14-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 389 ) ، مسألة ( 397 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 389 ):- اذا اشترى هدياً سليماً فمرض بعدما اشتراه أو أصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه ولا يلزمه إبداله.
 هذه المسألة تشابه مسألة ( 385 ) وهناك ذكر(قده) أنه لو اشترى الحيوان ثم بعد نقد الثمن وتسليمه اتضح أنه معيب أجزأ ، وهنا أيضاً نفترض أنه بعدما اشترى المكلف الهدي حصل عيبٌ لا أنه اتضح وجود عيبٍ سابقٍ فالفارق بين هذه المسألة وبين تلك هو أنه فيما سبق اتضح وجود العيب قبل الذبح فالعيب كان موجوداً منذ البداية وأما في هذه المسألة قد حصل تعيّب جديد لم يكن موجوداً سابقاً بل حصل قبل الذبح فهل يجزي هذا الهدي أو يلزم شراء هدي آخر ؟ حكم(قده) بالاجتزاء به ، والوجه في ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- سألته عن رجل أهدى هدياً وهو سمين فأصابه مرض وانفقأت عينه فأنكسر فبلغ المنحر وهو حيّ ، قال:- يذبحه وقد أجزأ عنه ) [1] ، ومورد هذه الصحيحة وإن كان هو الكسر وفقأ العين ولكن لا تُحتمل الخصوصية من هذه الناحية فيتعدى الى سائر العيوب . إذن كل عيبٍ حدث جديداً بعد الشراء لا يضرّ بالهدي طبقاً لهذه الصحيحة.
 ويمكن دعم هذه الصحيحة بشيءٍ آخر وذلك بأن يقال:- إنه في المسألة ( 385 ) حكمت صحيحة عمران الحلبي بالاجزاء ومن المعلوم أنه لا فرق بين ذلك المورد وموردنا فهما إنما كانا يمتازان في شيءٍ - يعني أن العيب هناك سابقٌ بينما العيب هنا قد حدث جديداً - إلا أنهما يشتركان من جهةٍ أخرى وهي أن العيب ثابت قبل الذبح فاذا كان هذا العيب الذي هو قبل الذبح لا يؤثر ولا يمنع لو كان موجوداً سابقاً فهو لا يمنع أيضاً لو حدث جديداً فإنه من هذه الناحية لا يرى العرف فرقاً بين الموردين فتلك الرواية - أعني صحيحة عمران الحلبي - الدالة على الاجزاء في تلك المسألة تدل على الاجزاء في مسألتنا أيضاً ، فحتى لو لم تكن هناك رواية خاصة في مسألتنا كفتنا تلك الرواية إما بضمّ الأولوية أو من دون حاجة الى الأولوية . هكذا يمكن توجيه الحكم المذكور في هذه المسألة ، وعلى هذا الأساس صار(قده) الى الحكم بالاجزاء.
 ولكن يمكن أن يقال:- إذا ذهبنا الى الباب التالي - أي باب 27 من الأبواب التي ذكرها صاحب الوسائل(قده) - وجدناه يذكر روايتين صحيحتين تدلان على أنه يلزم أن يذبح هدياً آخر ولا يكتفي بالهدي السابق بل يذبح الهدي السابق ويذبح هدياً جديداً فإذن يلزمه هديان ، وإذا فرض أنه باع الهدي السابق ولم يذبحه فعليه أن يتصدق بثمنه . إذن بالتالي يلزمه هدي آخر وهو لابد منه وأما الهدي الأول فيذبحه أيضاً أو أنه إذا باعه تصدّق بثمنه - ولكن هذه قضية ثانية - والروايتان هما:-
 الرواية الأولى:- صحيحة الحلبي:- ( سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبة ويستعين بثمنه على هدي آخر ؟ قال:- يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هدياً آخر ) [2] . اذن هذه الصحيحة دلت على أن الهدي الثاني لازمٌ وأما الهدي الأول فيبيعه ويتصدّق به.
 الثانية:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام :- ( سألته عن الهدي الواجب اذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هديٍ ؟ قال:- لا يبيعه فإن باعه فليتصدق بثمنه وليهدِ هدياً آخر ) [3] .
 إذن هاتان الروايتان تدلان على لزوم شراء هديٍ آخر على خلاف تلك الرواية التي دلت على كفاية الهدي الأوّل ولا حاجة الى شراء هديٍ آخر ، وهذه معارضةٌ فماذا نصنع ؟ ومن الغريب في المسألة أن السيد الخوئي(قده) لم يتعرض الى ذلك من قربٍ ولا بُعدٍ وهذا ملفت للنظر ، ولعل السبب في الوقوع في هذه القضيّة هو أن القدماء لم يتعرّضوا الى هذه المسألة.
 اذن اتضح في هذه المسألة أنه توجد ورايتان أخريان فما هو العلاج ؟
 والجواب:- هناك علاجان:-
 الأول:- أن نقول إن الصحيحة الأولى - أعني صحيحة معاوية بن عمار - هي صريحة في الاجزاء لأنها قالت:- ( يذبحه وقد أجزأ عنه ) وهذا واضح وصريح ونصّ في الاجزاء بخلاف تينك الروايتين فإن الامام عليه السلام قال:- ( وليهدِ هدياً آخر ) وهذا وإن كان فعلاً مضارعاً يُقصَد منه الأمر ولكنّه ليس صريحاً في لزوم الشراء فلعل المقصود هو اللزوم ولعل المقصود هو الرجحان والاستحباب فهي ظاهرة في الوجوب وليست صريحة فيه فنطبّق القاعدة التي تقول ( كلما اجتمع متعارضان أحدهما صريح والآخر ظاهر أوّل الظاهر لحساب الصريح ) وتصير النتيجة هي أنه يجزي الهدي السابق وإن كان الأفضل شراء هديٍ جديد وذبحه.
