35/11/28


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السابع , الارتماس , مسألة 39,38
مسألة 38 ( إذا كان مايع لا يعلم أنه ماء أو غيره أو ماء مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه )[1]
وفرق هذه المسألة عن مسألة (35) واضح, حيث ان المفروض في تلك المسألة وجود علم اجمالي , بينما في هذه المسألة لا يوجد علم اجمالي وانما شك بدوي فقط ؛ و دليل عدم وجوب الاجتناب عن هذا ا لمائع هو اصالة البراءة كما يذكرون ذلك , لأن الشك فيه يرجع الشك في التكليف وهو مجرى لأصالة البراءة ؛ وقد علق المحقق النائيني على العروة بما يخالف هذا الكلام , حيث قال الاقوى وجوب الاجتناب .
ولبيان صحة ما ذكره السيد الماتن واجراء اصالة البراءة نقول
ان اجراء البراءة في المقام يتوقف على امرين لابد من الالتزام بهما لكي نصحح ما ذكره السيد الماتن من الالتزام بالبراءة في محل الكلام والالتزام بعدم وجوب ا لاجتناب .
الاول: ان نؤمن كبرويا في مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر حتى الارتباطيين بأن الاصل الجاري فيها هو البراءة , ومثال الارتباطيين كما لو شك بوجوب السورة في الصلاة, ومثال دوران الامر بين الاقل والاكثر الاستقلاليين هو ما لو شك بأنه مدين لزيد بدرهم او بدرهمين .
الثاني: ان يكون الارتماس الذي هو المانع من الصوم مأخوذا على نحو مطلق الوجود, بحيث يكون النهي عنه وطلب تركه منحل الى تكاليف متعددة بعدد ما للمانع من افراد, فكل ما وجد هذا المانع يطلب تركه, واذا شك المكلف في ان هذا مانع او لا (ارتماس او لا)؟ فهذا يعني انه يشك في تكليف, لأن تكليفه بترك المانع ينحل بعدد افراد المانع وكل مانع له تكليف يخصه.
وهذا ما يشبه العموم الاستغراقي فأنه عندما يقال اكرم العالم فأنه يعني ان كل فرد من افراد العالم له اطاعة خاصة به وعصيان خاص به لا يتأثر اطاعة هذا الفرد او عصيانه بإطاعة او عصيان فرد اخر.
وهذا ما يقابل المانع الذي يكون مأخوذا بنحو صرف الوجود ( صرف وجود المانع هو الذي يطلب تركه) حيث لا يوجد الا تكليف واحد .
واذا تم هذان الامران تتم فتوى السيد الماتن , لأن الشك في ان هذا المائع ماء مطلق او ماء مضاف او مائع اخر مرجعه الى الشك في تكليف زائد ؛ فهو يعلم انه مكلف بترك الارتماس في هذا الماء المطلق ( كماء نهر الفرات مثلا) ومكلف بترك الارتماس في ذلك الماء المطلق ( كماء نهر دجلة) وهكذا في كل ماء يحرز بأنه ماء مطلق , لكنه عند الشك في انه مكلف زائدا على تلك التكاليف بترك الارتماس في هذا المائع المشكوك؟ او لا ؟
لأنه ان كان ماءا مطلقا فهو مكلف بترك الارتماس فيه والا فهو غير مكلف , وهذا الشك شك في التكليف الزائد والامر في المقام يدور بين الاقل والاكثر ؛ فالأقل هو الافراد المتيقنة, والاكثر هو عبارة عن مجموع الافراد المتيقنة وهذا الفرد المردد( المشكوك) , والمفروض ان الاصل الجاري في المقام هو اصالة البراءة .
والوجه في كون دورانه بين الاقل والاكثر هو ان المانع مأخوذ بنحو مطلق الوجود , ولازم ذلك هو وجود تكاليف متعددة بعدد ما للمانع من افراد؛ وعليه فعندما يشك في ان هذا مانع او لا سواء كان بنحو الشبهة المصداقية او الشبهة الموضوعية , فأن هذا شك في التكليف الزائد فجري البراءة .
