38/04/15


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:، مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات ، المكاسب المحرمة.

السؤال الثاني:، هل تقع الاجارة عن الميت صحيحة ؟

إنَّ الداعي إلى طرح هذا السؤال كما ذكرنا سابقاً هو عدم وجود رواية تدل على صحة الاجارة عن الأموات في العبادات كما هو المتعارف بيننا اليوم ، ولكن نقل الشيخ النراقي(قده)[1] الشهرة على ذلك ، ومن الواضح أنَّ كلامهم وإن كان في باب الصلاة ويرتبط بالصلاة ولكن لا يحتمل الخصوصية لها.

وقال صاحب الحدائق(قده):، ( الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم في جواز الاستئجار للصلاة والصوم عن الميت )[2] .

إذن هذان العلمان ادعيا الشهرة ، بل عدم الخلاف.

ولكن من يمكن نسبة الخلاف السبزواري(قده)[3] والفيض الكاشاني(قده)[4] ، ولعلّ سبب مخالفتهما هو أنه لا نصّ في المسألة ولا إجماع ، مضافاً إلى ذلك لم يعهد في الطبقة السابقة هذا المعنى ، يعني الاجارة عن الميت في الواجبات ، وإنما حصل هذا في العصور المتأخرة ، مضافاً إلى أنه كيف يتقرّب الأجير والحال أنَّ الأمر متوجّه إلى المكلّف الآخر لا إلى الأجير وهل يتقرّب شخصٌ بأمرٍ متوجّهٍ إلى غيره ؟! فالنيابة عن الميت مشكلة من هذه الناحية ، قال في الذخيرة:، ( لم أجد تصريحاً به في كلام القدماء ولم يكن ذلك مشهوراً بينهم قولاً ولا فعلاً وإنما اشتهر بين المتأخرين ).

ونحن نضيف لهم أيضاً ونقول:، ( والقياس على الحج في غير محله ) يعني إذا قيل إنه ورد الدليل في الحج وأنه يناب فيقال إنَّ هذا وارد في مورد معيّن . هذا تتميم لإثبات ما يريدونه.

هذا ما قد يقال في توجيه ما ذهب إليه العلمان.

هذا ولكن يمكن أن يقال:، إنَّ صحّة ذلك لا يحتاج إلى دليل خاص بل هو على مقتضى القاعدة بالبيان التالي:، وهو أنَّ كل عمل يشتمل على منفعة عقلائية يمكن الحكم بصحة الاجارة عليه مادام له منفعة مشروعة عقلائية كبناء بيتٍ أو ما شاكل ذلك ، فأنا آجره لبناء البيت ، وهذه الاجارة أيضاً لا توجد فيها رواية ولكنك قد تأتيني برواية من هنا وهناك في هذا المورد الخاص ولكن يوجد من هذا القبيل الكثير كما لو كان يرسل أولادي مشياً إلى المدرسة يومياً وما شاكل ذلك فهذه الاجارة كيف نثبت صحتها ؟ إنَّ الوجه في صحتها هو أن نقول إنَّ هذا عمل له منفعة مشروعة عقلائية مباحة فيشمله دليل صحّة الاجارة وهو مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ككلّ موردٍ من هذا القبيل.

إذن نحن لا نحتاج إلى دليل خاص بل يكفينا ما أشرنا إليه.

وفي المقام نقول:، إنَّ الميت حسب الفرض ينتفع بهذا العمل وهو أداء الصلاة أو الصوم أو غير ذلك نيابة عنه كما دلت عليه الروايات والتي منها صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة التي قالت ( يخفّف عنه ) ، فإذن هذا عملٌ ينتفع به الميت وهو مشروعٌ ، فإذا كان كذلك فسوف يشمله دليل صحة الاجارة ، يعني ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، بلا حاجة إلى رواية خاصة أو دليل خاص حتى يقال إنَّ الاجماع مفقود والنصّ الخاص مفقودٌ فإنَّ كلّ هذا لا نحتاج إليه بعدما فرضنا أن الحكم على طبق القاعدة.

إن قلت:، إنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يدل على أنَّ العقد الصحيح والمشروع في حدّ نفسه هو لازمٌ ، فهو يدل على لزوم ما هو صحيح ومشروع ، فلابد في المرحلة السابقة من اثبات صحّة العقد ومشروعيته وحينئذٍ من خلال عموم ( أوفوا ) نثبت أنه لازم ، أما أن تثبت الصحّة بعموم ( أوفوا ) فهذا غير ممكن لأنه فرع الصحّة ، لأنه يأتي ويقول أنا أجعل اللزوم للعقد الصحيح المشروع في حدّ نفسه أما أنَّ هذا عقد صحيح أو ليس بصحيح فأنا لا أقول ذلك ، فإنَّ هذا يصير من التمسّك بالإطلاق أو بالعام في الشبهة المصداقية ، لأنَّ هذا يشك أنه مصداق للعقد الصحيح أو لا فالتمسّك بأوفوا حينئذٍ لا يمكن لإثبات الصحّة ، بل لعلّ هذا أكثر من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية بل من خلال الحكم نريد أن نثبت الموضوع وهذا أكثر من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية أو نفسه ، فإذن هو لا يجوز.

