37/06/13


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

الرواية الثالثة:- وهي التي ذكرها الشيخ النوري في مستدركه عن صفوان حيث قال:- ( الشيخ المفيد في الروضة عن صفوان قال:- دخل على مولاي رجل فقال عليه السلام له:- أتتقلّد لهم عملهم ؟ فقال:- بلى يا مولاي ، قال:- ولم ذلك ؟ قال:- إني رجل علي عيلة وليس لي مال ، فالتفت إلى أصحابه ثم قال:- من أحبّ أن ينظر إلى رجلٍ يقدّر أنه إذا عصى الله رزقه وإذا اطاعه حرمه فلينظر إلى هذا )[1] .

وهي وارد في العمل لهم حيث قال عليه السلام:- ( أتتقلد لهم عملهم ) والذي من مصاديقه الولاية التي هي محلّ كلامنا ، والإمام عليه السلام قال له لماذا فقال أني محتاج وعليَّ علية والإمام عليه السلام قال:- ( من أحبّ أن ينظر يقدّر أنه إذا عصى الله رزقة وإذا اطاعة حرمه فلينظر إلى هذا ) وهذا يدلّ على أنّ الولاية والعمل لهم لا يجوز وألا فلا معنى لهذا الذم.

وقد يعترض على هذه الرواية باعتراضين:-

الأوّل:- إنها غير مناسبة لما نعرفه من أئمتنا علهم السلام من أنهم يمثلون قمّة الأدب الاسلامي ، ومن البعيد أن يخاطب الإمام عليه السلام لهذا الشخص ويريق ماء وجهه بمرأى من جماعة بهذا الشكل ، وهذا لا يصنعه أئمتنا عليهم السلام جزماً ، فهذه الرواية نردّ علمها إلى أهلها.

والجواب:- من قال إن الإمام عليه السلام قال هذا الكلام بحضور ذلك الرجل ، فعله قاله حينما ذهب الرجل ن فلا توجد حينئذٍ إراقة ماء وجه له ، بل أراد الإمام عليه السلام أن يبين لهم معلومة ، فعلى هذا الأساس يمكن غضّ النظر من هذه الناحية.

الثاني:- إنه لا توجد فيها دلالة على تحريم التعاون مع الجائر والعمل معه ، نعم فيها نحوٌ من المبغوضيّة ، والمبغوضية كما نعرف أعم من الحرمة ، فلا يمكن أن نستفيد منها أنّ العمل للجائر محرّم ، وإنما هو مبغوضٌ في الإسلام ، فأقصى ما يستفاد من التعبير هو المبغوضية.

وفيه:- إنّ هذه الجملة قد اشتملت على تعبير ( إذا عصى الله ) والعصيان ظاهر في ارتكاب الحرام وليس في ارتكاب المبغوض حتى إذا لم يبلغ درجة الحرمة ، فنحن نتمسّك لإثبات الدلالة على التحريم بهذه العبارة ، فإنّ العصيان ظاهرٌ في ارتكاب الحرام ، فإذن دلالة الرواية على تحريم العمل معهم يمكن أن يقال بأنها تامّة.

ولكنها لا تعارض موثقة عمّار باعتبار أنه في موثقة عمار فرض أنّ الشخص لا يقدر أن يعيش من دون أن يعمل مع السلطان وقد قلنا إنّ عدم القدرة وإن كان بادئ ذي بدءٍ قد يدّعى أنه ظاهر في عدم القدرة حقيقةً ودقّةً الذي هو عبارة عن الاضطرار كالاضطرار إلى أكل الميتة ، ولكن قلنا بأن هذا بعيد ، فهو ظاهر في عدم القدرة العرفية ، بخلافه في هذه الرواية لأنه لم يفترض فيها عدم القدرة لا العرفية ولا الدقّية لأنّ الوارد فيها هكذا:- ( أتتقلد لهم عملهم ؟ قال:- بلى يا مولاي ، قال:- ولم ذلك ؟ قال:- إني رجل عليّ عيلة وليس لي مال ) ولكنه لم يفترض أنّ الأمر قد انحصر ولا يقدر إلا بهذا وإنما فرض نفسه أنه صاحب حاجة أما أنه انحصر تحصيل المال بهذا المورد فهذا ليس مفروضاً ، فإذن هي من حيث الدلالة لا تعارض موثقة عمار .

مضافاً إلى ضعفها السندي ، فإن الشيخ المفيد(قده) رواها عن صفوان وطريقه إليه مجهول ، فهي إذن مرسلة ، نعم الشيخ النوري(قده) أيضاً لم يذكر طريقاً إلى الشيخ المفيد(قده) ، لكن لعلّه يقال إن هذا الكتاب - أي كتاب الروضة - هو كتاب معروف أو غير ذلك ، فإذا تمّ هذا الكلام في طريق المفيد إلى الروضة يبقى الإشكال بين الشيخ المفيد وصفوان.

إن قلت:- إن الشيخ المفيد(قده) من علمائنا المحققين ولا يحتمل أنه يروي كيفما اتفق ، فلابد وأنه حصل على طريقٍ معتبرٍ بنظره.