ومن هنا يتضح توقف فتوى السيد الماتن على هذين الامرين .
لأنه مع انكار الامر الاول لا ينفعنا ادخال المقام في مسألة الاقل والاكثر فيما لو كان المرجع فيها هو اصالة الاشتغال وليس البراءة .
وانكار الامر الثاني اي لو قلنا بأنه مأخوذ على نحو صرف الوجود ولا انحلال في المانع , وان الموجود هو حكم واحد مطلوب فيه ترك صرف وجود المانع , وشككنا في ان هذا ماء مطلق او ماء مضاف , فأنه لا يكون شك في التكليف الزائد وانما يدخل في باب الشك في المحصل , فيقال ان المعلوم هو تكليف واحد اشتغلت به الذمة ولا نعلم عند رمس الرأس في هذا المائع هل يتحقق الامتثال لهذا التكليف ؟ او لا ؟ فيكون الشك في الامتثال , وفيه يكون المرجع اصالة الاشتغال لا اصالة البراءة .
ومن هنا يمكن ان يقال لعل تعليقة المحقق النائيني مبنية على المناقشة في هذين الامرين او على احدهما , كما لو كان لا يرى ان المانع في المقام مأخوذ بنحو مطلق الوجود , فأنه قد يرى ان المانع مأخوذ بنحو صرف الوجود ؛ او انه يرى _ وان كان بعيدا_ ان المرجع في مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر هو الاشتغال وليس البراءة .
والذي يبدو ان كلاً من الامرين تام , اما الامر الاول فواضح _كما يظهر في محله_ حيث ان المرجع في مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر هو اصالة البراءة لا الاشتغال .
واما الامر الثاني فالظاهر ان المانع ( الارتماس) مأخوذ بنحو مطلق الوجود وليس بنحو صرف الوجود ؛ والسر في هذا هو ان نهي الصائم عن الارتماس لا اشكال في انه ينشأ من حزازة ومبغوضية من وجوده في الخارج ؛ وهذه المبغوضية تستدعي ان يكون طلب تركه على نحو مطلق الوجود لأنه اي فرد من افراد الارتماس سيحقق المبغوض , لأن المبغوض هو اصل وجود الارتماس من الصائم , وعليه فلابد من النهي عن كل ارتماس (لان كل ارتماس يحقق ما هو مبغوض له ) ؛ ويحصل النهي عن كل ارتماس بأن يأخذ المانع والارتماس بنحو مطلق الوجود والطبيعة السارية وهذا معنى انحلال النهي الى نواهي متعددة بتعدد افراد الارتماس , لأن كل فرد من افراد الارتماس يحقق المبغوض للشارع , والنهي في المقام كالنهي عن شرب الخمر والغيبة حيث انه ناشئ من مبغوضية حصول هذه الامور في الخارج وهذا ما يستدعي ان ينحل الحكم بعدد الافراد في الخارج.
ومن هنا يكون الشك في التكليف في محل الكلام شكا في التكليف الزائد فيدخل في مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر والمفروض ان المختار فيه هو اصالة البراءة .
فالصحيح ما ذكره السيد الماتن (قد) من عدم وجوب الاجتناب في هذه المسألة
مسألة 39 ( إذا ارتمس نسيانا أو قهرا ثم تذكر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة إلى الخروج وإلا بطل صومه)[2]
والدليل على بطلان الصوم فيما ذكره السيد الماتن في هذا الفرض هو ان البقاء وعدم المبادرة الى ا لخروج يعتبر ارتماسا عمديا, واذا كان ارتماسا عمديا فأنه يوجب البطلان .
وهذا الكلام مبني على ان النهي عن الارتماس في الماء لا يختص بالحدوث وانما يشمل البقاء ايضا ؛ واما اذا قال احد بأن المفهوم من الدليل ان المنهي عنه هو احداث الارتماس فأنه حينئذ لا تكون عدم المبادرة موجبة للبطلان ,لأن احداث الارتماس حصل قهرا او نسيانا حسب الفرض وهو غير موجب للبطلان , والبقاء في الارتماس غير منهي عنه لعدم شمول الدليل الناهي له.
