37/05/11


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

تحقيق الحال في الحكم الثاني:-

وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني - أعني الجواز إذا قام الشخص بمصالح العباد - فقد يستدل لذلك بالوجوه التالية:-

الوجه الأول:- قوله تعالى:- ﴿ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ﴾[1] ، بتقريب:- أنه لو كان التولي من قبل الجائر لا يجوز فكيف طلب يوسف عليه السلام من السلطان أن يكون حافظاً للخزائن ؟!! فإذن ذلك يدلّ على الجواز.

وواضح أننا نحتاج إلى ضمم ضميمة حتى يتم الاستدلال وإلا فقد يقول قائل إنّ هذا ثابت قبل ملّتنا ونحن نتكلم في ملّة الاسلام فنحتاج إلى ضمّ ضميمة فنقول نجري الاستصحاب ، فباستصحاب بقاء أحكام الشرائع السابقة يثبت بقاء هذا الحكم ، أو نقول إن نفس نقل القرآن الكريم لهذا الحكم من دون أن يعلق عليه يكشف عن ارتضائه له.

[2] ولعل أوّل من ذكر الاستدلال بهذه الآية الكريمة هو الراوندي ، ونص عبارته:- ( اعلم أن تقلد الأمر من قبل السلطان الجائر إذا تمكن معه من ايصال الحق إلى مستحقه جائز يدل عليه بعد الاجماع المتردد والسنة الصحيحة قول الله حكاية عن يوسف عليه السلام " قال اجعلني على خزائن الأرض " ).

ولعله أخذ ذلك من الامام الرضا عليه السلام ، فإنه حينما طلب منه المأمون ولاية العهد واستجاب على مضض واكراه ، وقد أشكل عليه بعضٌ بأنه كيف قبلت بالولاية لهذا الظالم - ولعل المأمون هو الذي أراد أن يبدي هذا وأن الامام عليه السلام ليس من الزاهدين في الولاية والخلافة - ؟ فأجاب عليه السلام بأن هناك نبيّ قد استجاب لذلك وصنعه فإشكالكم عليّ بعد ثبوت ذلك في القرآن الكريم لا وجه له.

إنه دلت عدة روايات على ذلك نقلها نفس الراوندي في الخرائج والجرائح يمكن ملاحظتها[3] ، وتوجد روايات أخرى في هذا المجال من قبيل رواية العلل[4] ، ورواية الريان بن الصلت[5] ، إلى غير ذلك من الروايات.

إذن قد يستدلّ على جواز التولّي من قبل الجائر في حال القيام بمصالح العباد بقضية يوسف عليه السلام.

ويرد عليه:-

أوّلاً :- لعل ذلك من باب أن يوسف عليه السلام هو صاحب الولاية والحق ، فحينما يتصدى فهو يتصدّى لحقه ومقامه ، وكلامنا هو في الانسان العادي الذي لا يكون صاحب المنصب والولاية ولكن ينصبه الجائر في شأن من شؤون الدولة أمّا نفس صاحب المنصب والحق فهذا ليس هو محلّ الكلام ، فعله يجوز له ولا يجوز لغيره.

ثانياً:- لعل المنصب الذي تصدى له يوسف عليه السلام كان منصباً مهماً جداً باعتبار أنّ الفترة التي سوف يمر بها البلد هي فترة مهمة وهي فترة مجاعة فيحفظ بسبب توليه الناس في تلك المنطقة وما حولها ، فهو مركز مهم جدّا ولعل لهذا المركز المهم جداً خصوصية ، ولا يمكن أن نفهم من ذلك أن كلّ مصلحةٍ يجوز أن يولّى لها الشخص من قبل الظالم ، ومرجع كلامي إلى أنّ هذه قضية في واقعة ، فلعلّ هذه الواقعة لها خصوصيتها باعتبار أهمية هذه القضية بالخصوص.

ثالثاً:- من قال أن السلطان في زمن يوسف عليه السلام كان جائراً ؟! ونحن كلامنا في التولي من قبل السلطان الجائر ، فلعله كان عادلاً وإن كان المصب ليس له مثل ما يقال عن كسرى انوشيروان حيث يقال إنه كان عادلاً ، فإذن هو لم يثبت أنه كان من الظلمة والجائرين ، وعلى هذا الاساس كيف نتمسك بهذه الآية الكريمة ؟! ومحلّ كلامنا هو التولي من قبل السلطان الظالم الجائر دون ما إذا كان عادلاً ، فصحيح أنّ منصبه ليس بحق ولكن حينما نتعاون معه فنحن نتعاون على العدل وليس على الظلم ، فلعل هذا له خصوصية بالجواز.

إذن الآية الكريمة لا يمكن التمسّك بها من هذه الناحية.

الوجه الثاني:- قضية الامام الرضا عليه السلام ، فإنه قبل الولاية من المأمون وهذا يدلّ على الجواز فإنّ فعله حجة.

