24-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الأمر الثاني:- بناءً على وجوب التقسيم أثلاثاًهل يجب أن تكون الأقسام متساوية أو أنه يكفي مجرد التقسيم الثلاثي وإن لم تكن الأقسام متساوية ؟
 والجواب:- نسب السيد الماتن(قده) في التقرير الى المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر والى المشهور أنهم ذهبوا الى وجوب التساوي بين الأثلاث.
 والظاهر أن هذه النسبة محلّ تأّمل فإن عبارة المحقق قد تقدمت وقد صرّح فيها بالاستحباب وذكر أنه يستحب التقسيم أثلاثاً ولم يُفتِ بالوجوب ، وقال وصاحب الجواهر(قده):- ( كما هو عليه الأكثر ) - يعني ما ذكره المحقق(قده) - وهو أيضاً اختار عدم وجوب الأكل فهو لا يبني على وجوب القسمة أثلاثاً فضلاً عن التساوي ، وأظن أنه قد وقع اشتباه في النسبة ، وعلى أي حال ذهب السيد الماتن الى أنه يلزم ذلك فكل ثلثٍ لابد وأن يساوي الثلث الآخر ، وقرّب ذلك - بعد الالتفات الى أنه لا يوجد في النصوص ما يدلّ على أن الأقسام الثلاثة يلزم أن كون متساوية فإثبات التساوي يحتاج الى تقريب - بأنه لو رجعنا الى الروايات - ويقصد من ذلك صحيحة سيف التمار وموثقة شعيب العقرقوفي المتقدمتين - لوجدنا أنها دلت على لزوم ذلك ، بيد أن موردهما هو هدي السياق فنحتاج إذن الى تقريبٍ يُثبت ذلك في هدي التمتع أيضاً وإلا فوجوب ذلك في هدي السياق وحده لا ينفعنا فلذلك ضمّ مقدمة أخرى وهي أننا لو لاحظنا هاتين الروايتين لوجدنا أنهما ناظرتان الى الآيتين الكريمتين فهما لا تريدان أن تذكرا حكماً ابتداءً من دون استنادٍ الى القران الكريم بل هما تريدان أن تأخذا الحكم الذي ذكرتاه من القرآن الكريم وإذا نظرنا الى القران الكريم - أعني قوله تعالى ( فكلوا منها وأطعموا القانع البائس الفقير ) أو ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) - نجد أنه لم يخصّص ذلك بهدي السياق فيثبت بذلك أن التقسيم الثلاثي بالتساوي هو لا يختصّ بهدي السياق بعدما كانت الآيتان مطلقتين من هذه الناحية والمفروض أن الآيتين تدلّان على وجوب القسمة بالتساوي لفرض أن الروايتين استندتا الى الكتاب فيلزم أن يكون الكتاب دالّاً على لزوم التساوي في الأقسام الثلاثة ومن دون اختصاصٍ بهدي السياق.
 إذن ما أفاده(قده) يحتاج الى مقدمات ثلاث:
 الاولى:- إن الروايتين دلتا على لزوم التقسيم بالتساوي.
 والثانية:- إن الروايتين يظهر منهما فيما حكمتا به الاستناد الى الكتاب الكريم ولازم هذا أن الكتاب العزيز يدلّ على لزوم التساوي بين الاقسام.
 والثالثة:- حيث إن الكتاب الكريم لم يخصّص القسمة الى الأقسام الثلاثة بهدي السياق فيثبت من هذه الناحية الشمول والعموم لهدي التمتع أيضاً . هذا توضيح ما أفاده(قده) [1] .
