37/03/02


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 17 ) حرمة الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

ثم إنّ الشيخ الأعظم(قده) بعد أن أوضح دوران حرمة الغناء مدار صدق عنوان اللهو بيّن مطلباً آخر وهو أنه متى يصدق اللهو الذي دارت حرمة الغناء مداره ؟

ذكر في هذا المجال أن اللهو يصدق في حالتين:-

الأولى:- ما إذا قصد الانسان التلهّي فإنّه يصدق عنوان اللهو آنذاك بسبب قصده وإن لم يكن المورد من موارد اللهو حقاً لكن نفس قصد التلهّي يوجب صدق عنوان اللهو.

ومثال ذلك:- ما لو فرض أن الصوت الصادر من الإنسان ليس صوتاً جميلاً وموجباً للطرب والخفّة ولكن كان يقصد به الطرب والخفّة.

الثانية:- ما إذا فرض أنّ المورد كان من اللهو حقّاً ، فآنذاك يصدق عنوان اللهو وإن لم يقصد الشخص به التلهّي.

ومثال ذلك:- ما إذا فرض أنّ الصوت كان جميلاً مطرباً ولكنه لم يكن قاصداً بذلك الغناء أو الطرب ، فإنّه مادامت الكيفية كيفية لهوية موجبة للطرب فيصدق عنوان اللهو وإن لم يقصد الشخص عنوان التلهّي والطرب ، ونص عبارته:- ( إنّ اللهو يتحقق بأمرين أحدهما قصد التلهّي وإن لم يكن لهواً ، والثاني كونه لهواً في نفسه عند المستمعين وإن لم يقصد به التلهي )[1] وهي واحة فيما ذكرت.

وفيه:- إنّ المورد إذا لم يكن من اللهو حقّاً في حدّ نفسه فكيف يصير لهواً بسبب قصد التلهّي ؟!! إنّ قصد التلهّي لا يغيّر من الواقع شيئاً.

والنتيجة من كلّ هذا:- إنّ حرمة الغناء لا تدور مدار صدق عنوان اللهو كما أفاده(قده) أوّلاً - أي في المطلب الأوّل حيث قال إن حرمة الغناء تدور مدار صدق اللهو - لما أشرنا إليه في التعليقين ، كما أنه اتضح أنّ قصد التلهّي ليس معتبراً في الحرمة وفي صدق عنوان اللهو ، بل متى ما فرض أنّ الصوت كان بكيفية موجبة للطرب فذلك يكون غناءً محرّماً سواء صدق عنوان اللهو أم لم يصدق وسواء قصد التلهّي أو لم يقصد.

أجل استدرك وأقول:- لعلّ مقصود من أضاف قيد قصد التلهّي أو قيد اللهو وقال إنّ الحرمة تثبت للغناء إذا كان قد قصد التلهّي أو إذا صدق اللهو الاشارة إلى مطلبٍ آخر وهو الاحتراز عن بعض الحالات التي لا يقصد فيها الغناء حقيقةً وإنما صدر الغناء بدواعٍ غير غنائية - إن صحّ التعبير - كما لو فرض أنه أراد أن يعلّم شخصاً ويقول له الغناء هو هكذا ثم يأتي بصوتٍ وكيفيةٍ فهنا الهدف ليس هو قصد التلهّي ولا الغناء ولا اللهو حقيقةً وإنما القصد هو التعليم ، فهذا يمكن أن يقال بجوازه ومن ذكر القيد المذكور أراد أن يحترز عن هذه الحالة وما شاكلها.

إنّه إذا كان يقصد هذا فهو شيءٌ وجيهٌ ولا بأس به ، بيد أنّ ذكره في العبارة يوجب التشويش المطلب وغموضه.

وإذا قلت:- لماذا يجوز الغناء في مثل هذه الحالة ؟

قلت:- يمكن أن يكون الوجه في ذلك هو الانصراف ، يعني إذا كان دليل حرمة الغناء لفظياً من قبيل ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾ بعد تفسير الزور بالغناء يمكن أن يقال إنه منصرف عن هذه الحالة ، وإذا فرض أنّ دليل الحرمة كان لبّياً كما أشرنا إليه - من أن المسألة ابتلائية فلابد وأن يكون حكمها واضحاً .... إلى آخر ما ذكرناه - فيقتصر فيه على القدر المتيقن كما في سائر الأدلة اللبّية ، والقدر المتيقّن هو ما إذا كان الهدف هو الغناء لا ما إذا كان هو التعليم أو ما شاكله.

إذن النتيجة:- هي أنّ ذكر هذا القيد - أي قيد الغناء حرام إذا قصد التلهّي أو إذا صدق عنوان اللهو - إذا كان يقصد به الاحتراز عن مثل حالة التعليم وما شاكلها فهو شيءٌ وجيهٌ ، وأما إذا كان يقصد اشتراط ذلك حقيقة - أي صدق عنوان اللهو أو قصد التلهّي - فقلنا بأنّه لا دليل على اعتبار القيد المذكور.