والجواب قد اتضح من خلال ما سبق وذلك:-

أوّلاً:- لعله قبل بذلك من باب أنه صاحب المنصب والحق ، وقبوله لا يدلّ على أنّ غيره يجوز له القبول أيضاً.

ثانياً:- إنه عليه السلام كان مكرها على ذلك ، وحينئذٍ يكون هذا من المورد الثاني للاستثناء ، فهذا من باب الاكراه كما صرحت بذلك بعض الروايات التي أشرنا إليها فيما سبق ، فالإمام حينما تمسك بقصة يوسف قال عليه السلام إنَّ يوسف كان بنياً وصنع ذلك وهذا دليل على الجواز ، ثم أضاف عليه السلام وقال إن يوسف لم يكن مكرها أما أنا فمكره من قبل المأمون على تولي المنصب.

إذن حيثية الاكراه موجودة فيصير هذا من مصاديق المورد الثاني للاستثناء.

الوجه الثالث:- قد يتمسك بقضية علي بن يقطين فإنه قد تولى الوزارة لهارون ، وهذا من الأشياء الواضحة في الوسط الشيعي والإمام عليه السلام أمضى منه ذلك ، بل جاء في الرواية أن علي بن يقطين كان يحاول التخلص من الوزارة والهرب ولكن الامام عليه السلام لم يقبل منه ذلك ، فقد كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام:- ( إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان - وكان وزيراً لهارون - فإن أذنت جعلني الله فداك هربت منه ، فرجع الجواب:- لا آذن لك بالخروج من عملهم واتق الله )[6] .

إذن نفس امضاء فعل علي بن يقطين وإمضاء المنصب له هو دليل على جواز التولي من قبل الجائر إذا فرض أن من يتولى يقوم بمصالح العباد كما كان يقوم علي بن يقطين بذلك ، فيثبت المطلوب.

وفيه:- إن تولي علي بن يقطين كان بإذن خاص من الامام عليه السلام ، فصاحب المنصب هو قد أذن له بالخصوص ، ومعه فلا يمكن أن يفهم من ذلك الجواز لكل أحد حتى إذا لم يكن مأذوناً بالخصوص من قبل صاحب المقام.

إذن التعدي من هذا المورد إلى مقامنا ليس بصحيح.

الوجه الرابع:- مما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، وحاصله هو التمسك بفكرة التزاحم وذلك بأن يقال:- إن التولي من قبل الجائر حرام ، والقيام بمصالح العباد قضية مطلوبة شرعاً ، فيحصل تزاحم بين الحكمين وبالتالي يمكن أن نرفع اليد الحرمة لأجل المزاحم تطبيقاً لقواعد باب التزاحم ، قال(قده):- ( إن الولاية إن كانت محرمة لذاتها كان ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر ، وإن كانت لاستلزامها الظلم على الغير فالمفروض عدم تحققه هنا )[7] .

إذن هو يريد أن يقول إذا كانت الحرمة لأجل القيام بالظلم فالمفروض أنه لا ظلم لأن هذا يريد أن يقوم بمصالح العباد وليس لظلمهم ، وإذا كانت الحرمة لذاتها لا لأجل القيام بالظلم فالمفروض أنه مزاحم بالقيام بمصالح العباد فتزول تلك الحرمة.

وفيه:-

أولاً:- إن ما ذكره ينفع فيما إذا كانت تلك المصالح بالغة درجة الإلزام دون الرجحان والاستحباب ، إذ لو كانت بدرجة الاستحباب والرجحان لا أكثر فالحرمة تكون حينئذٍ هي المقدمة لأنها حكم الزامي والحكم الالزامي يكون مقدماً على الحكم غير الزامي.

فإذن لا يمكن أن نقول بضرسٍ قاطع أنه مادام الشخص يقوم بمصالح العباد فإذن ترتفع الحرمة ويجوز له التصدي ، كلا بل لابد من التفصيل وملاحظة أنّ التصدّي للمصالح هل هو بدرجة الاستحباب أو بدرجة الالزام .

ثانياً:- لو فرض أن القيام بمصالح العباد كان إلزامياً ولكن لابد من ملاحظته بالقاس إلى حرمة التولي ، فلعل حرمة التولي للجائر هي الأقوى والأهم رغم أن القيام بمصالح العباد بالغاً درجة الوجوب ولكن هذا لا يكفي لأن التولي أقوى حرمة وأهم.

وعلى هذا الأساس لابد وأن نلاحظ المورد لا أن نقول من دون تفصيلٍ إنه مادام التولي فيه مصالح للعباد فإذن هو يجوز ، بل لابد وأن نلاحظ أوّلاً أنّ هذا القيام بالمصالح قد بلغ درجة الوجوب لا أنه بدرجة الاستحباب ، وثانياً إنه حتى لو كان بالغاً درجة الوجوب لابد وأن يكون ذلك الوجوب أقوى من الحرمة حتى يقدم حينئذٍ ، فإذن بضرسٍ قاطع ومن دون تفصيلٍ لا معنى للحكم بالجواز عندما يفترض أنّ المتولي للولاية يقوم بمصالح العباد.