38/04/09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

وفيه:-

أوّلاً:- نحن نسلّم أنَّ الداعي لا يمكن أن يتعلّق بغير الاختياري بل لابد وأن يكون اختيارياً وإلا فالبعث والتحريك لا يكون نحو غير الاختياري ، وهذا شيء مقبول من هذه الناحية ، أما أنه يلزم أن يكون فعلاً فمن أين لك هذا ؟! كلا لا يلزم أن يكون فعلاً.

فنسلّم إذن أنَّ الداعي الأوّل ليس فعلاً ولكن نقول لا يلزم في تعلّق الداعي بشيءٍ أن يكون ذلك الشيء فعلاً وإنما غاية ما يلزم أن يكون اختيارياً ونحن ندعي أنَّ الداعي أمر اختياري لا أنه أمر غير اختياري وشاهدنا على ذلك هو الوجدان فإنَّ الداعي ليس بأسوأ حالاً من الارادة والجب والارادة ، وإن قال الشيخ الخراساني(قده) في بعض كلماته - ولعله ذكر ذلك في أكثر من مورد - بأنها ليست اختيارية لأنهم فسّروها بالشوق - أو الكره - وبالتالي هي أمر غير اختياري حيث قال:- ( إنَّ الفعل وإن كان بالارادة اختيارياً إلا أنَّ ارادته حيث لا تكون بإرادة أخرى - وإلا لتسلسلت - ليست باختبارية كما لا يخفى )[1] .

إذن ذهب الشيخ الخراساني(قده) إلى أن الارادة ليست اختيارية ، ولماذا ؟ لأنه مشى خلف الفلاسفة والفلاسفة يفسّرون الفعل الاختياري بما كان صادراً عن ارادة فضيّقوا على أنفسهم ، وحينما تضيّق أنت على نفسك وتفسّرها بهذا التفسير فسوف تصير الارادة غير اختيارية لأجل أنه إذا كانت اختيارية فلابدّ وأن تكون مسبوقة بإرادة حتى تصير اختيارية ، وتلك الارادة الثانية أيضاً إذا كانت اختيارية فأيضاً لابد أن تكون مسبوقة بإرادة ..... وهكذا يلزم التسلسل في الارادات ، فالمقصود أنه بعدما فسّروا الفعل الاختياري بهذا التفسير فحينئذٍ وقعوا في هذا المأزق.

ولكن لماذا تضيّقون على أنفسكم بل نحن نقول:- إنَّ الله تعالى خلق الانسان بشكلٍ تكون ارادته بيده في كثيرٍ من الأحيان - لا دائماً - ، فأنت مثلاً تقرأ فوائد شيء معيّن أو تريد الزواج فقالوا لك أنَّ ابنة فلان طيّبة وأهلها طيبين فتحصل عندك إرادة ، وإذا اعطوك المثالب فحينئذٍ سوف تحصل عندك كراهة ، فسماعك لهذا هو باختيارك ، وكذلك لو قرأت فضائل أمير المؤمنين فسوف يصير عندك حبّ وإرادة لنصرته ، وإذا قرأت مثالب الآخرين فسوف يحصل عندك بغض لهم.

إذن مادامت المقدّمة في يدك وهي القراءة الاختيارية فالإرادة أيضاً تكون اختيارية ، فنحن في الارادة يمكن أن نقول هي اختيارية بنفسها ولا يلزم أن تكون مسبوقة بإرادة ، والداعي أيضا ًليس أسوأ حالاً من ذلك فنقول هو أيضاً أمر اختياري ، فأنا مثلاً أسمع بفضائل الجهاد والشهادة فيحصل عندي داعٍ على الشهادة ، فهذا الداعي حصل بسبب الاطلاع والقراءة لفضائل ومناقب الشهادة ، فالداعي هو أمرٌ اختياري بشهادة الوجدان.

