34/11/22


تحمیل
الموضوع :الصوم
المتن كتاب العروة الوثقى قال الماتن :-
(وهو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة، وينقسم إلى الواجب والمندوب والحرام والمكروه بمعنى قلَّة الثواب، والواجب منه ثمانية : صوم شهر رمضان، وصوم القضاء، وصوم الكفّارة على كثرتها، وصوم بدل الهدي في الحجّ، وصوم النذر والعهد واليمين، وصوم الإجارة ونحوها كالشروط في ضمن العقد، وصوم الثالث من أيّام الاعتكاف، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه)
تعرض الماتن في هذه المسألة الى عدة امور الاول : تعريف الصوم , الثاني: تقسيمات الصوم , الثالث : كون وجوب الصوم في شهر رمضان من ضروريات الدين وان منكره مرتد يجب قتله ومن افطر فيه مستحلا عالما عامد يعزر ..........الخ
قال الماتن في تعريف الصوم :- ( هو الامساك عما يأتي من المفطرات بفصد القربة.)
والظاهر انه لا اشكال عندهم في ان الصوم لغة هو مطلق الامساك , ففي لسان العرب نقل عن بعض اللغويين (قال أَبو عبيدة : كلُّ مُمْسكٍ عن طعامٍ أَو كلامٍ أَو سيرٍ فهو صائمٌ)[1]
وفي القاموس المحيط (صام صوما وصياما واصطام : أمسك عن الطعام والشراب والكلام والنكاحوالسير)[2]
والظاهر ان هذه الامور المذكورة في العبارتين على نحو المثال لا الحصر , فالصوم هو امساك ويختلف بأختلاف الموارد , ولذا ذكر اللغويون كما في تهذيب اللغة (ان الصوم لغة هو الامساك عن الشيء والترك له ولذا يقال للصائم صائم لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح ويقال للصامت صائم لأنه امسك عن الكلام ويقال للفرس صائم لإمساكه عن العلف)
واما المعنى الشرعي فقد اختلفت كلمات الفقهاء فيه , فبعضهم عرفه على انه الامساك عن المفطرات الآتية مع قصد القربة , والبعض الاخر عرفه على انه الكف (اي كف النفس عن هذه المفطرات الاتية ) وبعضهم عرفه على انه توطين النفس على هذه الامور.
ويبدو ان الفقهاء يقصدون من هذه التعريفات التعريف الحقيقي , ولذا اشكلوا على بعض التعريفات بعدم الطرد وعدم الانعكاس .
والصحيح ان هذه التعريفات تعريفات لفظية (شرح الاسم ) لتقريب الفكرة لا غير .
ولعل اقرب التعريفات لتأدية هذا الغرض واقربها الى التعريف اللغوي , هو تعريف الامساك (اي الامساك الخاص)
واما تقسيم الصوم : فقد قسمه السيد الماتن الى الصوم الواجب والمندوب والحرام والمكروه وسيأتي التعرض لهذه الاقسام تفصيلا في محلها .
لكن الذي يُلاحظ على هذا التقسيم عدم ذكر المباح من اقسام الصوم , والظاهر ان السر في ذلك هو ان الصوم اذا لم يكن واجبا ولا محرما ولا مكروها لابد ان يكون مستحبا , لما دل من الأدلة على استحباب الصوم في جميع ايام السنة ماعدا ما استثني .
هذا الكلام بالنسبة الى الحاضر , اما بالنسبة الى المسافر فهو اما ان يكون قد نذر الصوم في السفر , او لا , فعلى الاول يكون الصوم عليه واجبا بالعرض فأن الوجوب بالعرض لا ينافي الاستحباب الذاتي , وعلى الثاني يكون محرما .
لكن قد يقال بإمكان تصور صوم مباح وذلك بأفتراض وجود مصلحة في ترك الصوم مساوية لمصلحة الفعل ويمكن تطبيق ذلك على ما ورد في الصوم في يوم عرفه لمن يضعفه الصوم عن الدعاء.
فسر الماتن المكروه بقلة الثواب وهذا هو المعروف بينهم في العبادات والظاهر ان منشأ هذا التفسير هو انهم يحملون النهي عن العبادة المكروهة على الارشاد الى قلة الثواب ( اي قلة الثواب بالقياس الى نفس العبادة الفاقدة لتلك الخصوصية )
كما لو فرضنا ان الصوم في يوم عاشورا مكروه , وهذا يعني انه اقل ثوابا من الصوم في سائر الايام , فالنهي الوارد على فرض وجوده في المقام يحمل على الكراهة بالاتفاق , وذلك لأنهم بالاتفاق حكموا بصحة الصوم في مثل هذه الموارد كما لو صلى في الحمام وحمل النهي في هذه الموارد على الارشاد لعدم امكان الجمع بين النهي المولوي وصحة العبادة فأن النهي المولوي يقتضي فساد العبادة .