 الثاني:- أن نقول:- نطبق قاعدة التقييد ، بمعنى أن الرواية الأولى - أعني صحيحة معاوية بن عمار - قالت ( سألته عن رجل أهدى هدياً ) ولم تقل هدياً واجباً بل هي مطلقةٌ بينما الأخيرتان صرّحتا بكون الهدي هدياً واجباً وقد حكم الإمام عليه السلام في صورة الهدي الواجب بلزوم شراء هديٍ آخر فحينئذ تكون الأولى مطلقة من حيث كون الهدي مستحباً أو واجباً والأخيرتان مختصّتان بالهدي الواجب فتقيّدان إطلاق تلك الرواية فتصير النتيجة هي أنه إذا كان الهدي واجباً فيلزم شراء هديٍ جديد وأما إذا لم يكن واجباً فيكتفى بالهدي السابق.
 هذا علاجٌ ثانٍ وهو وجيه ولكنه مشروط بشرطٍ وهو أنه إذا سأل السائل في الرواية الأولى وقال ( سألته عن رجل أهدى هدياً وهو سليم ... ) فيلزم أن نفترض أنه لا يوجد قدر متيقن في البين أما إذا قيل إن القدر المتيقن من هذا السؤال هو السؤال عن الهدي الواجب وأما إرادة غيره يتمسك لها بالاطلاق فإنه بناءً على هذا لا تصير عملية التقييد ممكنة فيتعيّن العلاج الأوّل ، وحيث إن هذا الاحتمال وجيه - أي إن كون إرادة الهدي الواجب في الرواية الأولى شيء مقصود بنحو القدر المتيقن - فعلى هذا الأساس الأحوط شراء هديٍ آخر بدل الهدي الأول ، ومنشأ الاحتياط هو ما أشرنا إليه من عدم الجزم بقابلية الرواية الأولى للتقييد وإلا لو كنا جازمين بذلك لما صرنا الى الاحتياط بل كنا نفتي بلزوم شراء الهدي الآخر لكنه حيث يحتمل أن الهدي الواجب هو القدر المتيقن من الرواية الأولى صرنا الى الاحتياط . اذن انحلت المشكلة من هذه الناحية.
 ولكن تبقى مشكلة ثانية:- وهي أنه ماذا نصنع بالهدي الأول ؟
 الجواب:- قد تعارضت فيه الروايتان الأخيرتان فواحدة تقول يبيعه ويتصدق بثمنه والأخرى تقول لا يبيعه - يعني يذبحه - ولكن لو باعه تصدّق بثمنه فماذا نصنع حينذاك ؟
 إن المناسب جمعاّ بين هذين الخبرين المصير الى الاحتياط من هذه الناحية فنقول الأحوط أن لا يبيع الهدي الأول بل يذبحه ولكن لو باعه تصدق بثمنه على الفقراء . إذن يوجد احتياطان في هذه المسألة الاحتياط الأول هو أنه لا يجتزى بالهدي الأول ويُحتَج الى هديٍ جديد ، والاحتياط الثاني هو أن الأفضل أن لا يباع الهدي الأول بل يذبح ولكن لو بيع جهلاً - مثلاً - فحينئذ يتصدّق بثمنه على الفقراء.
 وبعد أن انتهينا من هذه المسألة نشير الى قضيّة فنيّة:- وهي أنه كان من المناسب حذف هذه المسألة لأنه من النادر في زماننا أن يصيب الحيوان عيب بعد شرائه لأنه عندما يشتريه الحاج من البائع فإنه سوف يُذبح رأساً ، أو أن الابتلاء بهذه المسألة شيءٌ نادر.
 
 مسألة ( 397 ) :- إذا أعطى الهدي أو ثمنه أحداً فوكّله في الذبح عنه ثم شك في أنه ذبحه أم لا بنى على عدمه ، نعم إذا كان ثقةً وأخبره بذلك اكتفى به [4] .
 تشتمل المسألة المذكورة على حكمين:-
 الحكم الأول:- إن من وكّل غيره في الذبح عنه فلا يجوز له - أي لمن وكّل - البناء على تحقق الذبح إلا أن يطمئن بأن الذبح قد تحقق أما إذا لم يطمئن فلا يبني على تحققه ، والوجه في ذلك هو الأصل - أي استصحاب عدم تحقق الذبح - فسابقاً هو لم يذبح ونشك بعد ذلك هل ذبح أو لم يذبح فيبنى على عدم الذبح للاستصحاب ، وهو شيء واضح.
 الحكم الثاني:- إذا فرض أن الوكيل أخبره بأنه ذبح فهل يصدّق بذلك أو لابد من حصول الاطمئنان ؟
 قال(قده):- إذا كان ثقة وأخبر بأنه قد ذبح فحينئذ يُبنى على تحقق الذبح.


[1] وسائل الشيعة ، الحر العاملي، ج14، ص135، ب26 من ابواب الذبح، ح1، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص136، ب27 من ابواب الذبح، ح1، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص136، ب27 من ابواب الذبح، ح2، آل البيت.
[4] لم يتعرض الشيخ الاستاذ الى بيان المسائل ( من 390 الى 396 ) لقلة فائدة البحث فيها / المقرر.