39/01/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وأما حالة العلم بالغصبية بعد الأخذ:- وهنا أيضاً توجد حالتان:-

الأولى:- أخذها وتلفت ثم علمت بأنها مغصوبة ، يعني أنَّ العلم بالغصب صار بعد الأخذ.

الثانية:- أخذتها ولم تتلف بعد ثم علمت بأنها مغصوبة ثم تلفت بعد العلم بالغصب.

أما في الحالة الأولى:- فقد ذهب الشهيد الثاني(قده)[1] إلى عدم الضمان وبدعوى أنه جاهل وليس على الجهال ضمان ، فإنه جاله بأنها مغصوبة فيتصور أن الأخذ لها جائز فإذا تلفت لا ضمان ، وبعد ما علم يشك هل ثبت الضمان أو لا فيستصحب عدم الضمام السابق . وهذه فتوى غريبة منه.

بيد أنَّ الشيخ الأعظم(قده)[2] ذهب إلى الضمان . وهو المناسب ، ومن المناسب له أن يتمسّك بقاعدة على اليد فإنها مطلقة ولا محذور في ثبوت الأحكام الوضعية في حق الجاهل بل حتى الناسي والغافل إنما الذي يشكل ثبوته هو الحكم التكليفي دون الوضعي فبمقتضى الاطلاق الضمان ثابت فلذلك ذهب إلى الضمان.

وما ذكره من الحكم بالضمان شيء مقبول ولكن لا لقاعدة على اليد فقد قلنا يه لم تثبت وإنما لأجل السيرة والسيرة تحكم بالضمان حتى في حق الجاهل غايته يرجع هذا الجاهل على من دفع إليه هذا المال - أي السلطان - فالضمان يستقر على السلطان ولكن الآخذ أيضاً عليه الضمان ، فإذن المناسب هو لضمان لقضاء السيرة بذلك ولكنه يتمكن من الرجوع شرعاً على السلطان ، ولا تقل:- إنه لا يستطيع أن يرجع على السلطان ، فأقول:- إنَّ هذا بيان لحكمٍ شرعي ، فلو وقعت في يده أموال للسلطان فمن باب المقاصة يجوز له أن يأخذ ماله إما بإذن الحاكم الشرعي أو من دون إذنه والأحوط الاذن من الحاكم الشرعي خوفاً من الفوضى.

وأما لحالة الثانية:- وقبل أن نجيب يلزم أن نفترض أنه حينما علم بكونها مغصوبة قصد ابقاءها بنيّة الرد ما إذا قصد ابقاءها بنية عدم الرد فمن الواضح أنه يثبت الضمان هنا لأنَّ يده تكون يد عدوانية ، إنما كلامنا يلزم أن نحصره فيما إذا أخذها ثم علم بكونها مغصوبة وقصد الردّ ثم تلفت.

فعلى رأي الشهيد الثاني(قده):- فحيث إنه قال إنَّ الجاهل لا ضمان عليه وهو كان جاهلاً بالغصبية حينما أخذها ولكن بعدما علم وقصد الرد نشك في ارتفاع عدم الضمان وتبدله إلى الضمان فنستصحب عدم الضمان السابق . وبالفعل هو حكم هكذا أيضاً.

وأما على رأي الشيخ الأعظم(قده)[3] :- فالقضية بالعكس ، فهو حينما أخذ الجائزة والمفروض أنها مغصوبة ولم يكن قصاداً للرد لأنه كان يتصوّر أنها ليست مغصوبة فالمناسب ثبوت الضمان عليه في فترة حالة الجهل ، ثم إذا علم وقصد الرد نشك في ارتفاع الضمان فنستصحب الضمان.

وأما السيد اليزدي(قده)[4] فقال:- إنَّ اليد أوّلاً يثبت عليها الضمان حينما كان جاهلاً حينما لم يقصد الرد فيده ليست يد احسان فيثبت الضمان أما الآن فقد تبدل العنوان والموضوع فهو قد علم بأنها مغصوبة وقصد الرد فيده يد احسان لا عدوان فالمناسب أنه لا ضمان.

فإذن هو يوافق الشهيد الثاني(قده) ولكن من طريق آخر وهو أنه يقول إنَّ الأحكام تتغير بتغير موضوعاتها ، ونصّ عبارته: ( والحاصل إن اليد إذا انقلبت من العدوان والخباثة إلى الاحسان والأمانة ينقلب الحكم أيضاً . ودعوى أن علّة الضمان الأخذ العدواني من الأوّل فلا يفيده الانقلاب كما ترى إذ مقتضى عموم " ما على المحسنين " ونحو من أدلة الامانة المحصّصة لعموم على اليد الارتفاع وكون لضمان مادامت عدوانية ) ، فهو يريد أن يؤكد القضية وهي أنَّ تلك اليد كانت موجبة للضمان مادمت عدوانية فإذا أصبحت احسانية فحينئذٍ يرتفع الضمان.

وأما الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[5] والسيد الخوئي(قده)[6] :- فقد خالفا السيد اليزدي ووافقا الشيخ الأعظم وقالا إنَّ اليد سابقاً حين الجهل كانت مقتضية للضمان إذ لم يقصد الرد ولو كان ذلك بسبب الجهل وبعد ذلك لم يحصل ما يقتضي نفي الضمان فإنَّ كون اليد احسانية هي لا تقتضي عدم الضمان بل لا تقتضي الضمان وعند اجتماع ما يقتضي الضمن مع ما لا يقتضي الضمن يقدّم مقتضي الضمان ، وهذه نكتة لطيفة.

 


[4] الحاشية على المكاسب، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1، ص35.
[5] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج1، ص328.
[6] تراث السيد الخوئي (مصباح الأصول )، تسلسل35، ص771، 772.