37/05/22


تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
ونصّ عبارة الشيخ الأعظم(قده):- ( إنّا لا نعقل الترتب في المقامين[1]وإنما يعقل ذلك فيما إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقق معصية الأوّل كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائية فكلف لضيق الوقت بالترابية )[2]، وعلى منواله تلميذه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية أيضاً، وإنما الذي بنى على إمكانها هو السيد محمد الفشاركي(قده) وبعده تلميذه الشيخ النائيني(قده)[3].
الجواب الثالث:- وهو لصاحب الجواهر (قده)[4]، وقد نقله الشيخ الأعظم(قده)[5]، وحاصله:- إنّ بين التولي عن الجائر وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معارضة بنحو الأعم والأخصّ من وجه، يعني هما يجتمعان في مورد ويفترق كلّ منهما في موردٍ آخر، فهما يجتمعان في مورد توقف الأمر بالمعروف على التولي، فدليل التولي يقول حرام ودليل وجوب الأمر بالمعروف يقول يجب الأمر بالمعروف وبالملازمة أنّه يجب عليك التولي فاجتمعا هنا، وأمّا مورد الافتراق فواضحٌ وهو التولي بلا توقف الأمر بالمعروف عليه، وذاك افتراقه واضح أيضاً كأن يكون أمراً بالمعروف بلا تولٍّ كما لو أمرنا شخصاً بشيء كالصلاة أو نهيناه عن الغيبة فهذا أمرٌ بالمعروف ونهي عن المنكر بلا تولٍّ عن الجائر، فالنسبة هي العموم والخصوص من وجه ومعه في مادّة الاجتماع - التي هي مادّة المعارضة - نجمع بينهما بالتخيير فنقول له أنت مخير في أن تتولى، فتولّى فأنت ارتكبت الحرام ولكن سوف تأمر بالمعروف، وإذا أردت العكس فبالعكس، أي إنّك تريد أن تترك الامر بالمعروف فلا بأس بذلك وحينئذٍ تترك التولّي.
فإذن أنت مخيرٌ بن أمرين، فنحن نجمع بينهما بالتخيير وذلك بإلغاء قيد المنع من الترك من هذا الجانب - أي من الأمر بالمعروف فإنه واجبٌ والوجوب يشتمل على المنع من الترك يعني لا يجوز لك ترك الأمر بالمعروف فنلغيه فيبقى هو طلب فقط بلا قيد المنع من الترك -، ونلغي قيد المنع من الفعل من التولّي لأنه توجد حرمة في التولي والحرمة تشتمل على قيد المنع من الفعل ففي مثل هذه الحالة نلغي هذا القيد.
فالخلاصة:- هي أنَّ الفصل للوجوب والفصل للحرمة نلغيهما وتصير النتيجة هي التخيير، ونصّ عبارته:- ( إنّ هناك معارضة بنحو العوم من وجه بين دليل وجوب الأمر بالمعروف ودليل حرمة الولاية فيجمع بالتخيير المقتضي للجواز رفعاً لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب وقيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة ).
وواضح أن هذا لو تم فغاية ما يثبت به هو الجواز والتخيير أما الاستحباب فلا يثبت.
وأشكل عليه الشيخ الأنصاري بثلاثة إشكالات على كلام صاحب الجواهر:- وقبل أن نذكر هذه الاشكالات نذكر إشكالاً على كلام صاحب الجواهر ثم نشرع بعد ذلك في إشكالات الشيخ الأعظم:-
أما إشكالنا:- فهو أنّ صاحب الجواهر(قده) قال إنّ المورد مورد المعارضة - يعني بنحو العموم والخصوص من وجه -، والذي نقوله:- هو أنّ المورد ليس من باب المعارضة بل من باب التزاحم، وإذا حصل التزاحم فلا معنى لأن تقول نجمع بالتخيير وإنما يقدّم الأهم منهما، وإذا فرض أنّه لا أهمية فالتخيير، وإذا كانت أهمية لهذا فيقدّم هذا، وإذا كانت الأهمية لذاك فيقدم ذاك، فمن المناسب لصاحب الجواهر(قده) إذا أدخل المورد تحت باب التزاحم فحينئذٍ يراعي الأهم لا أنّه يحكم بالتخيير بضرسٍ قاطعٍ، وإنما يحكم بالتخيير إذا كان هناك تساوٍ في الملاك.
