36/01/21


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
تقدم سابقا ان المستفاد من موثقة ابن بكير وروايته هو المانعية في الجملة[1] في قبال المانعية مطلقا[2] و عدم المانعية مطلقا[3], وقد بينا كيفية استفادة ذلك من الرواية والكلام يقع في كيفية استفادته من الموثقة .
فهي تقول (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعا ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار... الحديث)[4]
ولنفترض ان الرواية دالة على تعمد النوم حتى الصباح (أي تعمد البقاء على الجنابة ) .
فالذي يبدو ان السائل سأل هذا السؤال لأنه يتوهم _يحتمل ان الصوم المندوب حاله حال شهر رمضان في عدم جواز الصوم في هذا الفرض _ ان الاصباح جنبا عمدا يمنع من الصوم التطوعي , ولذا يسأل عن ذلك .
فأجابه الامام عليه _ كما يُفهم ذلك من الرواية _ بالجواز, وعلل ذلك بأن وقته ممتد الى الزوال, فكأنه عليه السلام قال ( يصح صومه وهذا لا يمنع لأنه بالخيار ما بينه وبين نصف النهار )
وهذا الجواب من الامام عليه السلام (فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) لا معنى له اذا فرضنا انالاصباح جنبا عمدا لا يمنع من صحة الصوم مطلقا , أي لا يمنع حتى عند نية احداث الصوم ؛ وذلك نظير من يسأل_ على سبيل الفرض_ عن جواز الصوم التطوعي عندما ينظر الى زوجته بتخيل ان النظر الى الزوجة مانع من صحة الصوم, وبما انه ليس مانعا مطلقا فالمناسب في هذه الحالة ان يكون الجواب هو ( ان هذا (النظر الى الزوجة) لا يمنع من الصوم) بلا حاجة الى التعليل في كون نية الصوم تمتد الى نصف النهار ؛ وعليه فلا يمكن الالتزام بعدم المانعية مطلقا في محل الكلام .
وكذلك تدل الرواية على عدم كون الاصباح جنبا مانع مطلقا من الصوم المندوب ؛ فالصحيح انه يكون مانعا عند احداث نية الصوم فيصح الصوم بعد الاغتسال وهذا المعنى واضح جدا من رواية ابن بكير الثانية حيث ان السائل قيد سؤاله فيها بعد الاغتسال , وحينئذ تكون هذه الرواية(الموثقة) فيها دلالة على ما ذكرناه ( المانعية في الجملة), ويؤيده ما تقدم في رواية ابن بكير الثانية .
واما الكلام في صحيحة الخثعمي فهي بأعتبار الاطلاق الموجود فيها يجوز الصوم المندوب وان لم يغتسل حيث ورد فيها (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الايام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : صم)[5]
حيث ان مقتضى قوله عليه السلام (صم) هو الاطلاق أي سواء اغتسل اولم يغتسل ؛ لكنه لابد من تقييد هذا الاطلاق بما استفدناه من رواية وموثقة ابن بكير , فيقيد بالصوم بعد الغسل ( فيكون المعنى المراد صم ولكن بعد الغسل ) .
والظاهر ان هذا المعنى هو مراد من اطلق العبارة وذكر (ان البقاء على الجنابة عمدا لا يقدح بالصوم المندوب) , ومن هنا يظهر الفرق بين البقاء على الجنابة وبين سائر المفطرات في الصوم المندوب, حيث يعتبر اجتناب سائر المفطرات من حين طلوع الفجر , بينما البقاء على الجنابة ليس كذلك , فهو مفطر من نوع خاص حيث لا يعتبر عدمه من حين طلوع الفجر , وانما المعتبر عدم البقاء على الجنابة حين احداث نية الصوم .

