38/01/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 25 ) التنجيم - المكاسب المحرمة.

استدراك:- نقول صحيح إنَّ شهادة المنجم بالرؤية ليست حجّة لما أشرنا إليه من أنّ الهلال يثبت برؤية الشخص أو بشهادة شخصين ولا تثبت بشهادة الفلكي ، ولكن نستدرك ونقول:- لو فرض أنه حصل اطمئنان بالرؤية فهل يكفي ذلك بحيث يوجد اطمئنان لا أنه بمجرّد إخباره ؟ كما لو أخبر الفلكيون قاطبة وقلوا أنه سوف يرى الهلال في ليلة كذا وحصل الاطمئنان هنا فهل يكون حجّة من باب حجّية الاطمئنان لا من باب حجّية قول الفلكي ؟

والجواب:- تارةً يحصل اطمئنان بإمكان الرؤية وأخرى بأنه يرى بالفعل وبالرؤية الفعلية بحيث من نظره فسوف يراه حتماً لا بمجرد الامكان بل بالرؤية الفعلية ، فإذا فرض أنه حصل اطمئنان بإمكان الرؤية فهذا لا يكفي لأنَّ إمكان الرؤية لا يثبت الرؤية والمدار هو على الرؤية الفعلية وليس على إمكانها فالروايات حينما دلت على أنّ الشهر يثبت بالرؤية يعني الرؤية الفعلية لا إمكان الرؤية ، أما إذا فرض أنه حصل اطمئنان شهدوا لا بالإمكان بل بالرؤية الفعلية بحيث أنَّ كلّ من نظر حتماً يراه ولكن أنا كنت في بيتي ولم أخرج لرؤية الهلال ولكن يحصل عندي اطمئنان بحيث لو خرجت ولم تكن غيوم لرأيت الهلال فهل يكون مثل هذا حجّة أو لا ؟ فالاطمئنان هنا لم يحصل بإمكان الرؤية بذاك المعنى كلا بل بالرؤية الفعلية بحيث عندي اطمئنان لو نظرت إلى السماء الآن لرأيت ولكن أنا لم أخرج لأرى إما لأنَّ بصري مفقود أو كنت مشغولاً بعمل ، فهنا هل يكون حجّة ؟ لا يبعد الحكم بحجيته هنا لأنَّ هذا اطمئنان بالرؤية الفعلية وليس مجرّد اطمئنان بإمكان الرؤية ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.

إذن الاطمئنان في الحقيقة يمكن الاستعانة به في هذا المجال ، وهو فيما إذا كان اطمئناناً لا بإمكان الرؤية وإنما كان اطمئناناً بالرؤية الفعلية بحيث من نظر ولم يكن في بصره شيء يرى الهلال حتماً هنا يمكن أن يقال بثبوت الهلال.

يبقى الكلام في الصغرى ، وهي أنه كيف يحصل لك الاطمئنان ؟ ولكن هذه قضيّة خارجة عن محلّ بحثنا فنحن دائماً نتكلّم في كبريات ولا نتكلّم في الصغريات وهي أنه هل عادةً يمكن أن يحصل اطمئنان من هذا القبيل ؟ هذه قضية أخرى ، وأنا أسلّم أنه ربما لا يمكن حصول هذا الاطمئنان لكن هذا بحث علمي وهو أنه لو حصل الاطمئنان بذلك بحيث لو فتحت باب الغرفة لرأيت الهلال فلا موجب هنا للتوقّف آنذاك بناءً على حجّية الاطمئنان.

هذا كلّه بالنسبة إلى الرؤية.

أما بالنسبة إلى إخباره بغير رؤية الهلال وإنما بالخسوف والكسوف:- فقد قلنا إن حصل الاطمئنان فأيضاً يكون حجّة ، وإنما الكلام فيما إذا لم يحصل الاطمئنان ، فإذا لم يحصل الاطمئنان فهل شهادة وإخبار هذا الفلكي حجّة أو لا ؟

والجواب:- ربما يقال كلا ليس بحجّة فإنّ إخبار الثقة إنما يكون حجّة في القضايا الحسّية دون القضايا الحدسية ، فالثقة حينما يخبرنا بخبرٍ إنما نقبل منه ذلك إذا كان يخبر عن حسٍّ بأن رأى أو سمع بأذنه أما أنه يخبرنا عن اجتهاده وأنه أنا قاطع بأنه حصلت القضية الفلانية ولكن من أمور حصل له من خلالها هذا القطع لا أنه رآها بعينه فهذا لا يأخذ به العقلاء فخبر الثقة حجّة في المجال الحسّي دون الحدسي ، نعم خرجت موارد مخصوصة مثل فتوى الفقيه وما شاكل ذلك ولكن هذه قضية ثانية.