قلت:- نسلّم أنه حصل على طريقٍ معتبر لكنه معتبرٌ عنده ، فهو قد حصل له وثوقٌ بهذا الطريق ولكن من قال أننا لو اطلعنا عليه حصل لنا وثوق أيضاً ، نعم لو كان يصرّح بأسماء الرواة وثبوت وثاقتهم فهذا مقبول ، أما إذا لم يذكر أسماءهم فلعلّه استند إلى قرائن من هنا وهناك وحصل له الاطمئنان ن وهذا يكون حجّة له ولا يكون حجة علينا ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.

إذن هذه الرواية سنداً ودلالة لا تعارض موثقة عمّار.

وبذلك تكون النتيجة هي أن موثقة عمّار يمكن أن يدّعى بأنها سالمة عن المعارض ويكون الأخذ بها لا مانع منه ، ولكن نؤكد أنّ هذا مقبول في حالة عدم القدرة العرفية ولا يكفي مطلق الحاجة ، كما أنه لا يلزم أن تكون الحاجة على مستوى الاضطرار بدرجته العالية كالاضطرار إلى أكل الميتة ، وبناءً على هذا يمكن أن يقال إنّ الحكم هو على طبق القاعدة ، يعني أنَّ موثقة عمار لم تدلّ على شيءٍ يخالف القاعدة إذ عدم القدرة العرفية عبارة أخرى عن الحرج أو يقاربه - يعني أنّه يقع في مشقّة شديدة إذا لم يدخل في الولاية والتعاون مع الجائر في الولاية - فعلى هذا الأساس قاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالى ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾[2] تقتضي الجواز ، فإذن الحكم ليس يستند إلى موثقة عمّار فقط ، بل يمكن أن نقول هو مقتضى قاعدة نفي الحرج.

ولكن رغم هذا وذاك المناسب للفقيه أن يتحفّظ من الفتوى بالجواز وذلك بالمصير إلى الاحتياط ، والذي يدعونا إلى الاحتياط هو أنّ هذا الاستثناء ليس معروفاً ، وعدم المعروفيّة وإن لم يكن صالحاً للدليلية لكنه صالحٌ للتحفّظ من الفتوى بالجواز والمصير إلى الاحتياط بالترك.

ألوان العمل مع الجائر:- وقبل أن ننهي حديثنا عن هذا التنبيه نشير إلى ألوان العمل مع الجائر وهي:-

اللون الأوّل:- أن يتصدّى الشخص للولاية عن السلطان الجائر ، كأن يصير محافظاً أو مدير ناحية لمنطقةٍ.

اللون الثاني:- أن يفترض أنّ يصير مديراً للشرطة أو قائداً للجيش أو مديراً لمصنع الأسلحة ، وهذا ليس ولايةً وإنما هو شكل آخر.

اللون الثالث:- أن نفترض أنه يصير مديراً لمستشفىً أو لمستوصفٍ أو مدير مدرسةٍ من المدارس الرسمية أو يصير مدير مشروع لماء أو كهرباء أو عاملٍ من عمال دائرة الماء أو الكهرباء وما شاكل ذلك.

ولعلّه هناك ألوان أخرى ولكن يكفينا عرض هذه الثلاثة.

وحينئذٍ نقول:- لو بنينا على حرمة التعاون مع الجائر فهل جميع هذه الألوان محرّمة أو أن المحرّم بعضها ؟

والجواب:-

أما بالنسبة إلى اللون الأوّل:- فينبغي أن يكون هو القدر المتيقّن من مورد التحريم ، فإن صيرورة الشخص محافظاً للظالم أو ما شاكل ذلك لا أقل هو تقوية ودعم للظلم والظالم ويكفي ذلك دليلاً على الحرمة بلا حاجة إلى التمسّك بروايةٍ فإن هذا هو مقتضى القاعدة ، فإن مقتضى القاعدة عدم الجواز فإن دعم الظلم وتقويته لا يجوز بلا إشكال فإن الظلم حرام وتقويته حرام أيضاً.

وأمّا اللون الثاني:- فالأمر فيه كالأوّل ، فإنّ قائد الجيش أو الشرطة يقويّ الظلم والظالم بلا إشكال ، لأن الظالم لا يستطيع أن يعيش إلا بواسطة هؤلاء ، وتحريم هذا واضح بلا حاجة إلى وراية خاصّة ، بل الحكم على طبق القاعدة.

وأما اللون الثالث:- فهنا قد يتوقف في الحرمة ، باعتبار أنّ هذا تصدٍ لمصالح العباد ، فإن الناس يحتاجون إلى مستشفىً ومستوصفٍ وغير ذلك ، فإنّ هذا تعاون مع الناس وتفاعل مع مصالحهم وليس تقوية للظلم والظالم فمن المناسب ان يكون الحكم هو الجواز ، هكذا قد يخطر إلى الذهن وهو شيء جيد.

ولكن قد يعترض عليه بما ورد في صحيحة أو رواية ابن أبي يعفور حيث ورد فيها أن النهر يكريه والمسناة يصلحها والإمام عليه السلام لم يجوز ذلك والحال أنّ كري النهر فيه مصلحة للعباد واصلاح المسناة كذلك والرواية رغم ذلك لم تجوز ، ونصّ الرواية:- ( قال:- كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له:- جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسناة يصلحها ، فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- ما أحب أني عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء ، وإن لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد )[3] .