37/03/10


تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 25.
كلام السيد الخوئي (قد) المتقدم لا يمكن قبوله وذلك بأعتبار أن مفاد هذا الكلام هو اننا نستفيد من الآية الشريفة جواز السفر في شهر رمضان في قبال الحلبي الذي يقول بتحريمه والمنع منه, واستفادة جواز السفر من الآية بالتقريب الذي ذكره غير واضح وبعبارة اخرى أن غاية ما يمكن أن يستفاد من الآية بحسب البيان الذي ذكره هو أنه لا يجب على المكلف تحصيل الحضور كما لا يجب عليه تحصيل الاستطاعة في باب الحج, لكن ذلك لا يعني جواز السفر لعدم الملازمة بينهما, فمجرد اخذ الحضور مفروض الوجود والتحقق لأنه موضوع لحكم وجوب الصوم تعييناً لا يعني أن ذلك (الحضور) جائزاً ومباحاً فليس هناك قاعدة تدل على أن كل شيء يؤخذ مفروض الوجود والتحقق لابد أن يكون جائزاً ومباحاً فلا ضير في أن يكون الشيء عُلق عليه الحكم واخذ مفروض الوجود والتحقق وقد يكون حراماً كما لو قال اذا اذنبت فتب أو اذا افطرت وجبت عليك الكفارة فالإفطار اخذ مفروض الوجود والتحقق يعني على تقدير أن تفطر تجب عليك الكفارة وعلى تقدير أن تذنب تجب عليك التوبة, ففي هذه الامثلة نلاحظ أن شرائط الوجوب التي اخذت مفروضة الوجود والتحقق محرمة وليست مباحة فالذنب حرام وكذلك الافطار العمدي, وقد يكون الموضوع واجباً في حد نفسه لا من جهة الوجوب الذي ترتب عليه كما لو افترضنا أن يقول المولى اذا صمت تمام الشهر فتصدق أو في المستحبات كما لو قال اذا اطعمت عشرين جائعاً فتصدق شكراً لله, فما يؤخذ مفروض الوجود والتحقق ويكون الحكم مرتباً عليه يمكن أن ينقسم بكل الاقسام الشرعية ولا توجد قاعدة تقول بأنه لابد أن يكون جائزاً, والشيء الذي يمكن الالتزام به هو أن الشيء عندما يؤخذ شرطاً في الوجوب ويؤخذ مفروض الوجود والتحقق لا يمكن أن يكون واجباً من ناحية الوجوب المرتب عليه, فإذا قال اذا استطعت فحج لا يصح أن نقول بأن الاستطاعة واجبة من ناحية وجوب الحج, فهذا غير معقول لأن وجوب الحج معلق على الاستطاعة وقبل الاستطاعة لا وجوب للحج لكي ينبعث منه وجوب إلى الاستطاعة, واذا طبقنا ذلك في محل الكلام لا يمكن أن نستنبط من الآية أن السفر في شهر رمضان جائز وان الحضر ليس واجباً , بل قد يكون الحضر جائزاً وقد يكون حراماً أو واجباً, وهذا لا يمنع من أن يقول الشارع اذا حضرت يجب عليك الصوم وقد يكون الحضر في حد نفسه امراً لازماً ولا يجوز السفر كما يمكن أن يكون في حد نفسه جائزاً ويجوز للمكلف السفر ويجوز له تركه, فهذه الامور لا يمكن أن نفهمها من مجرد التعليق ومجرد اخذ الحضر مفروض الوجود والتحقق واخذه شرطاً في وجوب الصوم تعييناً, وبناءً على هذا الكلام ليس في الآية دلالة على عدم وجوب الحضر وجواز السفر, بل يمكن أن يكون الحضر في حد نفسه واجباً والسفر حراماً ولا ينافي ذلك أن وجوب الصوم تعييناً علق على الحضر وعدم السفر.