هذه شبهة قد تأتي إلى الذهن ، ولعلّه لهذه الشبهة يقول البعض لا يمكن التمسّك بهذا العموم لإثبات الصحة.

قلت:، إنَّ هذا العموم لم يقيّد بذلك ، يعني بأن يكون العقد في المرحلة السابقة مشروعاً ، بل من الوجيه أن نقول إنَّ مقتضى الاطلاق هو عدم اعتبار هذا القيد ، أي قيد المشروعية والصحة السابقة ، ، يعني بالعبارة الصريحة إنَّ الآية الكريمة تريد أن تقول إنَّ كل عقدٍ من العقود هو صحيح ولازمٌ ، يعني هي تثبت حكمين في آنٍ واحد هما الصحة واللزوم ، فهي تقول كلّ عقدٍ هو صحيح ولازم ، غايته هي بيّنت اللزوم بالدلالة المطابقية حيث قالت ( أوفوا ) وبالالتزام يفهم أنه حكم بالصحة ، فلو كان المتكلّم يريد هذا المعنى ، يعني يثبت اللزوم لكلّ عقدٍ وبالالتزام يريد أن يثبت الصحة ، هل كان هناك ضير في ذلك ومحذور ؟ إنه لا مشكلة فيه.

إذن مدّعي التقييد هو الذي يحتاج إلى قرينة ، إلى دليل ، أما الذي لا يدّعي التقييد يكون الاطلاق هو العون له ، فإذن مقتضى الآية الكريمة أنَّ كل عقد من العقود هو لازم بالدلالة المطابقية وبالتالي أنا الشارع أحكم عليه بالصحة هذا مقتضى الدلالة الالتزامية ، وتقييد وجوب الوفاء بما إذا كان العقد صحيحاً في المرتبة السابقة وأُحرِزَت صحته في المرتبة السابقة هذا هو الذي يحتاج إلى دليل وإلى قرينة ، وحيث لا توجد قرينة على التقييد فنتمسّك بالإطلاق من هذه الناحية.

إن قلت:، هذا وجيه على مسلك المشهور في باب الاطلاق فإنهم يتمسّكون بالإطلاق بعرضه العريض من دون التقيد بحدود ، وأما نحن فأضفنا مقدّمة وهي أن لا يستهجن الاطلاق إذا كان مراد المتكلّم واقعاً هو المقيّد فإذا استهجن الاطلاق عند إرادة المقيّد واقعاً ففي مثل هذه الحالة يثبت الاطلاق عند عدم التقييد أما إذا فرض أنَّ الاطلاق لا يستهجن عرفاً في حال إرادة المقيّد واقعاً ففي مثل هذه الحالة لا يمكن التمسّك بالإطلاق لفرض أنه لا يستهجن إذا كان المقصود واقعاً هو المقيّد ، فإذا كان لا يستهجن فكيف نستكشف الاطلاق ؟ فلّعل المراد هو المقيّد واقعاًً ؟ وبناءً على هذا سوف تسقط إطلاقات عديدة عن الحجّية ومنها هذا المورد ، فقد يقال إنه في موردنا يسقط الاطلاق لأنه لو كان مراد المتكلّم واقعاً هو المقيد يعني أنَّ مقصوده هو أوفوا بالعقود التي هي قد فرض أنها صحيحة في المرتبة السابقة ، فإذا كان هذا هو المقصود لا يستهجن هذا الاطلاق لأنه يدّعى أنَّ هذا من الأمور الواضحة إذ الوفاء يجب بالعقد الصحيح فلا حاجة حينئذٍ إلى أن يقيّد المولى بما إذا كان العقد قد ثبتت صحته وشرعيته في مرتبةٍ سابقة لأنَّ هذا من الواضحات ، وبناءً على هذا لو كان مراد المتكلّم هو المقيّد واقعاً لا يستهجن منه الاطلاق لأنه مثلاً اعتمد على وضوح المطلب.

إذن بناءً على جواز التمسّك بالإطلاق مشروط بما أشرنا إليه ، يعني باستهجان الاطلاق على تقدير إرادة المقيّد واقعاً ، سوف لا يمكن التمسّك بهذا الاطلاق كما أوضحنا لأنه إذا ظهر المتكلّم وقال إنَّ مرادي هو المقيّد واقعاً لا يستهجن منه الاطلاق لوضوح المطلب فإنَّ الوفاء يجب في حالة ما إذا كان العقد صحيحاً في المرتبة السابقة.