السؤال الخامس:- ماذا يقصد من عبارة المتن ؟

ذكر السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم ما نصّه:- ( الغناء حرامٌ إذا وقع على وجه اللهو والباطل . وكذا استماعه . والمراد منه ترجيع الصوت على نحوٍ خاص وإن لم يكن مطرباً ).

وقد حافظ السيد الخوئي(قده) على القيد الأوّل - أي قيد ( إذا وقع على وجه اللهو والطرب ) - ولكنهّ ذكر توضيحاً لهذا القيد حيث قال إنّه بمعنى أن تكون الكيفية كيفية لهوية ، ونص عبارته:- ( الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو والباطل بمعنى أن تكون الكيفية لهويةً والعبرة في ذلك بالصدق العرفي . وكذا استماعه ).

وفي مقام التعليق نقول:- إنّ قيد ( إذا وقع على وجه اللهو والباطل ) ظاهرٌ في أنّه قيدٌ لحرمة الغناء وليس مقوّماً وبياناً لنفس الغناء ، بينما ما ذكره السيد الخوئي(قده) من تفسيرٍ بقوله ( بمعنى أن تكون الكيفية لهوية ) مقوّم لنفس الغناء وليس للحرمة ، ولا معنى لأن نفسّر القيد الراجع إلى الحرمة بقيدٍ راجعٍ إلى نفس موضوع الغناء وحقيقته ، ففي العبارة نحوٌ من الإشكال.

اللهم إلا إذا دافع عن نفسه وقال:- إنّ مقصودي من الغناء أحد المعاني اللغوية الذي هو عبارة عن الصوت الحسن وليس المعنى المتداول ، فإنه بناءً على هذا لا يوجد إشكالٌ على العبارة ، إذ يصير معناها ( الغناء حرام - أي الصوت الحسن حرام - ولكن إذا وقع على وجه اللهو وبالباطل - يعني إذا كانت كيفيته كيفية لهوية طربية - ) ، بيد أنّ هذا كلّه تشويش في العبارة خصوصاً في كتابٍ يقدّم للعوام.

والعبارة المناسبة أن نقول:- ( الغناءُ - هو كيفية مشابهة للأصوات المتداولة في مجالس أهل الفسوق والفجور – حرامٌ ).

وبهذا ننهي حديثنا عن النقطة الثانية بأسئلتها الخمسة.

النقطة الثالثة:- المرجع في تحديد أنّ الكيفية لهوية - أو طربية -هو العرف .

ولماذا يكون المرجع هو العرف ؟

الجواب:- باعتبار أنّ الموضوع من الموضوعات العرفيّة ، يعني كون هذا غناءً يوجب الطرب والخفّة أو ما شاكل ذلك هو موضوعٌ عرفيٌّ ، وكلّ موضوعٍ عرفيّ إذا لم يتدخّل الشارع في تحديده فظاهر حاله الإيكال إلى العرف ، فحيمنا يقول ﴿ فتيمموا صعيداً طيباً ﴾ ولم يحدد الصعيد - يعني الأرض أو التراب - فذلك يعني أنّه أرجع إلى العرف ، وهذا كلام يقال في كلّ موضوعٍ عرفيّ.

إذن في كلّ موضوعٍ عرفيٍّ نرجع إلى العرف في تحديده لأجل هذه النكتة - وهي ظهور حال الشارع - ، فبسبب سكوته عن تحديد الموضوع يكون ظاهر حاله أنّه أرجع في التحديد إلى العرف.

وما المقصود من الرجوع إلى العرف ؟ يعني هل يلزم الفقيه أن يسأل الناس العرفيين كالبقال وغيره مثلاً ؟

كلّا ، بل المقصود أنّه يرجع إلى نفسه بما هو إنسانٌ عرفيٌّ ، فإنّ الفقيه إنسان عرفيّ أيضاً ولكن له بعض الخصوصيّات وهي أنه فقيهٌ ويعيش مصطلحاتٍ منطقية وأصوليّة وفقهية ، فيجرّد نفسه عن تلك الأمور ويبقى بعرفيته ، وما يشعر به بوجدانه العرفي يكون نابعاً عن العرف وتحديداً للعرف ، وهذه طريقة تتبع في جميع موارد تحديد الأمور العرفيّة.

نعم قد يشتبه أحياناً ويتصوّر أنّه نظر بعرفيته والحال أنّه ليس كذلك ولكنه معذور من هذه الناحية ، وفي بعض موارد الشك لا بأس وأن يستعين بغيره من الناس ، فإذا رآهم يشعرون بما يشعر فربما يحصل له الاطمئنان آنذاك.

إذن المقصود من الرجوع إلى العرف هو الرجوع إلى وجدانه العرفي بالشكل الذي أوضحناه.