أمّا لماذا يدخل المورد في باب التزاحم ؟ أو بتعبيرٍ آخر ما الفارق بين باب التزاحم وبين مورد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه ؟ فلنقل إنَّ المائز بين دليل حرمة الولاية وبين دليل وجوب الأمر بالمعروف هو مثل ما قال صاحب الجواهر(قده) - يعني المعارضة بنحو العموم من وجه -، فلماذا جعلناه من باب التزاحم، فما هو ضابط التفرقة بينهما ؟
والجواب:- إنّه في باب المعارضة بنحو العموم والخصوص من وجه يفترض أنّ هذا مصداق لذاك ولكن في بعض الموارد، وذاك مصداق لهذا ولكن في بعض الموارد، فتتحقق بينهما آنذاك المعارضة - أو الاجتماع - مثل أكرم الفقير ولا تكرم النحوي فهنا نقول إنَّ بينهما عموم وخصوص من وجه، فإنّ الفقير قد يكون أحياناً مصداق للنحوي، والنحوي قد يكون أحياناً مصداق للفقير، فيجتمعان في مادّة معارضةٍ واحدٍ وهو الفقير النحوي، ويفترقان في الفقير من دون أن يكون نحوياً والعكس بالعكس.
إذن ضابط التعارض بنحو العموم من وجه هو أن يكون هذا مصداقاً لذاك في بعض الموارد وإلا إذا كان مصداقاً له في كلّ الموارد صار بينهما تساوٍ، وإذا لم يكن مصداقاً له أبداً صار بينهما تباين، فإذن لابد وأن نفترض المصداقية، فإذا افترضنا هذا فيصير حينئذٍ عموم وخصوص من وجه وتصير معارضة، وفي مادّة المعارضة يتساقطان ونرجع إلى الأصل مثلاً .....
أمّا في باب المزاحمة فكلّ تكليفٍ يكون ثابتاً لموضوعه من دون أن يكون هذا مصداقاً لذاك أو ذاك مصداقاً لهذا وإنما يجتمعان اتفاقاً في موردٍ واحدٍ ولكنه اجتماعٌ من دون مصداقية، من قبيل الصلاة والازالة، فإنّ الصلاة والازالة لا نعدّهما من باب المعارضة بنحو العموم والخصوص من وجه وإنما نعدّهما من باب المزاحمة باعتبار أنّ كلّ تكليفٍ هو ثابت لموضوعه، فأحدهما صلاة والآخر إزالة واتفاقاً قد اجتمعا كلّ واحدٍ موضوعه الخاص يعني اجتمعا في وقتٍ واحد - بهذا المعنى - ولكن من دون أن يكون هذا مصداقاً لذاك وإنما اتفاقا ثبتا معاً في حقّ المكلف وهذا يصير من باب التزاحم.
وتعال إلى موردنا، فالنهي عن التولي مع الأمر بالمعروف كلّ واحدٍ له موضوعه الخاص من دون مصداقية فإنّ التولي لا يكون مصداقاً للأمر بالمعروف - فالتولي هو الجلوس على كرسي الحكم سواء أمرت بالمعروف أم لم تأمر به -، والأمر بالمعروف ليس مصداقاً للتولّي، فلا التولي مصداق للأمر بالمعروف، ولا الأمر بالمعروف مصداق للتولي، وإنما اتفاقاً اجتمعا في زمانٍ واحد، وهذه نكتة ظريفة جداً ولم يشر إليها صاحب الجواهر ولا الشيخ الأعظم، هذا هو الجواب الصحيح.




[1] وقصده من المقامين يعني القصر والتمام والتكليف بالأهم والمهم.
[3] هذا كلّه بالنسبة إلى الجواب الثاني عن أصل الاشكال - وكلامنا كان في أنه كيف قال أعلامنا المتقدّمين إنه إذا توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على التولي عن الجائر قالوا بأنه لا يجب التولي بل يستحب وما هي النكتة في أنه لا يجب وقد ذكرنا الجواب الأوّل للشهيد الثاني والجواب الثاني للسبزواري -.