34-04-21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 374 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 كان كلامنا في أصحاب الأعذار وقد ذكر(قده) أنه تجوز لهم الإفاضة والرمي ليلاً.
 والآن نقول:- إن جواز الإفاضة لهؤلاء في الجملة هي مورد اتفاق بين الفقهاء ولم ينقل خلاف عن أحدٍ كما أشار إلى ذلك صاحب المدارك(قده) [1] ، وهكذا ورد في الحدائق [2] والجواهر [3] ، وإنما الكلام في بعض القضايا الجانبية التي نشير إليها من الآن حتى نكون على هدىً وبصيرةٍ حينما نقرأ الروايات:-
 القضية الأولى:- هل يختص جواز الإفاضة ليلاً بالنساء والشيوخ والأطفال أو يعمّ كل صاحب عذرٍ ؟ كما لو فرض أن شخصاً كسرت يده أو رجله فصار معذوراً وخاف الزحام فهل تنتقل وظيفته إلى ذلك ؟
 القضية الثانية:- هل تجوز الإفاضة للعناوين المذكورة في الروايات كالنساء مثلاً وإن لم يكن هناك خوف من الزحام أو أن ذلك مقيّد به ؟
 القضية الثالثة:- هل يختص الجواز بما إذا كانت الإفاضة بعد منتصف الليل أو تجوز حتى قبل منتصفه كالساعة العاشرة مثلاً ؟
 القضية الرابعة:- هل يكفي المرور في المشعر الحرام أو أنه يلزم التوقف برهة من الزمن كربع ساعة مثلاً أو أكثر ؟
 القضية الخامسة:- ما هو حكم المرافق للنساء وأمثالهن فهل حكمه حكم هؤلاء أو أنه يبقى تحت مقتضى القاعدة فهو مثلاً يوصل النساء وغيرهن ويرجع بسرعة إلى الموقف كغيره ويواصل الأعمال ؟
 أما الروايات:-
 فالرواية الأولى:- صحيحة سعيد الأعرج:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهنَّ بليلٍ ؟ فقال:- نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قلت:- نعم ، قال:- فأفض بهنَّ بليلٍ ولا تفض بهنَّ حتى تقف بهنَّ بجمعٍ ثم أفض بهنَّ حتى تأتي الجمرة العظمى ..... وقال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل معهنَّ أسامة ) [4] ، وقريب منها رواية سعيد السمّان [5] ، ولا يبعد أن سعيد السمّان هو نفس سعيد الأعرج فهو يبيع السمن وفي نفس الوقت يلقّب بالأعرج ، وإنما عبّرنا عنها بالرواية باعتبار ورود المعلّى بن محمد البصري في الطريق وهو لم يوثق ولكن تكفينا صحيحة سعيد الأعرج.
 والرواية الثانية:- صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( رخّص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليلٍ وأن يرموا الجمار بليلٍ وأن يصلّوا الغداة في منازلهم .... ) [6] ، وقريب من ذلك صحيحته الأخرى [7] - ولا يبعد أن تكونا واحدة - بيد أن الوارد فيها ( النساء والضعفاء ) بدل ( النساء والصبيان ).
 والرواية الثالثة:- صحيحة ثالثة لأبي بصير:- ( سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لا بأس بأن تقدم النساء - أو يُقِدم النساء - إذا زال الليل فيقفن عند المشعر ساعة ثم ينطلق بهـنَّ إلـى منـى ) [8] .
 والرواية الرابعة:- صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حجّ النبي صلى الله عليـه وآلـــه ( ..... ثم أفاض وأمر الناس بالدّعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة ..... وعجّل ضعفاء بني هاشم بالليل وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ) [9] .
 وأما بالنسبة إلى الجواب عن القضايا التي أشرنا إليها فهو كما يلي:-
 أما بالنسبة إلى القضية الأولى:- فيمكن أن يقال بالتعميم لوجهين:-
 الأول:- إلغاء خصوصية المورد والذي يعبَّر عنه بتنقيح المناط أو الجزم بعدم الخصوصية وذلك بأن يقال:- إن الترخيص وإن انصب على عنوان النساء والشيوخ والضعفاء إلا أن العرف يفهم عدم الخصوصية لهؤلاء وإنما جوّز لهم ذلك بما أن قابليتهم ضعيفة وإلا فالنساء بما هُنَّ نساء أو الشيوخ بما هم شيوخ لا مدخليّة لذلك في الحكم بالجواز ، وعليه فيعمّ الحكم كل صاحب عذرٍ والأمر من هذه الناحية يتبع وجدان الفقيه ونفسيته فربّ فقيه يقبل بذلك وربَّ آخر يرفضه ولكن المدار على الجزم بعدم الخصوصية ومن ادعى الجزم فلا نقف أمامه - يعني أنه شيء قريب -.
 الثاني:- التمسك بصحيحة معاوية بن عمار حيث جاء فيها:- ( وعجّل ضعفاء بني هاشم وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة ... ) فإن التعبير بـ( الضعفاء ) يفهم منه أن تمام النكتة هي أنهم أصحاب عذر وضعفاء وبذلك يتعدّى إلى كل صاحب عذرٍ من دون تخصيصٍ بخصوص النساء أو الشيوخ أو الأطفال.