قلت:، هذا وجيه لو فرض أنَّ هذا الاطلاق قد صدر في مرحلة متأخرة يعني في زمان الامام الصادق أو الرضا عليهما السلام فيمكن أن يقال ما ذكر ، ولكن المفروض أنَّ هذا الاطلاق ذكر في الآية الكريمة يعني في بداية الاسلام ، ومن الواضح أنه في بداية الاسلام لم تثبت هناك عقود في مرحلةٍ سابقةٍ هي مشروعة وصحيحة ثم يراد اثبات اللزوم لها ، فلا معنى لأن يقال إذا ثبتت الشرعية في المرحلة السابقة ففيما بعد سوف نثبت اللزوم فإنَّ هذا يأتي فيما إذا كان الاطلاق قد صدر في مرحلةٍ متأخرة عن بداية الاسلام كزمن الصادقين عليهما السلام مثلاً لا ما إذا كان صادراً في بداية الاسلام,

فإذن هذا لا معنى له في بداية الاسلام ، يعني أن يكون المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني يجب الوفاء وهو لازم إذا ثبت في المرحلة السابقة أنه صحيح ، بل احتمال هذا لا معنى له أصلاً في بداية الاسلام ، فإذن يتعيّن ما أشرنا إليه من أنه يفيد مطلبين هما اللزوم بالدلالة المطابقية والصحة بالدلالة الالتزامية لكلّ عقدٍ عقد ومنه عقد الاجارة ، فيثبت بواسطة الاطلاق صحة الاجارة على العبادات عن الأموات ، فالدليل إذن هو هذا ولا نحتاج إلى رواية ، ويدعم ذلك الروايات الدالة على صحة الاجارة وشرعيتها في باب الحج بعد ضعف احتمال الخصوصية لباب الحج ، فعلى هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية.

السؤال الثالث:، هل يمكن للأجير قصد التقرّب ؟

قصد القربة بالنسبة إلى لأجير توجد فيه مشكلتان:،

الأولى:، قد أشرنا إليها فيما سبق ، وهي أنه إذا كان العمل عبادة فكيف يقصد القربة والحال أنه قاصد الأجرة ، فهو بعينه اليمنى ينظر إلى الأجرة فكيف يمكن أن يقصد القربة بالعين الأخرى ، هذا هو الاشكال الذي بيّناه سابقاً والذي من خلاله صير إلى فكرة الداعي إلى الداعي والتي رفضها الشيخ الأنصاري(قده) وتابعة النائيني(قده).

وواضحٌ أنَّ هذه المشكلة تأتي في الاجارة سواء كانت بنحو النيابة أو لا بنحو النيابة ، فبنحو النيابة مثل الاجارة على الصلاة والصوم ، أي على العبادات ، ، وتأتي لا بنحو النيابة أيضا كما لو فرض أنه عندي درس وجاءوا بجنازة فآجرت شخصاً ليصلّي عليها عن نفسه وبذلك يسقط الوجوب عنّي ، ، فالمشكلة تأتي على هذين النحوين.

الثانية:، إذا كان المورد هو النيابة ، وهذه المشكلة خاصة بالنيابة ، فالأجير بـِمَ يقصد التقرّب ؟ فإنَّ المفروض أنَّ قصد التقرّب لازمٌ ، فالأجير حينما يريد أن يصلّي فهل يقصد الأمر المتوجّه إليه بالصلاة أو بالأمر المتوجه للمستأجر بالصلاة ؟ فإن كان يقصد الأمر المتوجه إلى المستأجر بالصلاة فهو لا معنى لأن يتقرّب بالأمر الصادر إلى غيره فإنَّ هذا مضحكٌ للثكلى ، وإن كان الأجير يقصد الأمر المتوجّه إلى نفسه فلا أمر بالصلاة متوجّه له ولوكان فهذا سوف يصير مفرّغاً لذمته لا أنه مفرّغ لذمّة المستأجر.

وهذا الاشكال خاص بمورد النيابة ويرد سواء كانت النيابة بنحو الاجارة أو لا بنحو الاجارة.

إذن توجد مشكلتان في باب تقرّب الأجير.

وذكر الشيخ الأعظم(قده) جواباً لحلّ المشكلة الأولى وهو لو تم ذلك الجواب يمكن أن ننتفع به لحلّ المشكلة الثانية فقال ما حاصله:، إنَّ هذا النائب له عملان ، العمل الأول أنه ينزّل نفسه منزلة المنوب عنه ، وهذا عملٌ توصلي وليس عبادياً قربيّاً فإذن لا تشترط فيه القربة ، والعمل الثاني هو خارجي يصدر منه في الخارج وهو أداء العمل بأن يباشر الصلاة فيكبّر ويقرأ ، فيوجد تنزيل في مرحلةٍ سابقة ويوجد عمل خارجي يصدر بعد ذلك ، والقربي هو العمل أما التنزيل فلا ، والأجرة تكون مقابل التنزيل الذي هو ليس بقربي ، وأما العمل الخارجي الذي هو قربي فلا أجرة في مقابلة ، فانحلت المشكلة الأولى.