ولكن يمكن أن يقال في المقابل:- إنَّ هذا من أصحاب الخبرة ، كما إذا فرضنا أنه كاناً فلكياً معتدّ به وقد شهد بتحقّق الخسوف أو الكسوف فهو من أهل الخبرة وأهل الفنّ وحينئذٍ يمكن أنّ يقال نطبّق عليه أنَّ قول ذوي الخبرة في مجال خبرتهم وفنّهم هو حجّة ودليل ذلك هو السيرة العقلائية فحينئذٍ نتمسّك بخبره ، نعم هناك كلام في أنه يكفي الواحد أو يلزم التعدّد أو أنّ العدالة شرط أو تكفي الوثاقة ولكن هذا على المباني ولكن الذي أريد أن أقوله إنّ هذا يمكن أن يدخل تحت عنوان أهل الخبرة فهو يخبر بحساباته الخاصّة أنه يتحقّق خسوف أو كسوف فيطمئن الحكم بحجّية إخباره بقطع النظر عن مسألة الاطمئنان كسائر ذوي الخبرة لو اخبروا في مجال خبرتهم.

إذن هذا شيءٌ وجيه وهو حجّية رأيه في هذا المجال.

المورد الثاني:- ما إذا نظر هذا المنجّم في الكواكب وأخبر بأنه سوف يحدث رخص أو غلاء أو نزول أمطار ولكن بنحو الظنّ لا بنحو الجزم القطعي ، فهو لا يقول جزماً سوف يصير كذا بل يقول الكواكب فيها مؤشرات يحصل لي الظن من خلالها أو الاحتمال أنه سوف يحصل رخص أو غلاء أو غير ذلك ، إنَّ هذا شيء لا إشكال فيه لأنه بالتالي هذا سوف لا يريد أن يجزم بأنّه سوف تحصل القضية الفلانية وإنما هو يظنّ وهذا كسائر الظنون لا مشكلة فيه وهو مجرى لأصل البراءة والروايات منصرفة عن هذه الحالة وهي ناظرة إلى حالة الجزم وأما غير حالة الجزم فلا إشكال فيها وأصلاً سيرة المتشرعة جارية على هذا لمعنى فمجرّد إبداء المطلب على مستوى الظن لا إشكال فيه وهو مجرى للبراءة.

بل نصعّد اللهجة ونقول:- بل حتى لو أخبر بنحو الجزم بذلك فنحكم أيضاً بالجواز فيما إذا كان يقول هكذا:- ( أنه الله عزّ وجلّ سوف ينزل المطر في يوم كذا ) - وكان إخباره بنحو الجزم - لأنه توجد مؤشرات فلكية على نزول المطر بفعل الله عزّ وجلّ وأما هذه الأمور فهو يجعلها كعلائم على أنّ الله عزّ وجلّ يريد نزول المطر في يوم كذا ، وهذا لا شيء فيه لأنّ هذا بالتالي أسناد للفعل إلى الله عزّ وجلّ وليس إلى الكوكب نعم الكوكب مجرد مؤشر وعلامة وكاشف ، وهذا أيضاً لا محذور فيه والروايات لو دلت على التحريم منصرفة عن هذه الحالة.

بل نصعّد اللهجة أكثر ونقول:- يمكن أن يخبر بنحو الجزم وأنها هي التي سوف تفعل ذلك ولكن الله تعالى أراد أنها تفعل كما أراد من أنَّ النار تحرق ، فالنار بالتالي تحرق فنقول النار محرقة بفعل الله عزّ وجلّ ، بالتالي هذا ليس عزلاً لله عزّ وجلّ عن مقام التأثير بل هو مسبّب الأسباب ، فهو الذي جعل هذه الكواكب حينما يقترب بعضها من بعض تصير سبباً لنزول المطر ، وهذا لا مشكلة فيه ونحن نعرف أيضاً أنَّ المدّ والجزر يحدث بسبب تأثير القمر فالقمر يؤثر في قضية المدّ والجزر لكن هذا بإرادة الله عزّ وجلّ فهو الذي جعل القمر يؤثر هذا الأثر ، فبالتالي الله تعالى هو الذي وراء سببيّة القمر في ذلك ، وهنا أيضا كذلك فإذا كان الأمر هكذا فهذا أيضاً لا محذور فيه من هذه الناحية.