ثانياً:- لو كان الداعي ليس باختياري يلزم أن يكون كل فعل يصدر منّا ليس باختياري ، لأنَّ الداعي له ليس باختياري فالفعل يكون ليس باختياري وبالتالي الفعل الأوّل- وهو الصلاة بداعي الامتثال - يلزم أن يكون غير اختياري ، فيلزم أنَّ الله عزّ وجلّ لا يمكنه أن يكلّفنا ، فالصلاة بداعي الامتثال - القربة - يلزم أن يكون شيئاً غير مقدور لأنَّ الداعي على رأيه غير اختياري ، فالصلاة بداعي الامتثال غير اختيارية لأنَّ الداعي غير اختياري فالتكليف بها لا يصحّ آنذاك ، وهل تلتزم بذلك ؟! إنه لا يمكن أن يلتزم بذلك فإنَّ هذه نتائج وخيمة جداً ، فالله عزّ وجلّ يمدح أهل بيت العصمة عليهم السلام في القرآن الكريم فيقول:- ﴿ إنما نطعمكم لوجه الله ﴾[2] فإنَّ هذا داعٍ فإذا فرض أنَّه غير اختياري فالمدح لا معنى له ، وهكذا في قوله تعالى:- ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ﴾[3] فهذا المدح أيضاً لا معنى له لأنَّ هذا أمرٌ غير اختياري.

وبالتالي سوف تبطل فكرة العقاب والثواب ، وهذه لوازم كثيرة سوف تترتّب على فكرته ، فعلى رأيه سوف يكون الثواب والعقاب لا معنى له فإنَّ العقاب على شيءٍ غير اختياري ، وهكذا الثواب لا يكون على الشيء غير الاختياري.

الكلمة الثاني:- قال(قد) لو كان الداعي يصدر عن الداعي يلزم التسلسل فإنَّ هذا الداعي يصدر من داعي فإذن لابدّ وأن يصدر الداعي الثاني من ثالث .... وهكذا فليزم التسلسل ، والصحيح أنَّ الداعي واحدٌ وهو آخر السلسلة ، فالذي هو آخر السلسلة هو ذاك الداعي الحقيقي أما البقيّة فليست بدواعٍ بل من باب ضيق التعبير نقول ( آخر السلسلة ) ، فالداعي هو واحد أما السلسلة فلا توجد بل نقول هذا من باب ضيق التعبير ، وفي موردنا - في مثال الأجرة - يلزم أن يكون الداعي الأخير هو الأجرة.

وفيه:- إنَّ أصحاب فكرة الداعي إلى الداعي لم يقولوا إنَّ الداعي يتعيّن أن يصدر من الداعي فإنه لا توجد عندهم هذه الدعوى فإذا ادعي هكذا فصحيح أنه يلزم التسلسل في الدواعي لأنَّ كل داعي يحتاج إلى داعي ، وإنما المدّعى هو أنه أحياناً واتفاقاً قد يصدر الداعي من الداعي ، وربما الداعي لا يحتاج إلى داعٍ آخر كما إذا فعل الانسان فعلاً لتلذذه النفسي ، فالداعي للعمل هو التلذذ النفسي ولكن الداعي إلى التلذذ النفسي لا يحتاج إلى داعٍ آخر فإنَّ التلذذ النفسي هو مقصودٌ بالذات ولا يحتاج إلى داعٍ آخر ، نعم بعض الموارد يكون الداعي صادراً بسبب داعٍ آخر لا أنه يدّعى الحتميّة حتى يلزم من ذلك التسلسل.

إذن فكرة التسلسل لا تلزم وإنما تلزم لو كان مدّعى أصحاب فكرة الداعي إلى الداعي هو حتمية صدور الداعي من داعٍ آخر في كلّ مورد ، بينما هم لا يقولون بذلك بل يقولون لعلّه يكون في بعض الموارد هكذا وليس دائماً.

ثم قال(قده) إنَّ الداعي هو آخر السلسلة.

أقول:- أيضاً يصعب أن نقول إنَّ الداعي هو آخر السلسلة ، فإننا نصلّي مثلاً في الغرفة لوحدنا بقصد التقرّب إلى الله تعالى والخوف منه ، ولكن لو قلت لي إنك لم تقصد التقرّب - هذا على رأي الميرزا علي الايرواني - وإنما تصلّي بقصد دخولك الجنّة والحصول على حور العين والداعي إلى الحور هو لذّة النفس فإذن الداعي لك هو لذّة النفس - ولا أقول يخرج بذلك عن كونه قربياً لأنَّ هذه لذّة مطلوبة ومحبوبة مثلاً -.

ولكن هذا مخالف للوجدان ، ولكن على رأيه الداعي لنا هو هذا التلذّذ لا قصد القربة فإنَّ قصد القربة ليس موجوداً ، وهذا لعلّه مخالف لوجداننا.

