39/02/09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية القرعة - مسألة ( 39 ) جوائز الظالم.

الأمر الثاني:- المناقشة فيما أفاده الشيخ العراقي(قده) فإنه ذكر[1] ما حاصله: إنَّ الشبهة الحكمية خارجة تخصصاً وموضوعاً من دليل حجية القرعة ، وهذا المقدار نوافقه عليه لأننا بنينا أيضاً على ذلك ، بيد أننا نخالفه في التعليل ، فهو علل بأنَّ المقصود من المجهول ما كانت ذاته مجهولة وكنهه مجهول ، ومن المعلوم أنه في الشبه الحكمية ذات الشيء معلومة فأنا أعرف أن هذا لحم الأرنب ولكن لا أعلم أنه حرام او لا فالمجهول هو الوصف أي الحكم دون الذات فإنَّ الذات معلومة فإنَّ هذا أرنب وهذا تدخين وهذا عصير تمري أو زبيبي نشك أنه حرام إذا غلى أو ليس بحرام ، فدائماً في الشبهات الحكمية الذات والماهية معلومة وإنما الجهالة في الحكم قال(قده) فهذا لا ينطبق عليه عنوان المجهول فيكون خارجاً من دليل حجية القرعة.

إذن يختصّ دليل حجية قرعة بخصوص الشبهة الموضوعية حيث إنَّ الذات فيها مجهولة ، فأنت لا تعلم أنَّ هذا ماء أو خمر فهذه شبهة موضوعية الحكم فيها واضح ولكن لا تدري أنه ماء أو خمر فالذات تكون مجهولة ، هذا ما افاده(قده).

وكما اتضح أننا نوافقه في أصل المدّعى ، وإنما نخالفه في التوجيه ، فإنه ذكر أنَّ المقصود من المجهول ما كانت ذاته وحقيقته مجهولة وفي الشبهة الحكمية الذات ليست مجهولة ، ونحن نقول له: إنَّ استفادة هذا من جملة ( القرعة لكل أمر مشكل ) يعني من كانت ذاته مجهولة فإنَّ حصر المجهول بهذا استظهار لا نرى له مبرراً ، بل صحيح أن كلمة المجهول من هذه لناحية تنطبق على ما إذا كانت الذات مجهولة أو ما إذا كان الوصف مجهولاً مع معلومية الذات فكليهما مجهولٌ من هذا الحيث ، ولكن المناسب ما فعلناه حيث قلنا إنَّ المجهول يصدق باعتبار أنه يوجد مقرّر وقاعدة عقلية أو شرعية ومع وجود الموقف فلا يصدق أنّ هذا شيء مجهول.

فإذن نحن استثنينا الشبهة الحكمية لا من باب حصر المجهول بما كانت ذاته مجهولة ، بل أخرجنا الشبهة الحكمية باعتبار أنه يلزم في صدق المجهول أن لا يكون المقرر الشرعي أو العقلي واضحاً ومع وضوحه لا يصدق أنه مجهول ، فالنكتة لاختصاص المجهول بالشبهة الموضوعية دون الحكمية ينبغي أن تكون كما ذكرنا لا كما ذكر(قده).

الملاحظة الثانية:- هل القرعة تختص بالإمام بحيث الامام هو الذي يجريها فقط أو بإضافة نوابه الفقهاء ؟

والجواب:- ذكر الشيخ النراقي(قده)[2] أنَّ القرعة وظيفة للإمام عليه السلام أو نائبه دون ما سوى ذلك.

وفيه:- إنَّ المناسب هو التفصيل فيقال إنَّ تحديد أنَّ هذا المورد هو مورد القرعة يحتاج إلى الامام أو نائبه ، أما بعد اتضاح أنَّ هذا المورد هو مورد القرعة فلا يلزم أن يجري القرعة الامام أو الفقيه بل يجوز للمتنازعين أن يجرياها فيما بينهما ، والوجه في ذلك: أما أنَّ القرعة لا تختص بالإمام عليه السلام فلأن لازم اختصاصها به تعطيل حلّ النزاع في زمان الغيبة وهذا شيء لا نحتمله ، أي لا نحتمل أنَّ الاسلام يقول فلتبقَ الخصومات والنزاعات والمشكلات على حالها في زمان الغيبة ، فنحن نقطع بأنَّ الاسلام لا يرضى بذلك ، يعني ما نعرفه عن الاسلام أنه لا يحتمل في حقّه هذا المعنى وأن الخصومات فقط تحلّ في زمان حضور الامام عليه السلام أما في زمان الغيبة فتبقى على حالها ، ولو قال قائل:- من أين أتيت بهذا القطع ؟ قلت:- إنَّ هذا لا جواب له عندي سوى أنَّ من يعيش الاسلام وروحه فسوف يصل إلى هذا القطع وهذه قضايا وجدانية.