وهذه الفتوى_ فتوى السيد الماتن_ تامة بناءا على هذا التعميم ( اي تعميم النهي عن الارتماس حدوثا وبقاءا )
لكن قد يقال ان الظاهر من الادلة هو النهي عن الاحداث فقط ولا تشمل الابقاء , كما هو الحال في نضائر المقام ومُثّل لذلك بما اذا قال اغتسل, فهنا يستشكلون في الاغتسال البقائي , ويقولون ان ظاهر الدليل هو احداث الاغتسال فلو فرضنا انه ارتمس في الماء من دون نية الاغتسال ثم نوى الاغتسال الارتماسي وهو تحت الماء فأنه لا يجزي ولا يصح , لأن هذا ابقاء وليس احداث وهو مأمور بالإحداث فيجب عليه ان يخرج ثم ينوي فيرتمس ؛ وقد افتى بعض المتأخرين بهذه الفتوى بل افتى حتى فيما لو كان الغسل ترتيبيا وكان قد صب الماء على رأسه من دون نية الاغتسال ثم بدا له ذلك فنوى الاغتسال فأنه لا يجزي ولا يصح , وانما يجب عليه ان يقطع الماء عنه ثم ينوي ثم يصب الماء على رأسه , وهكذا الكلام في وجوب السجود كما لو كان المكلف ساجدا وسمع اية السجدة فأنه لا يكتفي بهذه السجدة لأنه يجب عليه احداث السجود وليس الابقاء .
فليكن ما نحن فيه من هذا القبيل , فأن المنهي عنه هو الارتماس وقد فهمنا من هذا النهي البطلان, لكن النهي عن احداث الارتماس وفي فرض هذه المسألة لا يتحقق المنهي عنه المبطل , لأن الاحداث حصل نسيانا او قهرا , فإذا لم يبادر الى الخروج فهو ليس احداثا للأرتماس وانما هو ابقاءا وهو غير مشمول للدليل حسب الفرض فلا يكون مبطلا للصوم .
لكن الذي يبدو ان الامر ليس بهذا الشكل , وان كان يظهر صحة ما في الامثلة المذكورة (اغتسل ,اسجد)
وانما الظاهر ان مناسبات الحكم والموضوع تفرّق بين الاوامر والنواهي ؛ فالأوامر من قبيل اغتسل واسجد قد يصح هذا الكلام فيها اي انها لها ظهور في الاحداث , بحيث ان الشخص لا يكون ممتثلا ان لم يحدث الغسل او السجود.
لكن النواهي ليست هكذا ,فأن المفهوم من مناسبات الحكم والموضوع ان النهي اعم من الاحداث والابقاء ؛ فالشارع المقدس نهى المحرم عن لبس المخيط, فلو فرضنا ان المحرم لبس المخيط نسيانا ثم تذكر بعد ذلك , فهل يحرم عليه بقاء اللبس او لا؟ فأنه ان كان النهي مختص بالإحداث فلا يحرم عليه ابقاءه ؛ ولكنه لا اشكال في حرمة ابقاءه لبس المخيط ؛ وهكذا الكلام في النهي عن السجود لغير الله فأن لو سجد قهرا ثم ارتفع القهر فأنه لا يقال له ان بقاءك ساجدا غير منهي عنه لأن النهي عن احداث السجود فقط ؛ وانما المفهوم من النهي عن السجود لغير الله هو النهي عن احداثه وابقاءه ؛ ونفس الكلام في قول المولى لا تسافر فسافر قهرا او نسيانا او قال له لا تغصب فغصب قهرا او نسيانا .
فالظاهر ان النواهي تختلف عن الاوامر, والذوق يساعد على هذا التفريق وحيث ان ما نحن فيه نهي (نهي عن الارتماس ) فأنه كما يشمل الاحداث يشمل الابقاء ؛ فيصح ما ذكره السيد الماتن من انه اذا لم يبادر الى الخروج فأنه يعد ارتماسا عمديا ومشمولا للدليل وموجبا للبطلان .