 وفي المناقشة نقول:- إنه(قده) ذكر أن ظاهر الروايتين لزوم التقسيم الثلاثي بالتساوي - وهذا ما ذكره في المقدمة الأولى - ونحن إذا رجعنا الى الروايتان وجدنا صحيحة سيف تقول:- ( قال أبو عبد الله ليه السلام:- إن سعيد بن عبد الملك قدِم حاجّاً فلقي أبي فقال:- إني سقت هدياً فكيف أصنع ؟ ....... أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع ولمعتر ثلثاً وأطعم المساكين ثلثاً ... ) وفي موثقة شعيب ورد هكذا:- ( ... كل ثلثاً وأهد ثلثاً وتصدق بثلث ) ، ونقول إن كلمة الثلث تستعمل عرفاً بمعنيين فتارةً تستعمل بمعنى الثلث المساوي للثلث الآخر بحيث تكون ثلاثة أقسام وكل قسم يساوي الثلث الآخر ، وأخرى يطلق ويستعمل بمعنى ثلاثة أقسام فإذا فرضنا أنّا قسّمنا الحيوان ثلاثة أقسام فبالتالي يصحّ أن نقول هو قد قُسّم الى ثلاثة أثلاث فيستعمل الثلث بمعنى القسم واحداً من ثلاثة أما أنه مساويٍ فهذا لا يكون ملحوظاً ، وعلى هذا الأساس كيف نثبت أن الروايتين دلتا على لزوم التساوي . نعم نسلم أنهما دلتا على التقسيم الثلاثي أما أنه تلزم المساواة بين الأقسام فهذا لا يستفاد منهما فإن الثلث لا يؤخذ في مفهومه ومعناه أنه مساوٍ للقسم الآخر . إذن هذه المقدمة قابلة للنظر وتبقى المسألة استظهارية من هذه الناحية.
 والشيء الثاني الذي أريد أن أقوله وهو المهم:- إنه(قده) ذكر أن ظاهر الروايتين الاستناد الى الكتاب الكريم فيما ذكرتا من حكمٍ ، وهذا مطلبٌ لم يُثبِته وهو مجرد ادّعاء ، يعني هو قد ادّعى أن ظاهر الروايتين أنهما استندتا الى الكتاب الكريم ، ونحن نقول من أين لك هذا ؟ والجواب:- ليس له إلا أن يقول أنه عُبّر بالقانع والمعتر - ولا يوجد شاهد غير هذا - وهذا في الحقيقة ثابتٌ فقط وفقط في صحيحة سيف التمّار وليس بثابتٍ في موثقة شعيب لأنه لا يوجد فيها قانع ومعتر وإنما يوجد فيها ( كل ثلثاً واهد ثلثاً وتصدق بثلث ) فمن أين فهمنا أن الإمام عليه السلام استند الى الكتاب الكريم وأخذ هذا الحكم من الكتاب الكريم ؟! فهذه الرواية ليست فيها دلالة والرواية التي فيها دلالة هي صحيحة سيف التمّار ، وحينئذ نقول:- إن صحيحة سيف وإن عبّرت بالقانع والمعتر وظاهر ذلك الاستناد الى الكتاب الكريم بيد أنه نقول إن الذي ذكره الإمام عليه السلام في الرواية حكمان حسب ما فهمه هو(قده) الأول هو لزوم التقسيم الثلاثي والثاني هو أنه يلزم أن تكون الأقسام متساوية ، وحينئذ نقول:- إن الإمام عليه السلام حينما استند الى الكتاب الكريم هل استند الى كلا الحكمين أو يكفيه الاستناد الى الحكم الأول ؟ لا يمكنه(قده) أن يدّعي أنه استند في كلا الحكمين الى الكتاب الكريم فإنه يكفي لصحّة التعبير بالقانع والمعتر - الذي ورد في الكتاب الكريم - في الرواية ملاحظة الحكم الأوّل فبلحاظ الحكم الأوّل عبّر الإمام عليه السلام بالقانع والمعتر وأخَذَ ذلك من الكتاب الكريم وأما بلحاظ الحكم الثاني فمن أين لك هذا ؟! وعلى هذا فلا يثبت آنذاك أن الكتاب الكريم قد دلّ على أن القسمة الثلاثية يلزم أن تكون متساوية وإنما غاية ما يثبت هو أن الكتاب الكريم دلّ على لزوم التقسيم الثلاثي فقسمٌ للأكل وقسمٌ للقانع والمعتر وقسمٌ للإهداء أما أن هذه الأقسام يلزم أن تكون متساوية وقد استند الإمام عليه السلام في هذا الحكم الثاني الى الكتاب الكريم فهذا لا يمكن إثباته ، ومعه لا يمكن أن نقول إن الكتاب الكريم قد دلّ على لزوم التساوي بين الأقسام حتى نتعدّى الى هدي التمتع فالمهم عندنا هو أنّا نريد أن نتعدى الى هدي التمتع بعد اثبات أن الكتاب قد دلّ على أن الأقسام يلزم أن تكون متساوية فإذا دلّ الكتاب الكريم على أن الأقسام متساوية فحينئذً حيث إن الكتاب الكريم مطلقٌ فيثبت أن هدي التمتع هو كذلك - يعني يلزم أن تكون الأقسام فيه متساوية - أما إذا قلنا إن الإمام عليه السلام حينما استفاد الحكم من الكتاب كانت استفادته بسبب تعبيره بالمعترّ هو ملاحظة الحكم الأوّل - أي أصل التقسيم الثلاثي - وأما بلحاظ الحكم الثاني فيحتمل أنه استند الى الكتاب الكريم ويحتمل أنه لم يستند إليه إذ يكفي لإشباع الحاجة للتعبير بالقانع والمعتر ملاحظة الحكم الأوّل فحينئذ لا يمكن أن نثبت أن الكتاب الكريم يدلّ على التساوي بين الأقسام وبالتالي لا يمكن أن نثبت بإطلاقه الشمول لهدي التمتع.