الآية الثانية وهي قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ....)[1]
يوجد في هذا المقطع من الآية (شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ) احتمالان مذكوران في كتب التفسير وغيرها:
الاحتمال الاول: وهو المعروف بين المفسرين وغيرهم هو أن يكون الشهر ظرفاً زمانياً لا مفعول به للفعل شهد, وتكون شهد بمعنى حضر والشهود بمعنى الحضور وهذا المعنى واضح جداً من خلال بعض الآيات القرآنية من قبيل قوله تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ....) الحج 28 (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور 2 (مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) النمل 49(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) الفرقان 72 أي لا يحضرون الزور, فالشهود بمعنى الحضور وشهد بمعنى حضر ويكون المفعول به للفعل شهد محذوفاً وهو عبارة عن البلد أو الوطن ويكون معنى الآية بناءً على ذلك هو من كان حاضراً البلد في شهر رمضان يجب عليه أن يصوم.
الاحتمال الثاني: أن يكون الشهر مفعولاً به للفعل شهد, وتكون شهد بمعنى شاهد أي علم بالشهر أو ادركه أو عرف به, كما يقال شاهدت عصر فلان بمعنى ادركته, وبناءً على هذا يكون معنى الآية هو أن من ادرك منكم الشهر يجب عليه أن يصوم, وعلى هذا الاحتمال يكون مفاد الآية وجوب الصوم على كل من ادرك شهر رمضان سواء كان حاضراً أو مسافراً, والمسافر لا يستطيع الصيام الا اذا حضر لأن الحضر من شرائط صحة الصوم وعليه يجب على المسافر تحصيله, فيجب عليه الرجوع إلى البلد لكي يصوم صوماً صحيحاً, ولا يجوز له أن يسافر أن كان حاضراً, وهذا الاحتمال يكون مؤيداً لما ذهب إليه الحلبي من عدم جواز السفر, بل من كان مسافراً يجب عليه الحضور.
وقلنا أن اكثر المفسرين ذهبوا إلى الاحتمال الاول ويمكن استفادته من بعض الروايات وسيتضح هذا بعد استعراض الروايات المتعلقة في هذه المسألة, فأن بعض الروايات وردت في مقام تفسير الآية. هذا الكلام بالنسبة لما ورد من النصوص القرآنية وسيأتي الكلام عنها ايضاً عند ذكر النصوص المتعلقة بها.
أما الروايات فمنها صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا، ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر ؟ فسكت، فسألته غير مرة فقال : يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله)[2] وهذه الرواية يرويها الشيخ صاحب الوسائل عن الشيخ الصدوق بسنده عن الحلبي وسند الشيخ الصدوق عن الحلبي كما في المشيخة صحيح وكذلك يرويها الشيخ الكليني بسند تام وصحيح. والاستثناء الذي في الرواية هو استثناء من الافضلية لأنه قال (يقيم أفضل) وهذا التعبير يفيد جواز السفر لكن الاقامة افضل وهذه الافضلية ترتفع اذا كانت هناك حاجة لابد من الخروج فيها أو يتخوف على ماله.
وصحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام ؟ فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم .)[3] وهذه الرواية يرويها الشيخ الصدوق في الفقيه بأسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم وسند الشيخ الصدوق عن العلاء بن رزين تام وصحيح.
وهي واضحة الدلالة على جواز السفر, نعم قد يستشم من عبارة (يعرض له السفر) وجود الحاجة التي استدعت للسفر, وقد يفهم أن الامام عليه السلام جوز له السفر لعروض الحاجة, وسيأتي في باب الجمع بين الادلة أن احد وجوه الجمع هو أن نحمل الروايات المجوزة على وجود حاجة والروايات المانعة على صورة عدم الحاجة.
أما اذا لم نقبل هذا وقلنا بأن المراد من قوله (يعرض له السفر) يبدو له السفر, كما عبرت بذلك الرواية الاولى فحينئذ تكون الرواية دالة على الجواز مطلقاً.
ومرسلة الشيخ الصدوق في ( المقنع ) (قال : سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يخرج يشيع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة ؟ فقال : إن كان في شهر رمضان فليفطر، قلت : أيهما أفضل، يصوم أو يشيعه ؟ قال : يشيعه، إن الله قد وضع عنه الصوم إذا شيعه)[4]
يروي الشيخ الصدوق هذه الرواية في المقنع وفي الفقيه مرسلة وصاحب الوسائل نقلها عن المقنع. المراد من قوله عليه السلام (وضع عنه الصوم) أي اسقط عنه وجوب الصوم ثم يقضيه فيما بعد,
وهذه الرواية دالة على جواز السفر بل على افضليته اذا كان لغرض تشييع مؤمن وهي مرسلة.