37/05/18


تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
ويمكن أن يقال في دفعه:- إنّ ظاهر المعيّة مع السلطان كونه معه من حيث هو سلطان وصاحب سلطة، وواضحٌ أنّ المعيّة معه بما هو صاحب سلطة هي بشغل منصبٍ من مناصب السلطة، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ الراوي لهذه الرواية هو عليّ بن يقطين الذي كان وزيراً لهارون وكان يتأذى من هذا المنصب ويحاول - كما قرأنا في الرواية - الفرار من هذا المنصب ولكن الإمام عليه السلام كان يحثّه على البقاء، فمن المناسب أن يكون المقصود هو مثل عليّ بن يقطين الذي يريد الامام عليه السلام أن يحثه على البقاء في السلطة، فالرواية ناظرة إلى اتخاذ منصبٍ من مناصب السلطة لا أنها ناظرة إلى مجرّد الصداقة فإنّ ذلك لا يتحقق به حثّ عليّ بن يقطين.
فإذن الرواية المذكورة لا بأس بها من حيث الدلالة.
وأما من حيث السند:- فقد رواها الشيخ الكليني(قده) بشكلٍ مرسل، حيث قال:- ( علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن عليّ بن يقطين )، فهنا نلاحظ أنّ السند فيه ارسال، نعم من يرى أنّ مراسيل ابن أبي عمير هي معتبرة حتى إذا كان الارسال بلسان ( بعض أصحابنا ) فلا مشكلة، ولكن تقدّم منّا إنّ هذا المورد هو تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ونحن نقبل مراسيله إذا كانت بلسان ( عن غير واحد من أصحابنا ) حتى يشمل ثلاثة مثلاً.
ولكن الذي يهوّن الخطب أنّ لها سنداً ثانياً، وهو سند الشيخ الصدوق(قده) وهو:- ( والد الشيخ الصدوق عن سعد[1] عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه عن علي بن يقطين )، والسند معتبرٌ من هذه الناحية ولا مشكلة فيه.
إذن لحد الآن سلمت لنا روايتان من حيث الدلالة وهما من حيث السند لا بأس بهما.
الرواية الثالثة:- رواية زياد بن أبي سلمة:- ( دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي:- يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان، قال:- قلت أجل، قال لي:- ولم ؟ قلت:- إني رجل لي مروءة[2]وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء، فقال لي:- يا زياد لئن أسقط من حالق[3]- جالق - فأتقطع قطعة[4]أحبّ إليَّ من أن أتولى لهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم، إلا لماذا ؟ قلت لا أدري جعلت فداك، قال:- ألا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه، يا زياد إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق، يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك، يا زياد أيما رجل منكم تولى لأحدٍ منهم عملاً ثم ساوى بينكم وبينهم فقولوا له أنت منتحلٌ كذّاب، يا زياد إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة الله عليك غداً ونفاذ ما أتيت إليهم عنهم وبقاء ما أتيت إليهم عليك )[5].
وهناك موردان للاستشهاد بهذه الرواية:-
المورد الأوّل:- ذيلها، حيث قال عليه السلام:- ( يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى اخوانك فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك ) ، بتقريب أن الامام عليه السلام قال:- ( إن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك )، وهذا يفهم منه أنّ التولي لهم جائز بشرط الاحسان إلى الاخوة المؤمنين، وهذا هو المطلوب.
وفيه:- إنّه عليه السلام قال بعد ذلك:- ( فواحدة بواحدة )، فلو لم تكن هذه العبارة موجودة كان الاستشهاد بها لا بأس به، أما بعد وجودها يفهم من ذلك أنّ نفس تولي المنصب لا يجوز لكن كفارة هذا الحرام هو مساعدة الاخوان، وعلى هذا الأساس من خلال هذه الفقرة لا يثبت جواز التولي والعمل للسلطان وإنما لو عمل فكفارة العمل هو الاحسان للإخوان، فلا يثبت بذلك الجواز ونحن نريد أن نثبت الجواز بلا حرمة وهذه لا يفهم منها ذلك بل لعلّه يفهم منها الحرمة غايته أنَّ كفارة ارتكاب هذا الحرام هو مساعدة الاخوان، وهي إن لم تكن ظاهرة في ذلك فلا أقل هي مجملة وكفانا إجمالها.