ولكن نشترط في الجواز قضيّة:- وهي أن يعتقد الفلكي أنه يمكن أن لا يحصل المطر أو أن لا يحصل المرض مثلاً أو الشيء الفلاني وذلك بسبب الدعاء أو بسبب الصدقة ، فيمكن أن يندفع هذا بهذه الأمور ، أو بالعكس لو كان يشهد بعدم نزول المطر فيقول إنَّ الكواكب هذا العام تدلّ حركتها حتماً على أنه لا ينزل المطر ، يعني حينما تكون الكواكب هكذا فالله عزّ وجلّ لا يريد المطر ، ولكن يلزم أن يعطي ملاحظةً أو استثناءً فيقول ولكن بأدعيتكم أيها المؤمنون أو بصدقاتكم يمكن أن ينزل المطر والله تعالى يغيّر ذلك ، إنّ هذا يلزم أن يقوله وإلا إذا لم يقل ذلك وإنما قال سوف لا ينزل المطر حتماً أو أنه ينزل المطر حتماً ولا يدخل الدعاء أو الصدقة أو ما شاكل ذلك في تغيير هذه الحوادث فهذا أيضا لا يجوز ، بل لعلّه يستلزم الكفر ، فإنّ الدليل على مسألة الدعاء وأنه يدفع البلاء أو أنّ الصدقة لها هذا التأثير هذا حكم يمكن أن يقال هو قطعي ومن الثوابت المسلّمة ، فإنه حتى القرآن الكريم قد يستفاد منه ذلك فضلاً عن الروايات ، فإذا كان حكماً قطعياً فسوف يصير هذا إنكاراً لحكمٍ قطعي وإنكار الحكم القطعي يمكن أن يقال يستوجب الكفر ، ولا أقل أنه هو لا يجوز وهو معصية.

فإذن في هذه الموارد نحكم بالجواز شريطة أن يبقى للدعاء والصدقة المجال ، فلابدّ وأن يستدرك ويقول إنَّ الله عزّ وجلّ ربما لا يفعل هذا الشيء إذا حصل دعاء أو إذا حصلت صدقة.

هذه هي موارد الجواز.

ومن ذلك تتضح موارد عدم الجواز:-

المورد الأوّل:- ما إذا فرض أنه أسند الفعل إليها بشكلٍ مستقل وأنها هي التي تفعل ، فهي التي تنزل المطر وتوجب الرزق وتوجب المرض بنحو الاستقلال أو بنحو التشريك فيجعلها شريك لله تعالى ، فهذا لا يجوز من هذه الناحية.

المورد الثاني:- ما إذا ادّعى أنّ الله تعالى خلق هذه الكواكب وفوّض إليها الأمور - أي تدبير العالم - فهي التي ترزق وهي التي تنزل المطر والله عزّ وجلّ خلقها وانعزل عن مقام التأثير ، فالله عزّ وجلّ فوّض الأمور إلى الغير كالكواكب مثلاً وهو بمعزلٍ عن مقام التأثير ، فهذا أيضاً لا يجوز فإنّ القرآن الكريم والأدلة القطعية تدلّ على أنّ الله تعالى هو الرزّاق وهو الفاعل هو المميت .... ، فكلّ الافعال منتسبة إليه لا أنه بمعزلٍ ، وهذا تكذيبٌ للقرآن الكريم ، ولذلك فكرة التفويض تستوجب الكفر لأنها تكذيب إلى للقرآن الكريم.

إن قلت:- صيح أنّ التفويض يوجب الكفر ولكنكم معاشر الامامية تقولون في التفويض ، فالحساب إلى أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول للنار خذي هذا إليك ولا تأخذي هذا بل هو إلى الجنة ، أوليس هذا تفويضاً ؟! فيكف يكون ذاك التفويض مرفوضاً أما هذا التفويض مقبولاً ؟