إذن القرعة لا تختص بالإمام بل تعم زمان الغيبة يعني الفقيه العالم فهو أيضاً يجوز له أن يجري القرعة ، وأما أنه لا يجوز للمكلف أن يجريها هو ابتداءً فلنه يلزم تعيين موردها فهو لابد وأن يعرف أنَّ هذا المورد هو مورد القرعة أو لا وهذا عادةً لا يعرفه المكلّف العامي فلابد من تشخيص ذلك من قبل الامام عليه السلام أو المجتهد فإنَّ تم التشخيص أمكن آنذاك للعامي اجراء القرعة ، كما إذا فرض أنه رجع الطرفان إلى المجتهد فقال لهما إنَّ وظيفتكم هي القرعة أو لاحظوا في الرسالة العملية كما لو تنازعا في دارٍ ولم تكن لهما بيّنه أو كانت لهما يد أو كانت لهما بيّنة فالنوبة تنتهي إلى القرعة ، فحينئذٍ لو تم التشخيص ولو بواسطة الرسالة العملية فيمكن للمتنازعين آنذاك أن يجريا القرعة بينهما بلا حاجة إلى الرجوع إلى المجتهد ، والوجه في ذلك اطلاق الدليل من هذه الناحية ، فإنَّ المستند المهم لحجية القرعة أمران ، الأوّل الروايات مثل رواية محمد بن حكيم ( القرعة لكل أمر مجهول ) وهي لم تقيّد بأن يكون المجري لها هو الامام عليه السلام بل هي مطلقة من هذه الناحية ، والثاني السيرة العقلائية وهي وإن كانت دليلا لبّياً إلا أنَّ الدليل اللبّي يتمسّك به في القدر المتيقن من الناحية التي يوجد فيها شك وإجمال ، ولكنه ربما من ناحية أخرى لا يكون هناك شك وإجمال بل يكون اطلاق كما هو الحال في محل الكلام فإنَّ السيرة العقلائية لا تخصّص اجراء القرعة بالمجتهد أو الامام عليه السلام بل هي تعمم من هذه الناحية ولا تفرّق بين المجتهد والامام والمكلّف العادي فإنَّ الجميع يمكن أن يجريها ، فإذن اطلاق السيرة من هذه الناحية تام.

وينبغي ملاحظة أنَّ الدليل اللبّي ليس دائماً فيه اجمال فيتمسّك بالقدر المتيقن ، بل أحياناً من بعض النواحي نعم فيه اجمال ولكن من بعض النواحي الأخرى فيه اطلاق وعموم ، وهنا السيرة لا تفرق من هذه الناحية بأن يكون المجري للقرعة هو الامام أو المجتهد أو غيرهما.

هذا ولكن توجد روايتان ربما يتمسّك بهما لإثبات اختصاص القرعة بالإمام:-

الرواية الأولى:- ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عمن ذكره عن احدهما عليهما السلام:- ( القرعة لا تكون إلا للإمام )[3] .

ولكن يرد عليها:-

أوّلاً:- هي مرسلة حيث رواها حمّاد عمّن ذكره.

ثانياً:- هي قالت ( القرعة لا تكون إلا للإمام ) يعني المجتهد لا يجوز له ذلك وهذا لا نحتمله ، فلابد أن يكون المقصود هو أنه في زمان الحضور لا تكون القرعة إلا للإمام وهذا مقبول ، فنحملها على زمان الحضور وأنَّ القرعة في زمان الحضور لا تكون إلا للإمام عليه السلام لهذه القرينة التي ذكرها.

الرواية الثانية:- ما رواه لشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن اسماعيل بن مرار عن يونس:- ( قال:- في رجل كان له عدّة مماليك فقال أيكم علّمني آية من كتاب الله فهو حر فعلّمه واحد منهم ثم مات المولى ولم يدر أيهم الذي علّمه ، قال:- يستخرج بالقرعة ، قال:- ولا يستخرجه إلا الامام لأنَّ له على القرعة كلاماً ودعاءً لا يعلمه غيره )[4] ، ودلالتها واضحة على اختصاص القرعة بالإمام عليه السلام.

ولكن يرد عليها:-

أولاً:- إنه ورد في السند اسماعيل بن مرار وهو لم يوثق إلا بناء على تمامية كبرى وثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات ونحن لا نبني على ذلك ، فإذن هي ضعيفة السند من هذه الناحية.

ثانياً:- هي مقطوعة - وليست مضمرة[5] - ، فإذن هي محلّ إشكال من هذه الناحية أيضاً.

ثالثاً:- إنَّ الرواية علّلت بأنَّ هذا للإمام عليه السلام فقط لأنَّ له على القرعة كلاماً ودعاءً لا يعلمه غيره ، وهذا لابد من حمله على الاستحباب ، فإنَّ الدعاء ليس بلازم ولا يحتمل فقيه أنَّ الدعاء حين القرعة لازم ، فلابد من حمل هذا على الاستحباب ، يعني أنه للإمام يكون الحكم مستحب لأنَّ الدعاء مستحب.

مضافاً إلى أنه لا نحتمل اختصاص القرعة بالإمام عليه السلام وإلا يبقى زمان الغيبة معطّل من هذه الناحية وتبقى الخصومات.

إذن كلتا الروايتين لا يمكن العمل بهما ولابد من حلمهما على بعض المحامل ، وبهذا ننهي كلامنا عن القرعة.


[5] والفرق بين المقطوعة والمضمرة انه في المضمرة يوجد ضمير من قبيل ( قلت له ) وأما في المقطوعة فلا يوجد ضمير الأمر هنا كذلك لأنه عن عن اسماعيل بن مرار عن يونس ( قال ) وقال يحتمل أن يونس هو الذي قال وليس ( قلت له ) حتى نقول هذا الكلام حتماً ليس ليونس فحينئذٍ مرجع الضمير لابد وان يكون معهوداً ولا يوجد شخص معهود بين الجميع غلا الامام، كلا هنا لا يوجد هذا الشيء وإنما قال ( قال 9 فيحتمل الرجوع إلى يونس.