ويلاحظ على هذا الكلام انه لابد ان نُدخل المكروه في المستحب وبهذا تكون الاقسام ثلاثة لا اربعة .
فيكون مثلا الصوم في غير يوم عاشورا مستحب وفيه ثواب بمقدار ما , اما الصوم في يوم عاشورا ففيه ثواب بمقدار اقل وعلى هذا فلابد ان يكون الصوم في يوم عاشورا ايضا مستحبا لأن المكروه هو الفعل الذي توجد فيه حزازة ومنقصة وهذا الصوم ليس كذلك .
وهذا المطلب وان كان في حد نفسه لا يوجد فيه محذور ثبوتي , الا انه اثباتا قد يقال انه خلاف ظاهر الأدلة وخلاف ظاهر كلمات الفقهاء التي تنص على كراهة الصوم في يوم عاشورا , لأن النهي في الادلة والتعبير بالكراهة يكشف عن حزازة في الفعل لا مجرد قلة الثواب.
فإذا امكن تجاوز هذه المشكلة وحمل الكراهة على قلة الثواب وكذلك النهي فأن العبادة التي على هذه الشاكلة ستكون داخلة في المستحبات لعدم وجود الحزازة لأن قلة الثواب غير الحزازة والمنقصة التي توجد في المكروه .
وعلى هذا يكون الصوم على ثلاثة اقسام واجب وحرام ومستحب .
ولا محذور في ذلك فكما امكن حذف الصوم المباح يمكن حذف الصوم المكروه.
ثم قال الماتن (ووجوبه في شهر رمضان من ضروريّات الدين، ومنكره مرتدّ يجب قتله.........)
وهذا هو الامر الثالث الذي يتعرض له السيد الماتن في هذه المسألة وهذا الامر صرح به اكثر من واحد بل استظهر من كلمات البعض انه مجمع عليه .
وكونه من ضروريات الدين من الامور الواضحة والتي لا تحتاج الى استدلال بعد الآيات الشريفة الامرة به والروايات الكثيرة وفتاوى العلماء والسيرة .
ومعنى كونه من ضروريات الدين انه يصل بالبداهة والوضوح الى درجة يشعر الانسان انه لا حاجة الى الاستدلال عليه كما ان المتلقي لا يشعر ان المتكلم لابد ان يأتي بدليل عليه .
قال الماتن(ومنكره مرتد يجب قتله...)
اي منكر وجوب الصوم الذي هو من ضروريات الدين
ولا خلاف في الصغرى (كون وجوب الصوم من ضروريات الدين ) وانما وقع الكلام في الكبرى (وجوب قتل من ينكر ضرورة من ضروريات الدين ) .
فهل يحكم بإرتداده والحكم بوجوب قتله بمجرد انكاره للضرورية مطلقا ؟؟
او ان المسألة ليست على اطلاقها , وانما هي مقيدة بقيد كون المنكر عالما ان ما انكره من الدين ؟؟
حيث قالوا بعدم وجود ادلة تدل على الحكم بالارتداد والقتل لمنكر الضرورية بهذا العنوان , وانما تدل على ان انكار الضروري حيث يؤدي الى انكار احد اصول الدين خصوصا اصلي (التوحيد والنبوة) , يوجب الحكم على المنكر بحكم الارتداد والقتل .
وعلى هذا الكلام فالرأي السائد هو الحكم على منكر الضروري بالارتداد والقتل اذا كان من القسم الثاني , اي اذا كان انكاره يوجب تكذيب الرسالة .
اما اذا كان انكاره حاصل نتيجة شبهة عرضت له دون التكذيب للرسالة , فلا يحكم عليه بالارتداد والقتل .
وفي مقابل الرأي السائد يوجد رأي اخر يقول : ان منكر الضروري يحكم عليه بالارتداد والقتل بعنوانه وان لم يكن راجعا الى تكذيب الرسالة , وان الادلة تساعد على ذلك .
فمن كان عالما بالضرورة وانكرها ولو لشبهة ولو لم يرجع انكاره الى تكذيب الرسالة , فهو محكوم عليه بالارتداد ويجب قتله .
وهذه المسألة طويلة وتوجد فيها ادلة كثيرة لا حاجة للدخول في تفاصيلها , وممن ذهب الى هذا الرأي الشيخ صاحب الجواهر (قدس سره) .
والظاهر ان ما يقوله صاحب الجواهر هو الاقرب وقد بينا ذلك في رسالة كتبناها في ضروريات الدين والمذهب وتوصلنا فيها الى هذه النتيجة .