 إن قلت:- إن الحكم يمكن حمله على القضية الخارجية وليس على القضية الحقيقية بمعنى أن الإمام عليه السلام عندما قال ( عجّل بالضعفاء ) أراد أن يشير بهذا العنوان إلى جماعة وطائفة معيّنة ولعلهم النساء والأطفال والشيوخ فهذا العنوان مأخوذ بنحو المرآتية إلى هؤلاء وكمشيرٍ إليهم وكأنه عبّر بدل كلمة ( ضعفاء ) بـ( النساء والشيوخ والأطفال ) وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من اللفظة المذكورة التعميم والاطلاق.
 قلت:- نحن لا نريد أن نتمسك بإطلاق كلمة ( الضعفاء ) ونقول إنها مطلقة وليست مقيدة حتى يقال ما ذكر وإنما نريد أن نقول إن نفس استعانة الإمام بهذا التعبير في مقام بيان هذه القضية الخارجية يفهم منه أن تمام الحيثية هي حيثية الضعف لا حيثية أنهم نساء أو شيوخ أو أطفال ، وعلى هذا الأساس يكون التمسك بهذه الرواية بهذا التقريب لا بالتمسك بالإطلاق بذلك الشكل ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية ويبقى هذا المطلب تابعاً لنفسية الفقيه أيضاً وبالتالي يكون التعميم قريباً لهذين الوجهين.
 وأما بالنسبة إلى القضية الثانية:- فيمكن أن يقال:- إن الروايات التي أخذت عنوان النساء أو الشيوخ مطلقة ولم تقيّد بحيثية خوف الزحام فلا محذور في أن تتوسع الشريعة في حق المرأة أو الشيخ والطفل فيجّوز له الإفاضة ليلاً لأنه ضعيفٌ في حدِّ نفسه فيمكن لهذه الخصوصية - وهي أنه ضعيف في حدِّ نفسه - جوِّز لهم الإفاضة ، إذن يتمسك بالإطلاق من هذه الناحية أو عدم الاستفصال لا بأس به فلاحظ صحيحة سعيد الأعرج مثلاً حيث قال له الامام عليه السلام ( فأفض بهنَّ بليلٍ ولا تقف بهنَّ ... ) فإنه لم يقيّد ويقول ( فأفض بهنَّ بليلٍ بشرط أن يخاف الزحام ) فالإمام لم يستفصل من هذه الناحية فيثبت التعميم ، اللهم إلا أن يقال:- إنه عليه السلام يحرز أنه عادةً يوجد خوف الزحام فبهذا الاعتبار أطلق ولم يستفصل ، وإذا فتحنا باب هذا الاحتمال فسوف يأتي في بقيَّة الروايات أيضاً كالرواية الثانية - أعني صحيحة أبي بصير التي قالت ( رخّص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليلٍ ) - فيمكن حينئذ أن يقال إنه أطلق الترخيص من باب أنه أحرز خوف الزحام عادةً وهكذا في بقيَّة الروايات وهذا احتمال وجيه وبناءً عليه يصعب استفادة التعميم والاطلاق إلا أن الخلاف من الناحية المذكورة قد لا يكون مهمّاً بسبب أن خوف الزحام موجود عادةً ولا ينفكّ فالنزاع عقيمٌ تقريباً لا فائدة فيه من هذه الناحية.
 وأما بالنسبة إلى القضية الثالثة من اختصاص الجواز بما بعد متنصف الليل:- فهو شيء وجيه إذ جاءت الإشارة إليه في صحيحة أبي بصير الأخيرة حيث ورد فيها:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لا بأس أن تُقَّدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر ساعة ثم ينطلق بهنَّ إلى منى ) بتقريب أن زوال الليل عبارة عن انتصافه نظير زوال النهار ، وعليه يكون المستفاد من هذه الصحيحة أن شرط جواز إفاضة النساء هو أن يكون ذلك بعد منتصف الليل ، إنه شيء وجيه لولا أن الفقهاء من القدماء لم يشيروا إلى هذا القيد والمسألة ابتلائية ومادامت ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً فلو كان يلزم أن تكون الإفاضة بعد منتصف الليل لانعكس ذلك على فتاواهم والحال أنه لا يوجد في عبائرهم ذلك وإنما جاء هذا في عبائر المتأخرين وعليه يكون عدم تعرض الفقهاء إلى ذلك أمراً موجباً للتوقف عن الأخذ بظهور هذه الرواية والمناسب الانتقال إلى الاحتياط - يعني أن الأحوط أن تكون الإفاضة بعد منتصف الليل - كما جاء في كلمات غير واحدٍ من المتأخرين.


[1] المدارك ج7 ص 427 .
[2] الحدائق ج16 ص444.
[3] الجواهر ج19 ص77.
[4] الوسائل ج14 ص 28 ب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[5] المصدر السابق ح5.
[6] المصدر السابق ح2.
[7] المصدر السابق ح6.
[8] المصدر السابق ح7.
[9] الوسائل ج11 ص213 ب2 من أبواب اقسام الحج ح4.