اما الكلام في الصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه

ولا فرق في المقام بين الواجب الموسع والواجب المضيق , وقد الحقه _ الواجب غير شهر رمضان وقضاءه_ جماعة بصوم شهر رمضان, بل تقدم من صاحب الحدائق بنسبة ذلك (بل جميع انواع الصيام) الى المشهور ؛ ويستدل لهذا القول بقاعدة الالحاق ( أي الحاق الصوم الواجب _بل المندوب_ بصوم شهر رمضان )؛ وقد تقدم الكلام عنها وبينا عدم تماميتها في محل الكلام .
وقد ذكر في المستمسك بأنه قد يستدل على هذه القاعدة(قاعدة الالحاق) بالإطلاق المقامي لدليل حكم الفرد الخاص (مثلا الصوم المنذور) فيكون الاطلاق المقامي دليلا على الحاق حكم هذا الفرد بحكم شهر رمضان والمقصود بالإطلاق المقامي هو :-
انه يظهر من دليل وجوب صوم النذر عندما لا يبين اعتبار عدم البقاء على الجنابة عمدا فيه, ولا يبين عدم اعتباره ,بل سكت عن ذلك, فأن سكوت هذا الدليل عن البيان يظهر منه انه اتكل في مقام بيان المعتبر فيه على البيان الوارد في الصوم المعهود والمعروف والمشهور والذي امر به الكتاب والسنة القطعية وهو صوم شهر رمضان ؛ فكل ما يعتبر في ذلك الصوم يعتبر في الصوم المنذور وكل مالا يعتبر فيه لا يعتبر في الصوم المنذور ؛ فإذا دل الدليل على اعتبار عدم البقاء على الجنابة عمدا في صوم شهر رمضان حينئذ يكون هذا بمنزلة البيان على اعتباره في الصوم المنذور .
قال (قد) ان هذا يمكن ان يكون مستندا لهذه القاعدة ؛ اذن هذه القاعدة مستندها احد امرين او مجموع امرين ما تقدم سابقا ( وهو ان المتبادر من المأمور به في اوامر الصوم الوجوبية او الاستحبابية هو نفس الصوم المأمور به بأوامر صوم شهر رمضان ) وهذا هو الدليل الثاني وهو التمسك بالإطلاق المقامي .
واجاب السيد الحكيم على هذا الدليل :- ان هذا الامر وان كان محتملا ولكن يحتمل ان يكون ترك البيان في الفرد الخاص اتكالا على البيان الوارد في الصوم المندوب , وقد ورد فيه البيان في انه لا يعتبر فيه عدم البقاء على الجنابة عمدا ؛ واذا الحقنا حكم الفرد الخاص بحكم الصوم المندوب فأنه لا يحكم بفساد الصوم حينئذ , ولا موجب لترجيح الالحاق بصوم شهر رمضان على الالحاق بالصوم المندوب , وحينئذ لا يمكن التمسك بالإطلاق المقامي لأثبات هذه القاعدة .
ويمكن ان يُدعى ان المقام فيه انصراف الى الالحاق بصوم شهر رمضان فأن الاتكال لابد ان يكون على الفرد الشائع والظاهر والاصل في الصوم والذي امرت الآية القرآنية به .
فإذا تم هذا الانصراف فحينئذ يكون مقتضى الاطلاق المقامي احالة حكم الفرد الخاص(كما مثلنا له بالصوم المنذور) الى صوم شهر رمضان .
واذا قلنا بعدم وجود هذا الانصراف فأنه تتم المناقشة التي ذكرها السيد الحكيم (قد).
وسنذكر لاحقا ما بقي من الكلام في المقام .


[1] وهي تعني عدم جواز اجتماع نية الصوم مع الجنابة وانما يجوز له نية الصوم بعد الاغتسال.
[2] وهي تعني ان الصوم المندوب حاله حال صوم شهر رمضان في كون البقاء على الجنابة الى طلوع الفجر يوجب فساده.
[3] وهي تعني انه يجوز في الصوم المندوب البقاء على الجنابة حتى مع نية الصوم أي يجوز اجتماع الجنابة والصوم معا.