 ومن خلال هذا اتضح أنه لا يمكن أن نثبت من خلال هاتين الروايتين أن القسمة الثلاثيّة يلزم أن تكون متساوية.
 ثم إنه لو تنزّلنا وسلّمنا أن القسمة الثلاثية يلزم أن تكون بالتساوي نسأل ونقول:- هل يلزم أن تكون الأقسام الثلاثة متساوية بحسب الدقّة أو أنها متساوية تقريباً وتخميناً ؟ وبكلمة أخرى:- هل يلزم أن نأتي بميزانٍ ونزنُ كلّ قسمٍ أو أنه يكفي التفاوت اليسير ؟ - وهذا لم يتعرض له السيد الماتن(قده) وكان من المناسب التعرض له-.
 والجواب:- المناسب أنه يكفي التنخمين ولا حاجة الى الدقّة لا لأجل قضيّة الحرج فإنه قد يخطر الى الذهن أن المستند هو نفي الحرج إذ لو كان المناط على الدقّة فتحصيل التساوي بالدقّة أمرٌ صعب ، ونحن نقول:- إنه قبل أن تصل النوبة الى الحرج يكفي التخمين والتقارب الظاهري بلا حاجة الى التساوي بالدقّة ، والوجه في ذلك هو أنه حينما يُؤمَر فظاهر الأمر في أمثال هذه الحالات كون المقصود ذلك - أي التساوي التخميني - فحينما أقول ( هذا الطعام أعطِ منه لكلّ شخصٍ مقدارَ إناءٍ ) فليس المقصود أنه لابد وأن تكون الأواني متساوية بلحاظ المقادير التي فيها وإنما المقصود هو المتساوية بحسب التخمين وإلا فالدقّة لا تلحظ في أمثال هذه الموارد حتى لو فرض أنه لا يلزم من ذلك عسرٌ وحرج فرغم ذلك لا يفهم العرف في أمثال هذه الموارد التساوي الدقيّ وإنما يفهم التساوي التقريبي التخميني وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
 الأمر الثالث:- إن أكل الناسك من الهدي - على ما ذكرنا سابقاً - ليس بلازمٍ باعتبار أن الأمر الوارد في الآيات والروايات وارد مورد توهم الحظر فلا يستفاد منه الوجوب.
 هذا ولكن السيد الماتن(قده) اختار لزوم الأكل مع الإمكان وأما إذا لم يكن الأكل ممكناً لأجل وجود المانع مثلاً - كما في زماننا - فلا يكون لازماً.
 وما هو الدليل على لزوم الاكل ؟
 والجواب:- تمسك لذلك بوجهين على ما جاء في أجود التقريرات [2] :-
 الوجه الأول:- إن ظاهر الأمر في الآيات والروايات هو الوجوب ولا نرفع اليد عن الظهور المذكور بمجرد ما نقل الزمخشري فإن هذا - كما قلنا - لم يثبت ، مضافاً الى أن الاسلام ناسخٌ لما سبقه . إذن لا موجب لتوهم الحظر من هذه الناحية فنتمسك بظهور الأمر.
 ونحن ناقشنا ذلك فيما سبق وقلنا:- إنه لو كان المستند في توهم الحظر هو نقل الزمخشري فيوجد مجالٌ لما ذكره(قده) ، بيد أن المستند ليس هو ذلك وإنما هو أن الانسان عادةً حينما يذبح شيئاً فيأتي توهم أن هذا مادام هو من كيسه فلا يجوز له أن يأكل منه ، فهذا التوهم موجود بقطع النظر عن نقل الزمخشري وما شاكل ذلك ، وعليه فالأمر واردٌ مورد توهّم الحظر من هذه الناحية.


[1] التقرير، الخوئي، ج5، ص298، ط قديمة.
[2] التقرير، الخوئي، ج5، 295، ط قديمة.