود الفاء.
ولكن الفاء ليست موجودةً في الكافي[3]، ولا في الاستبصار[4]، ولا في التهذيب[5]، فإنّه في هذه المصادر الثلاثة الأصلية - التي هي مصادر صاحب الوسائل(قده) - لا يوجد فيها الفاء، نعم هي توجد في موضعٍ واحدٍ من التهذيب[6].
وإذا كانت ليست موجودةً حسب هذه النقول الثلاثة فحينئذٍ يمكن أن يقال هي واردة في حالة النظر إلى حالة الاشتراط لأنّ الرواية سوف تصير هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر ) يعني ( على أن يباع فيه الخمر )، فالرواية حينئذٍ جيّدة، ولعل الشيخ الأنصاري(قده) كان ملتفتاً إلى هذه القضيّة وأنّ الرواية التي كانت بيده هي من دون الفاء فقال هذا الكلام حيث قال الرواية إنَّ الأولى صريحة في الاشتراط وهذا كلامٌ مقبول، إنّه ربَّ مدافعٍ يدافع عن الشيخ الأعظم فيقول هكذا.
ولكن يمكن أن يقال:- إنّ حذف الفاء لا يولّد صراحة ًفي إرادة الشرطيّة، بل ولا ظهوراً، بل تعود مجملةً، فيحتمل أنّ مقصود السائل هو النظر إلى حالة الاشتراط - يعني ( سألت أبا عبد الله عليه السلام يؤاجر بيته يباع فيه الخمر ) يعني بشرط أن يباع فيه الخمر -، ويحتمل أنّ المقصود هو أنّه يؤاجر بيته ولكن بِيعَ فيه الخمر بعد ذلك من دون اشتراطٍ، إنّ الرواية محتملة للاثنين معاً ولابد لك وأن تقدّر حرفاً، ولماذا تقدّر ( على ) ولا تقدّر ( الفاء ) ؟! فتعود بذلك الرواية مجملة من هذه الناحية، فلا صراحة بل ولا ظهور لها في حالة الاشتراط.
ولو تنزّلنا فأقصى ما هناك يحصل ظهورٌ في الاشتراط لا صراحةً فيه فإنّ الصراحة تكون مع كلمة ( على ) أمّا إذا كانت ليست موجودة فأقصى ما هناك هو الظهور في إرادة الشرطيّة.
هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لم يثبت أنّ النسخة الصحيحة هي من دون الفاء، فإنّ صاحب الوسائل(قده) نقل الرواية مع الفاء عن الشيخ الطوسي والكليني ولم يشر إلى وجود خلافٍ ويقول ( مثل ذلك نقل الشيخ الكليني )، بل نقلها عن الشيخ في التهذيب مع الفاء ثم قال ( ومثل ذلك عن الكليني ) وهذا معناه أنّ نسخ المصادر التي كانت بيد صاحب الوسائل مشتملة على الفاء، وعلى هذا الأساس تكون نسخ المصادر مختلفة ومعه لا يمكن أن يقال إنّ النقل من دون فاءٍ هو الأرجح لأنّ تلك النقول ثلاثة في مقابل واحدٍ فلا عبرة بالواحد فيكون المرجّح هو عدم وجود الفاء، إنّ هذا جيّدٌ إذا لم نأخذ بعين الاعتبار فكرة تعدّد النسخة واختلافها، أمّا مع احتمال ذلك كما أبرزناه فلا يعود لهذا الكلام مجال.
إذن يعود ما ذكرناه على حاله ولا يتغيّر بما أشرنا إليه.
وبعد أن عرفنا أنّ الجمع بأحد الأشكال السابقة غير ممكنٍ فماذا نصنع ؟
وفي تحقيق الحال نقول:- تارةً نبني على أنّ الحجّة هي الرواية الثانية - أعني صحيحة عمر بن أذينة - والأولى ليست بحّجة، فبناء على هذا لا إشكال في الموقف آنذاك إذ لا معارضة فإنّ المعارضة فرع وجود حجّتين كما هو واضح.
وربما يقال:- إنّ الأولى[7] سندها هو بالشكل التالي:- ( محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن عبد المؤمن عن صابر )، ورجال السند جيّدون، فإنّ المقصود من أحمد بن محمد إمّا ابن عيسى أو ابن خالد البرقي فإنه في هذه الطبقة لا يخلو من أحد هذين والشيخ الطوسي حينما يبدأ السند فهو ينقل عن أحد هذين الشخصين فإنَّ هذه عادته وكلاهما ثقة، وأما محمد بن اسماعيل هو ابن بزيع لا مشكلة فيه، وأما عليّ بن النعمان فهو من أعاظم أصحابنا، وأما عبد الله بن مسكان فلا كلام فيه، وأما عبد المؤمن بن القاسم فلا كلام فيه أيضاً، والمهم هو صابر فهل هو صابر أو جابر فإنّه مردّدٌ بين الاثنين ؟ وقد يقال:- إنّه جابر باعتبار أنّ الوارد في التهذيب[8] والاستبصار[9] وهكذا في الكافي[10] هو جابر . نعم ورد في موردٍ من التهذيب[11] أنّه ينقلها عن صابر وإلّا فالبقّية ينقلونها عن جابر، وعلى هذا الأساس يكون هذا مرجّحاً لكون النقل هو عن جابر وليس عن صابر.
أمّا إذا كان عن صابر فهو مردّدٌ بين ثلاثة كلّهم لم يوثّق وهم إمّا صابر بن عبد الله الهاشمي أو صابر مولى بسّام أو صابر بياع الأكيسة.
وعلى على هذا الأساس نقول هو جابر لأنّ الشيخ الكليني رواها هكذا، مضافاً إلى أنّ الشيخ الطوسي رواها كذلك في موضعين فيكون هذا موجباً للترجيح بعد ضمّ فكرة اختلاف نسخة الوسائل، وأمّا إذا كانت نسخة الوسائل متّفقة على صابر فهذا أيضاً يدلّ على اختلاف النسخة.
وعلى هذا الأساس قد يرجّح أنّ الثابت هو جابر، ولكن من هو جابر ؟ من القريب أن يكون المقصود منه هو جابر بن يزيد الجعفي، وهل تبني على وثاقته ؟ إنّ في ذلك كلاماً، فإنّ بنينا على وثاقته فسوف تكون الرواية مقبولة، وأما إذا لم نبنِ على وثاقته فحينئذٍ تعود الرواية ساقطة عن الاعتبار.
وأنا أردت أن أنبّه على هذه القضيّة:- وهي أنّه يوجد مجالٌ للمناقشة في سند الأولى، فإن بنينا على أنّ الأولى ساقطة عن الاعتبار سنداً تعيّنت الثانية وأخذنا بها ولا مشكلة، وأما إذا قلنا باعتبار الأولى كالثانية فالتعارض يصير آنذاك مستقراً.