المورد الثاني:- الفقرة الأولى من الرواية، وهي قوله عليه السلام:- ( إلا لماذا ؟ قلت:- لا أدري جعلت فداك، قال:- إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه )، فإنه يفهم من هذا أنّ التولي لهم جائز إذا كان لمثل هذه الأمور حيث إنّ العبارة هكذا:- ( لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة أحبّ إليّ من أن أتولى لهم عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم إلا لماذا ؟ قلت:- لا أدري جعلت فداك، قال:- إلا لتفريج كربة )، فيفهم أنّ التولي لتفريج كربة عن مؤمن شيء جائز، وهو مطلوبنا الذي نريد إثباته.
ولكن يرد على ذلك:- أنّ الرواية قد اشتملت على فقرتين وليس على فقرة واحدة حيث قال عليه السلام:- ( لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة قطعة أحبّ من أن أتولى لهم عملاً ) وهذه هي الفقرة الأولى، والفقرة الثانية هي ( أو أطأ بساط رجل منهم ) ن ثم قال الامام ( إلا لماذا ؟ ) ثم أجاب وقال ( إلا لتفريج كربة مؤمن ).
فإذن توجد فقرتان تعقبهما استثناء وهذا الاستثناء يرجع إلى أيّ الفقرتين ؟ لعلّه يرجع إلى خصوص الفقرة الثانية بينما الذي نريده هو الفقرة الأولى، فالشاهد هو الفقرة الأولى وليس الشاهد في قوله ( أطأ بساط رجل منهم ).
إذن إذا ثبت أن الاستثناء - يعني ( إلا لتفريج كربة مؤمن ) – يرجع إلى كلتا الجملتين بما في ذلك الأولى يثبت المطلوب وهو أن تولي العمل جائز إذا كان لتفريج كربة، ولكن يوجد احتمال أنه يرجع إلى الفقرة الثانية فقط - يعني ( ولا أطأ بساط رجل منهم إلا لتفريج كرية عن مؤمن ) - فإذا عاد الاستثناء إلى الفقرة الثانية فحينئذٍ لا نستفيد من هذه الرواية شيء، نعم غاية ما نستفيده هو أنه لا بأس في يوم من الأيام أن تذهب إلى السلطان وتطأ بساطه وتجلس في ديوانه وتتحدث معه وبعد ذلك تتوسط للتفريج عن المؤمن، فغاية ما تدلّ عليه هو أن الذهاب إلى البلاط جائز إذا كان لتفريج كربة، أمّا أن تصير والياً لتفريج الكربة فهذا لا تدلّ عليه، خصوصاً إذا التفتنا إلى أنّ تفريج كربةٍ عن مؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه هي صالحة لأن تكون عللاً لوطئ البساط، يعني أذهب إلى البلاط وأتوسط لمثل هذه الأمور، فيطلب منّي أهل المسجون والأسير أن أتوسط له فأذهب وأطأ البساط وأتوسط لفكّ أسره أو لقضاء دينه أو للتفريج عن كربته، أما أن نقول أن هذه الأمور الثلاثة ترجع أيضاً إلى التولي فهذا ضعيفٌ في حّد نفسه باعتبار أنّ تولي الولاية لا تكون غايته تفريج الكربة أو فكّ الأسر، نعم تلك أمور قد تكون مقارنة لا أنّ التولي هو ابتداءً يكون لأجلها.
وعلى أيّ حال إذا لم تقبل هذا المؤيد الذي ذكرناه يكفينا أن نقول إنَّ العبارة مردّدة بين الاحتمالين، فلعلّ الاستثناء يرجع إلى كلتا الفقرتين وعليه يتم الشاهد والمطلوب، ويحتمل رجوعه إلى خصوص الجملة الثانية، ولا ظهور في رجوعه إليهما معاً فتكون الرواية مجملة وحينئذٍ لا يصلح الاستشهاد بها.


[1] يعني سعد بن عبد الله الأشعري.
[2] قال في هامش الكافي، ج5، ص110 قال هكذا ( أني رجل ذو احسان ومودة وفضل وعودت الناس ولا يمكن تركه ).
[3] وفي الكافي، ج5، ص110 الموجود ( من جالق ) والجالق أو الحالق هو الجبل المرتفع، وكان من المناسب للمحقق للوسائل ان يشير إلى هذا.
[4] وفي الكافي، ج5، ص110، وفي التهذيب، ج6، ص333 الوارد عبارة ( قطعة قطعة ) وهذا من المناسب أن ينبه عليه المحقق ايضاً.