مضافاً إلى أنَّ الله عزّ وجلّ -كما قرأنا في الآيتين الكرمتين المتقدمتين - يقول:- ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ﴾ فهذا اشكال يتسجل على الله عزّ وجلّ ، فلماذا يشري أمير المؤمنين نفسه ابتغاء مرضاة الله ؟ لأنه أهلٌ لذلك فذاك هو الداعي ، فيلزم أن يعلّل الله تعالى بذاك الداعي لا أن يعلل بـ ﴿ ابتغاء مرضاة الله ﴾ ، ولو قلت:- إنّ هذه مسامحة ، قلت:- إنَّ هذا غير مقبول.

وكذلك قوله تعالى:- ﴿ إنما نطعمكم لوجه الله ﴾ فأنت إذا أردت أن تمشي بالسلسلة فالغاية هي لأنه أهلٌ للعبادة - هذا في حق أهل البيت عليهم السلام - فيلزم أن يعلّل الله تعالى ويقول ﴿ يطعمون الطعام لأني أهلٌ للتقرّب إليَّ ﴾ والحال أنه علّل بـ( إنما نطعمكم لوجه الله ) ولم يعلّل بأنه أهلٌ للعبادة.

فإذن ما ذكرته من أنَّ الداعي يسند إلى آخر السلسلة مرفوضٌ ، ولا أريد أن أقول إنه مرفوضٌ دائماً ولكنه ليس بصادق دائماً ، بل قل ربما ينسب إلى آخر السلسلة وربما ينسب الى المتوسطات.

الكلمة الثالثة:- إنَّ أصحاب فكرة الداعي إلى الداعي إنما صاروا إليها بسبب تصوّر خاطئ ، فهم تصوّروا أنَّ الداعي القربي لا يكون إلا هو قصد الامتثال ومن هنا وقعوا في مأزق وأنَّ صلاة جعفر مثلاً لقضاء الحوائج ماذا نصنع تجاهها ، فهي نأتي بها لقصد قضاء الحوائج مثلاً أو أنَّ هذه الصلاة تنفع لآخرة الانسان ، فهنا لم نأت بها بقصد الامتثال وإنما بقصد تسهيل دخولنا للجنة فيلزم أن يكون هذا ليس داعياً قربياً ، من هذه الناحية اضطروا فابتكروا فكرة الداعي إلى الداعي فقالوا إنه في الحقيقة أنا أتي بصلاة جعفر امتثالاً لأمر الله تعالى والداعي للصلاة امتثالاً لأمره هو مثلاً الحصول على الجنّة أو قضاء الحوائج أو غير ذلك ، فالذي جعلهم مضطرّين إلى فكرة الداعي إلى الداعي هو هذا والحال نحن نقول إنَّ العبادة هي عبارة عن الاتيان بالفعل طبقاً لما قاله الآمر ، فالمولى أيّ شيء قاله إذا أنا أتيت به فهذا يُعدُّ عبادة ، فلو قال هذه الصلاة تنفع لدخول الجنّة وأنا أتيت بها يكون ذلك عبادة وإن لم يكن هدفي قصد الامتثال ، فلا تحصروا الهدف بقصد الامتثال فليس الموجب للقربيّة هو قصد الامتثال فقط وإنما يحصل التقرّب والعبادة بقصد الامتثال - هذا أوّلاً - وبقصد الثواب - وهذا ثانياً - وبقصد التخلّص من العقاب والنار - وهذا ثالثاً - ، فهذه الثلاثة يحصل بها التقرّب وإن لم يكن الهدف في الأخيرين ليس هو قصد الامتثال ، كلا بل أنت أتيت بالصلاة الموجبة للجنّة ولكن هذا عبادة ولا نحتاج إلى قصد الامتثال ، وبالتالي لا نحتاج إلى فكرة الداعي إلى الداعي ، قال(قده):- ( إنَّ الاصغاء إلى كل ناعق عبادة له ومعنى الاصغاء الانفعال والتأثر من الناعق كان التأثر من أمره أو من وعده للثواب أو من وعيده بالعقاب .... فإذا وعد الشارع توسعة المعيشة من صلى صلاة جعفر كانت صلاة جعفر طلباً لهذه الوعدة - من غير نظر إلى أمر الشارع بها - عبادة للشارع واصغاءً لدعوته ولو قال الجاعل من ردّ ضالتي فله كذا فرددت ضالته طلباًً لما وعد فقد عبدته ).

إذن الحاج ميرزا علي الايرواني قال إنَّ المأتي به طلباً للجنة أو للحور أو للرزق أو غير ذلك كلّه عبادة فلا نحتاج إذن إلى فكرة الداعي إلى الداعي.